اختار سليم الجبوري رئيس البرلمان العراقي "إيلاف" ليكشف خلالها كل ما جرى في الساعات الحرجة التي سبقت رفع الظرف المغلق بيد رئيس الوزراء لدى اعلان التغيير بكابينته الوزارية داخل البرلمان، ومن ثم انقسامه ودخول المتظاهرين، مؤكداً أن ما حصل كان قراراً جماعيًا، وأن استقالته كانت في جيبه.

إيلاف من بغداد: تحدث رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري عن تفاصيل ما جرى في اجتماع قادة الكتل السياسية بالبرلمان قبل تفجر الأوضاع ودخول المتظاهرين، ودافع عن البرلمان تحت رئاسته مؤكدًا انه استعاد قوة دوره الرقابي، وقال إن ثمة من كان لديه مشروع لتعطيل العملية السياسية استفاد من الازمة الاخيرة. &

وقال الجبوري إن الازمة ليست برلمانية وانما تتعلق بالتعديل الوزاري، وانه طلب من رئيس الوزراء الدخول للبرلمان بظرف مغلق حتى لا يقال إن ثمة صفقات، واكد أن لاقانونية للجلسة التي رأسها النائب عدنان الجنابي ووصف دخول المتظاهرين بأنها لحظة عقّدت المشهد.

وأدناه تفاصيل الجزء الأول من الحوار:

هل أزمة البرلمان طارئة أم هي نتيجة لتراكم أزمات سابقة؟

بالنظر للازمة البرلمانية توجد قضايا آنية انما هي نتاج ملابسات لم تظهر صورتها واضحة، وولدت حالة من الاحتقان على رئاسة المجلس طول الازمة واستجلبت قضايا أخرى موجودة في نفوس البعض من السادة والسيدات من أعضاء المجلس، وهي اشبه بملاحظات تم الترويج لها، وهناك من ذهب الى ان الإشكالية في النظام السياسي ومنهاج المعالجة.

انا سرت على منهج ثابت وواضح وهو الحفاظ على حقوق النواب وتمكينهم من أداء دورهم البرلماني وفق الدستور وأيضًا الحفاظ على قوة مجلس النواب.

ما هي أسباب الازمة المفاجئة في البرلمان، ومن المستفيد برأيكم من هذه الازمة؟

أسباب الازمة ليست برلمانية بل كانت تتعلق بالتشكيلة الوزارية وبالتعديل الوزاري وحين قدم الأخ رئيس الوزراء الطلب بهذا الخصوص ومبدأ الإصلاح، والصراحة لم يكن ناضجاً بالمستوى الذي حدثت فيه تفاهمات وبالشكل الذي يزيل الاشكال الموجود؛ فضلاً عن ان الكتل السياسية والأطراف النيابية لم تكن متفقة، ومن استفاد من تلك الازمة هم من كان لديهم مشروع لتعطيل العملية السياسية ومن كانت لديهم نوايا بعضها معروف وبعضها غير معروف لتعطيل العجلة، نحن لا ننكر ضرورة الإصلاح او الوقوف امام الأخطاء الموجودة واستدراك ما فات وهذا نهجنا، لكن ان يعطل كل شيء وبالتالي يؤدي الى الضرر الذي يصيب البلاد بما نلحظه اليوم.

المشكلة كانت في الكابينة الوزارية، لماذا تحولت الى ساحة البرلمان؟

الوقائع بدأت حين جاء رئيس الوزراء بما يسمى الظرف المغلق الى البرلمان وسبقت ذلك جلسة استغرقت ساعة في غرفة رئيس المجلس، وكان أعضاء هيئة الرئاسة حاضرين، وتم الحديث عن طبيعة الظرف المغلق، وفي ذلك الحين كان المتظاهرون على اعتاب المنطقة الخضراء والسيد مقتدى الصدر معتصم في خيمة داخل المنطقة الخضراء وكان ثمة شيء من الارباك والرغبة في إتمام الامر خشية تفاقم الوضع بالطريقة التي لا نستطيع معها ان نستجمع قوانا لمواجهة التحدي الموجود خصوصًا انه كان هناك مزاج شعبي ضاغط باتجاه إتمام عملية الإصلاحات ومفهوم الإصلاحات والتركيز على الشخصيات الكفوءة أو ما يمكن تسميتها بالتكنوقراط.

ما الرؤية التي كنت تعمل بموجبها هنا؟

رؤيتي الشخصية في هذا الجانب، اعتقد ووفقًا لقناعتي يجب ان لا تسلب حقوق الكتل السياسية، وهم شركاء وماضون في عملية بناء الدولة سواء في البرلمان او في التشكيلة الحكومية، وبالتالي القول في حكومة التكنوقراط التي تسلب حقوق الكتل السياسية دورها في اختيار الوزير ولديهم من الوزراء الاكفاء القادرين على أداء دورهم، وهذا بالنسبة لي لم يكن مقبولاً بشكل واضح، وعليه جرى حوار مع رئيس الوزراء قبل ان يأتي الى مجلس النواب بضرورة أخذ هذه المسألة&في الاعتبار، وإلا ما قيمة ان يكتشف النواب بعد حين انهم صوتوا على وزراء لم يساهموا في عملية اختيارهم وليست لديهم دالة واضحة من خلال الآليات التي يمكن عبرها إدارة الوزارات.

كيف كانت تمضي تلك اللحظات، وكيف اتخذتم القرار؟

القرار في هذا الجانب لم يكن سهلاً وعليه انا رفضت ان تعرض الكابينة الوزارية، وكان هناك تواصل ووفود تذهب الى السيد مقتدى الصدر وبعض الشخصيات الموجودة، وبهذا الاطار انتهينا الى ان ما هو موجود في اطار الظرف المغلق لا بد ان يحال الى اللجان حتى يتفحص أعضاؤها طبيعة الشخصيات وكفاءتها وقدرتها كمخرج للازمة الموجودة.&

لماذا لجأتم الى هذا الخيار؟

بصراحة .. لا اريد ان اعيد للاذهان اللحظة التي صوت فيها البرلمان على الإصلاحات في بادئ الامر، ومن خلالها تمت اقالة نواب رئيس الجمهورية؛ وانا ادرك تماما أن عديدًا من النواب كانوا واقعين تحت الضغط فرفعوا أيديهم بهذا الاتجاه انذاك، ولم اكن راغبًا أن أعيد تلك اللحظة، ومن ثم يحملني البعض مسؤولية تقديم أمر في جو ضاغط، وبالتالي تتبرأ كثير من الكتل السياسية عن مسؤوليتها ومن ثم اتحمل هذا الجانب، كما يتحدث ويسأل اليوم نواب رئيس الجمهورية؛ لماذا لم يقم رئيس مجلس النواب برد عملية الإصلاحات ما دامت فيها مخالفات دستورية وقانونية.

لذلك اقترحت على رئيس الوزراء أن يأتي بها الظرف امام المجموع ويتحدث عن انه مغلق في إشارة على انني غير مطلع عليه، وبالتالي غير متوافق او بالأحرى غير متفق معه على هذا الجانب، حتى نرفع شبهة من يقول إن هناك اتفاقات تجري في الخفاء بين رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، وبالحقيقة هي ليست موجودة في الأصل، وتم تقديم الظرف المغلق وبالتالي نحن كسبنا نحو عشرة أيام لنعطي فرصة للكتل السياسية ولرئيس الوزراء الدخول في مفاوضات، لأن يأتي بشخصيات تكون مقبولة لدى الجميع؛ وفي الوقت نفسه حصل تفاوض بشأن الأيام العشرة، وهي مقنعة حتى للمتظاهرين للمضي الى مرحلة تكون افضل.

ما الذي حصل خلال تلك الفترة، وبعدها حتى تغيير الأمور نحو لا مخرج؟

ما حصل بعد نهاية الأيام العشرة، هو انه كان مقررًا أن يأتي رئيس الوزراء بالكابينة الوزارية، وفي هذا اليوم الذي حصلت فيه الاحتجاجات، انا كرئيس برلمان كان لا بد ان اعرف سلفاً ما الذي سيتم طرحه في الجلسة وهذا استدعى اجتماعًا مع رئيس الوزراء، وهناك اكتشفت أن المشكلة كبيرة وثمة خلاف دعاني لأن استدعي رؤساء الكتل والدخول في اجتماع دام لنحو ثلاث ساعات، وبحضور اكثر من 20 شخصية من رؤساء الكتل ومن بين نقاط الخلاف كان الاعتراض على رفض الاخوة الكرد تغيير وزرائهم في الكابينة الوزارية، واحتجت كتل أخرى بالقول: "لماذا يبدل وزراؤنا ولا يبدل وزراء الاخوة الكرد". وهنا انا كمدير للجلسة كان يكفيني أن ادعو رئيس الوزراء الى ان يعرض ما لديه، وبالتالي الكتل السياسية قد تختلف داخل البرلمان، ولكن بالعودة الى المبدأ الأول وهو ان مهمتي أن احافظ على حقوق الأطراف السياسية والنيابية المشتركة في هذا الجانب.

ما الحل الذي توصلت اليه للخروج من هذا الخلاف، وبالتالي انعقاد الجلسة؟

قدم مقترح، وهنا اركز أن ثمة مقترحاً قُدم وتم القبول به من قبل الجميع وهو إعطاء فرصة يومين فقط لمعالجة المسألة، وكنت أتمنى ان يتحدث رؤساء الكتل السياسية بهذا الجانب، وأن يبينوا ان قرار تأجيل الجلسة وطرح الكابينة الوزارية لمدة يومين هو ليس قراري، وانما هو قرار جمعي وكنت اتمنى ان يتفهم الاخوة النواب هذا الامر والهدف منه هو الوصول الى معالجة، فضلاً عن انه ليس من مهمتي كرئيس برلمان ان اشكل حكومة حتى اتفاوض مع الكتل السياسية فهذه مهمة رئيس الوزراء، ولكن مهمتي ان احافظ النظام داخل المجلس وان تجري الأمور وفق القانون والسياق الطبيعي.

كيف تعاملتم مع الاتهامات التي وجهت للبرلمان .. انتم تسلمتم كرة النار هذه بمجانية؟

نعم ذهب البعض الى ان هذه كرة نار، وان مجلس النواب تسلمها بطريقة للدفاع عن رئيس الوزراء؛ أقول بشكل صريح ما كنت ابغي الدفاع عن رئيس الوزراء وليست هذه مهمتي اطلاقاً، وانما كنت أدافع عن الكتل السياسية وحقوق الكتل السياسية ومرة أخرى كنت أتمنى من رؤساء الكتل البرلمانية واللجان أن يتحدثوا عن هذه الجزئية بشكل صريح، لان حقوق الكتل السياسية هي من نحفظ بها النظام الديمقراطي على أن لا تتقاطع مع المبدأ العام في اختيار شخصيات كفوءة قادرة على إدارة وزارات الدولة، وتستطيع ان تحقق المصلحة العامة التي تتوافق مع منهج الإصلاح الذي تمت الدعوة له.

ماذا قلت لرئيس الوزراء اثناء الجلسة حين شاورته؟

يتساءل البعض: اني تحدثت مع الأخ رئيس الوزراء داخل الجلسة، نعم قلت له: "سوف لن يكون هناك مجال للحديث من قبلك عن أي شيء"، ذلك لاني ادرك جيدًا انه حين يتحدث رئيس الوزراء فانه سيقول إن الكتل السياسية طلبت التأجيل واني مستعد لعرض الكابينة، وبالتالي سيلقي اللائمة على الكتل السياسية فجنبت المجلس ان يقع في هذا الامر، وبالتالي سأكون ملزماً لرد رئيس الوزراء اذا تحدث بهذا الجانب، وهذا يعزز المبدأ الأساسي الذي كنت أعمل بموجبه، وهو الحفاظ على العملية السياسية والنتائج التي تترتب عليه.

ثمة من يتهمكم بأن المجلس في دورته هذه كان ضعيفاً ولم يؤدِ دوره؟

نعم هناك شبهة تثار بهذا الاتجاه، ودعني اقف عند هذه الجزئية، ما معنى الضعف؟ سابقًا كنت نائب رئيس لجنة قانونية ورئيس لجنة حقوق الانسان، الحقيقة في المقارنة بين هذه الدورة والدورة السابقة لم تكن هناك مقدرة اصلاً حتى لمجيء رئيس الوزراء الى البرلمان أو أن يأتي ضابط برتبة محددة لأنه بحاجة الى موافقة القائد العامة للقوات المسلحة وهو ما لم يحصل، انظر في هذه الدورة كم مرة تم توجيه سؤال وكم مرة توجيه دعوة وحضور ومناقشة لقضايا حساسة، جريمة سقوط الموصل تمت مناقشتها بشكل واضح وتم التأكيد عليها وحصلت استجوابات لضباط كبار ولوزيرين وعمليات أخرى قادمة، الا يعني ذلك قوة للبرلمان وتمكين لأداء دوره الرقابي ودوره التشريعي في ملفات طالت عملية إقرارها ست سنوات، ولكن استطعنا ان نمضي باتجاها. ان مفهوم القوة ومفهوم الضعف في السلطة التشريعية هو الإنجاز وهو القدرة على فرض الوجود وعلى اثبات القدرة على فرض عملية الرقابة، واعتقد أن فكرة الإصلاح تنطلق فعلاً في البرلمان من خلال الإصلاح التشريعي والإصلاح المؤسساتي وبناء الدولة والمساهمة بشراكة واضحة من قبل الجميع وجزء من عملية الإصلاح هو تقديم الفاسدين والمفسدين الى الجهات المختصة.

لأول مرة يشهدها العراق وعدد من برلمانات المنطقة أن يحضر تحت قبة البرلمان العراقي الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون ورئيس البنك الإسلامي ورئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم ويتحدثون للشرق الأوسط عن الازمة المالية في العالم.

هل كانت الحوارات مقطوعة بين الأطراف أم كانت عصية على التوصل الى حل؟

لما نشأت الإشكالية كل سبل الحوار والحل كانت مفتوحة بالنسبة لي وواضحة، زارني نواب يوم الخميس 14&ابريل قبيل عقد الجلسة، وكان اللقاء قد شهد شدًا وجذبًا خصوصًا مع السيد حاكم الزاملي، فاقترحت عليهم ان ندخل الى الجلسة، ولكني بحاجة الى التحدث مع المجموعة النيابية التي كلفتني بهذه المهمة واعني اتحاد القوى العراقية؛ جلست مع اتحاد القوى في ذلك اليوم لمدة ساعة حتى أقول عبارة واضحة وهي: "هذه امانتكم ردت اليكم، واذا كان الامر مرتبطاً بقضية الاستقالة، فالاستقالة موجودة وسلمتها، وعليه نصعد ككتلة وانتم من تتوصلون الى تفاهم بهذا الخصوص".

اؤمن ان لا مؤسسة تشريعية تتوقف على شخص، ولا افهم أن العنوان الوظيفي هو الأساس في الوجود السياسي. وبينما كنا نريد أن نصعد ابلغونا أنه تم عقد الجلسة، وانه تم التصويت على إقالة رئاسة مجلس النواب، وبينما كنا نوشك أن نتفهم المسألة حتى ابلغونا مرة ثانية أن الجلسة تم رفعها، ما حدث كان مسرحية.

ما رأيك بتلك الجلسة بوصفكم رجل قانون أولاً، وبوصفكم رئيساً للبرلمان أدرت جلساته؟

هناك حقيقة أكاشفكم بها؛ لا ينبغي ان يتم التعامل بهذه الطريقة لانهاء حالة، الكل يعلم أنها غير قانونية، هناك من يقول إن القضاء يمكن ان يحكم ولكن بشهادات الشهود كانوا يتحدثون أن النصاب غير مكتمل وبالتالي عدم ترتيب هذه القضية لا يمكن ترتيب النتائج المتمخضة عنها، وهذا الامر عقد المشهد بشكل او بآخر واصبح الحديث عن غلبة وكسر إرادة، اؤمن ان القضاء هو من يفصل بكل الملفات التي أقول انها افتراءات.

كيف تصف لحظة دخول المتظاهرين الى البرلمان العراقي؟

تلك لحظة عقّدت المشهد بشكل أو بآخر، وكانت لها تبعاتها وآثارها خصوصًا ما تعرض له بعض الاخوة والاخوات النواب الى إهانة بهذا الخصوص، ونحن قمنا بإدانة واستنكار هذه الأفعال، ولا يمكن ان تسلب إرادة النائب في التعبير عن رأيه تحت مزاج وإرادة يمكن أن يتبناها طرف ما، وعليه الحوارات الجارية الآن هي تحت عنوان واضح وهو الى اين نحن نمضي؟

الى اين نحن نمضي؟

الحقيقة انا اعلم أن الكتل السياسية جميعاً مدركة أن نركز على العدو الأكبر وهو داعش والظرف الأمني والآثار السلبية عن هذا الظرف، وبكل اسف نتحدث عن هذا الامر والتفجيرات بدأت تحصل هنا وهناك وآخرها ما حصل في مدينة الصدر والكاظمية والتاجي وغيرها من المناطق، وكذلك الظرف الاقتصادي الذي نمر به، ولذلك لا غنى لنا ألا نؤدي مهامنا ودورنا.