اليوم هي ذكرى عبقرية لإطلاق أول يومية عربية عبر أثير الإنترنت يوم الحادي والعشرين من مايو (أيار) 2001 من عاصمة الضباب لندن، على يد الصحافي العربي الزميل الجهبذ عثمان العمير، ولا زلت أذكر لحظة مكالمته الهاتفية لي وأنا في مكتبي بوكالة (يونايتدبرس انترناشيونال) للانضمام للزلزال غير المسبوق الذي هزّ بلاط الصحافة العربية، وكان ما كان وكانت خطوة وداعي الأخير للصحافة الورقية.

واستمرت (إيلاف) منبراً عربياً ليبرالياً منيراً ساطع الحقيقة في مواجهة عالم يلفه الظلام والرعب، عصياً متجبراً متشدداً بعنت وقهر في التعاطي مع الحريات والمعرفة والفكر المستنير، تسيّدته أنظمة وأدوات قهر مستبدة في مصير الشعوب، مدعومة بتجبر واستكبار من عصابات المتشددين الظلاميين وأئمة الكراهية أعداء الرأي والرأي الآخر والانفتاح والشفافية والإنسانية سواء بسواء، فكانت لـ(إيلاف) معاركها ومواجهاتها التي ظلت تنتصر فيها على الدوام. ومنذ ايامها الأولى واجهت أول حرب ضروس مع الترهيب والتكفير والتشدد. إذ بعد أربعة أشهر من انطلاقها كان حدث 11 سبتمبر الارهابي في نيويورك، ومن خلاله كان لـ(إيلاف) دور الطليعة والقيادة في المواجهة مع أنصار الفكر الظلامي وكانت المعركة وهي لا تزال تتصاعد فصولا عبر اعالم من الفكر القاعدي إلى الفكر الداعشي، ولم تلين لـ(إيلاف) قناة أو عزم أو إرداة.&

ما شدّني منذ بدايات مشروع (إيلاف) الثوري الذي دشن الدرب للصحافة الالكترونية عبر العالم العربي أنني وجدت في صوت عثمان العمير حين كلمني هاتفياً ذات مساء لندني عن إطلاقها وما (أرعبني) أيضاً هو الجرأة في مضمون المشروع، وأهدافه وكيف وإلى أين ؟ ولكن من كان يعرف ناشر إيلاف وعزيمته التي لا تلين وكنت عملت معه في صحيفة (الشرق الأوسط) قبل ذلك بسنين، فإنه سرعان ما يجد طريقه إلى النور مخترقا الظلمة ومن خلال رسالة عثمان العمير الاستشرافية المستقبلية البعيدة وما يرافقها من سهر وداب وحرص ومتابعة وجهد سرعان ما يتجاوز الأشواك والأسلاك الشائكة والتعقديات والبيرقراطية لتكون أمام صرامة القرار والفعل والإنجاز.&

وها هي (إيلاف) تحتفل بذكرى انطلاقتها غير هيّابة من المستقبل، متجندة بتاريخ عريق ولو أنه قصيراً من التجربة والإقدام عليها بلا خوف أو وجل، وكانت ولا تزال بهمة قيادتها وهيئات تحريرها وإدارتها وفنييها ومراسليها وكتابها تطمح لتحقيق الغايات والأهداف الكبيرة لإعلام متقدم لا يمكن أن يتحقق إلا بالجرأة والتسلح بالمتغيرات التقنية والفنية التي يشهدها العصر.

ومنذ إنطلاقها، فإن (إيلاف) رسخت مناهج جديدة تستشرف آفاق القرن الواحد والعشرين بكل تحدياته، لتكون قائدة في إعلام القرن العربي معبرة من خلال رؤيتها لروح العصر كسلاح مهم ومثير في خدمة أجيال المستقبل عن ضمير الانسان العربي وفكره المستنير في أوطانه أو مغترباته (أوطانه) الجديدة وتعكس هويته وإرادته وتطلعاته في مواجهة الفكر الظلامي.

شجعت (إيلاف) عبر السنوات الخمس عشرة التعددية واحترام الراي والراي الاخر وذلك من خلال عرض وجهات النظر المختلفة في مناخ من الاستقلالية والحرية المسؤولة والتعبير عن الإنسان العربي بكافة فئاته واطيافه وعكس ارادته وتطلعاته، وذلك من خلال ممارسة اداء اعلامي يقوم على المهنية والتميز والابداع والحرية المسؤولة.

لقد اقتنص ناشر (إيلاف) الفرصة بعين الصياد الماهر والصحفي النفاذ منذ البدايات أهمية الفضاء الافتراضي الذي كان أحد أهم إنجازات ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي شهدها العالم، فكانت خطوته الجريئة يوم 21 مايو (أيار) 2001 ، فكانت (إيلاف) حدثا عربيا متميزا متكاملا ومذهلا سواء بسواء في استغلال التطور المذهل لشبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) وانتشار التقنيات الحديثة للاتصال، وتزايد تطبيقاتها في مجال الاعلام والاتصال، لتحقق نفسها قائدة وصاحبة دور ريادي في ظهور نوع جديد من الإعلام، وهو الإعلام الإلكتروني المقروء الذي تلاه المرئي والمسموع، الذي يعتبر ظاهرة اعلامية جديدة يتميز بسرعة الانتشار والوصول إلى أكبر عدد من الجمهور وبأقصر وقت ممكن وأقل تكلفة، وبات يشكل نافذة مهمة جداً لنشر المعلومات والحصول عليها.

لقد رسخت (إيلاف) منذ بداياتها الأولى منهاجا في تأصيل التعددية الثقافية والفكرية وعمقت من خلال كتابها ومحرريها الذين ينتمون إلى مختلف الآراء والاتجاهات مبدأ التعبير الذات والحوار الحضاري، واحترام الرأي الأخر عن طريق توفير فرص التفاعل والمداخلات المستمرة والتواصل بين الإعلامي والجمهور وبطرق مختلفة.&

في احتفال (إيلاف) اليوم، لا يسعني إلا استذكار شهدائها الراحلين الأبرار الذين ضحوا معها منذ بداياتها الأولى ووصلوا بجهودهم وسهرهم وتعبهم الليل بالنهار لتكون ما هي عليه الآن، وللأسرة الراهنة في جهاز التحرير المركزي وجهاز المراسلين والكتاب والى كل القراء والمتابعين وأصدقاء (إيلاف) في كل العواصم عربية وغربية، تمنيات بالفوز والانجاز والنجاح واستمرار التألق والعطاء والبهاء والعبقرية .. وكل عام وأنتم كافة على العهد بخير.
&