واشنطن: اتصلت المركبة الفضائية جونو من مسافة 860 مليون كلم عن الأرض بغرفة المراقبة في ولاية كاليفورنيا متأخرة 48 دقيقة مرت وكأنها دهر على العلماء قبل ان تبلغهم باشارة لاسلكية أنها انجزت مناورتها الخطيرة لدخول مدار حول المشتري بنجاح يوم الثلاثاء. ولم يعرف العلماء ان المناورة التي استمرت 35 دقيقة تكللت بالنجاح إلا بعد 13 دقيقة على انتهائها. 

وأعلن سكوت بولتن كبير الباحثين في مهمة المركبة جونو ان ما حدث "كأنه حلم تحقق". واضاف "الآن يبدأ العمل العلمي الحقيقي". 

فالمشتري كوكب هائل كتلته أكبر من كل ما موجود في منظومتنا الشمسية مجتمعاً (ما عدا الشمس). ويمكن ان توضع داخل المشتري أكثر من 1000 كرة أرضية. وهو لغز تلفه أسرار، سواء بعواصفه الهائجة على السطح أو بلبه الخفي. ويقول العلماء إن معرفة المزيد عن هذا الكوكب الغريب يساعد على فهم اللُبنات التي بُنيت بها الحياة على كوكبنا وربما أبعد. 

قبل نحو 4.5 مليارات سنة كانت منظومتنا الشمسية سحابة من الغبار والغاز معروفة باسم سديم شمسي. ودارت هذه السحابة وانهارت تحت قوة الجاذبية لتلتحم في النهاية مكونة شمسنا الذهبية. وتكونت كواكب منظومتنا الشمسية مما تبقى من السديم الشمسي، وكان المشتري أول طفل أنجبته الشمس. 

ليست أول مركبة تزور المشتري

جونو ليست اول مركبة تزور المشتري ولكنها تختلف اختلافاً كبيراً عن المسبار غاليلو الذي وصل لاستكشاف المشتري قبل 21 سنة. وبفضل درع التيتانيوم التي غُلفت بها الأجهزة الالكترونية على متن المركبة لحمايتها من الإشعاع، ستدور جونو حول المشتري مدة عام كامل دون ان يحرقها الاشعاع الذي يعتبر من اقوى الاشعاعات في المنظومة الشمسية. 

وخلال 32 دورة حول الكوكب ستقترب المركبة 2700 ميل من السحابة التي تغلف المشتري. وصُممت جونو بحيث تبقى في مناطق قوة اشعاعها متدنية نسبيا.

ويأمل العلماء في أن جونو حين تتسلل على مقربة من غلاف المشتري للنظر تحت سطحه الغازي العملاق، ستجيب عن اسئلة لا تُحصى عن هذا العالم الهائل، اسئلة لم يفكر أحد في طرحها حتى الآن. ويمكن ان تساعد الاجابات التي يبحثون عنها في فهم نشوء المنظومة الشمسية كلها، بما في ذلك أصل كوكبنا الأرض. 

صُممت جونو التي كلف بناؤها 1.1 مليار دولار وأُطلقت في عام 2011، لاماطة اللثام عن اكبر أسرار المشتري. فالعلماء لا يعرفون إلا القليل عن هذا الكوكب. وهم لا يعرفون إن كان للمشتري الذي يتكون في الغالب من الهيدروجين والهليوم، لب صخري في مركزه. ولا يعرفون كمية الماء في غلافه الجوي، والماء مفتاح أساسي لمعرفة نشوء الكوكب. 

ولا يعرف العلماء سعة حلقات المشتري الصخرية، وهو جهل كان من الجائز ان يسبب كارثة لو اصطدمت جونو بأنقاض لم يحسب العلماء حسابها في هذه الحلقات.

ولا يفهم العلماء بصورة كاملة مجال المشتري المغناطيسي الذي تزيد قوته 20 الف مرة على المجال المغناطيسي الذي يحمي الأرض من اشعاعات الشمس. والأهم من كل ذلك ان العلماء لا يعرفون ما تغير بين نشوء الشمس ونشوء المشتري من المادة المتبقية، الأمر الذي له دلالات بالغة الأهمية لنشوء كوكبنا. 

وقال بولتن في مؤتمر صحافي "ان من الأهداف الرئيسة للمركبة جونو ان نعرف الوصفة التي صُنعت المنظومات الشمسية بموجبها. وان موقع المشتري موقع فريد في فهم هذه الوصفة لأنه كان أول ما نشأ" من كواكب في المنظومة الشمسية. 

يبدو المشتري قريب الشبه بالشمس على نحو لافت. ولكن رغم اوجه الشبه بين المشتري والنجم الذي يستضيفه فإنه يحوي آثار عناصر ثقيلة لا تتكون إلا عندما تشيخ النجوم. وهذه العناصر هي مادة الحياة كما نعرفها، العمود الفقري لأشكال الحياة الأساسية وللكواكب التي تستطيع ان تدعم هذه الأشكال. 

وقال بولتن كبير الباحثين في مهمة جونو "ان المشتري غني بهذه العناصر الثقيلة مقارنة مع الشمس ولا نعرف على وجه الدقة كيف حدث ذلك ولكننا نعرف انه يتسم بأهمية فائقة حقاً". استهلك ميلاد شمسنا غالبية لبنات البناء المتوفرة في سحابة الغاز والغبار التي كانت تملأ منطقتنا من فضاء الكون. 

واستهلك المشتري في تكوينه غالبية ما تبقى، وتكونت الأرض من بقايا ما تبقى. وحدث شيء ما في الوقت الذي مرّ بين نشوء الشمس ونشوء المشتري اتاح له ان يكون غنياً بهذه العناصر. ومعرفة مما يتكون المشتري على وجه الدقة وكيف بُني يمكن ان تحل هذا اللغز. 

وقال غريغوري لافلين الفيزيائي الفلكي في جامعة ييل لصحيفة واشنطن بوست "انه يصبح واضحاً بصورة متزايدة ان نشوء المشتري كان الحدث الحاسم في منظومتنا الشمسية وان اكتشاف آلاف المنظومات الشمسية الغريبة خلال العقدين الماضيين أظهر لنا ان المشتري بكتلته الكبيرة ومداره البعيد نسبياً أمر غريب بعض الشيء. 

ولعلنا ندين بقابلية الحياة على الأرض لتأثير المشتري في نشوء الأرض ومن الضروري معرفة شيء من اسرار جارنا الكوكبي الصامت الغريب والعملاق". 

يستطيع العلماء ان يتنفسوا الصعداء بعد دخول المركبة جونو مداراً حول المشتري بسلام ولكن عملهم الحقيقي ما زال امامهم. ولن تبدأ وكالة الفضاء الاميركية باستلام معلومات من جونو إلا في اواخر اغسطس حين تمر مرة أخرى على مقربة من المشتري. 

وحتى ذلك الوقت سيعكف العلماء على دراسة البيانات التي تمكنوا من جمعها خلال اقتراب جونو من المشتري قبل تعطيل عمل الأجهزة للقيام بمناورة دخول المدار. وإزاء هذا العدد من الأسئلة المفتوحة عن هذا الكوكب الملكي لا يعرف العلماء متى تصل أول المفاجآت الكبيرة الى الأرض. 

إعداد عبد الاله مجيد عن صحيفة واشنطن بوست على الرابط أدناه: 

https://www.washingtonpost.com/news/speaking-of-science/wp/2016/07/05/why-scientists-are-so-excited-about-the-juno-probe-that-is-finally-orbiting-jupiter/?hpid=hp_hp-more-top-stories-2_juno-science-630pm%3Ahomepage%2Fstory