إيلاف من دبي: حدث أمر رائع في منتصف حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي التهبت بالمشاعر المستعرة تجاه الإسلام والمسلمين، والتي شابها عنف جماعي مروع ارتكب باسم الإسلام. فما حدث لم يضاعف كراهية الرأي العام الأميركي تجاه المسلمين والدين الإسلامي، بل على العكس تراجعت حدتها، حتى بعد مقتلة أورلاندو.&

هذه نتيجة ثلاثة استطلاعات للرأي، أجراها فريق من الباحثين برئاسة شبلي تلحمي، ورعاية كرسي أنور السادات للسلام والتنمية في جامعة ماريلاند الاميركية، كان هدفها دراسة مواقف الأميركيين من الشرق الأوسط، وقُدمت نتائج الدراسة في مركز سياسة الشرق الأوسط في معهد بروكنز أخيرًا.

شعور إيجابي

يقول تقرير نشره موقع بوليتيكو إن مقارنة نتائج ثلاثة استطلاعات وطنية أجرتها جامعة ماريلاند في نوفمبر 2015، ومايو 2016، ويونيو 2016 (أي بعد مجزرة 12 يونيو في أورلاندو)، تثير الدهشة. وردًا على سؤال تناول نظرتهم إلى الشعب المسلم، أعرب المشاركون في هذا الاستطلاع عن وجهات نظر إيجابية ارتفعت نسبتها من 53 في المئة في نوفمبر 2015، إلى 58 في المئة في مايو 2016، إلى 62 في المئة في يونيو 2016. في الوقت نفسه، ارتفع معدل الشعور الإيجابي من الاسلام من 37 إلى 42 إلى 44 في المئة مقارنة بنفس الفترة، لكن مع تحسن ملحوظ على مدى سبعة أشهر.

في موازاة ذلك، أدرج في الاستطلاعات سؤال عن "صدام الحضارات" يتناول التوافق بين التقاليد الدينية والاجتماعية الإسلامية والغربية، فأظهرت الإجابات اتجاهات مماثلة. ارتفعت نسبة من يرى التوافق موجودًا من 57 إلى 61 إلى 64 في المئة في الاستطلاعات الثلاثة.

بقيت وجهة نظر الجمهوريين ثابتة نسبيًا خلال الاستطلاعات الثلاثة، بينما حدث التغيير في صفوف الديمقراطيين والمستقلين. على سبيل المثال، ارتفعت نسبة الإيجابية بين الديمقراطيين تجاه المسلمين 12 نقطة، وبين المستقلين 17 نقطة.

&

أقرأ أيضًا
دراسة: مواقف الأميركيين من الاسلام أصبحت أكثر ايجابية

&

التطرف ثانيًا

بعد الهجوم في أورلاندو بولاية فلوريدا، قال ثلث الأميركيين المشاركين في الاستطلاع إن الأيديولوجيا الاسلامية المتطرفة هي العامل الأول الذي دفع منفذ الهجوم إلى تنفيذ جريمته. وحين طُلب من المشاركين في الاستطلاعات أن يصنفوا الدوافع الممكنة لهذا الهجوم بحسب الأهمية، حلّ كره المثليين أولًا، ثم التطرف الاسلامي ثانيًا، فالمرض العقلي ثالثًا.

وقال 57 في المئة من المشاركين في الاستطلاع إن المسلح نفذ الهجوم بمفرده، لكن بوحي من تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، وقال 34 في المئة إنه ارتكب جريمته لأسباب لا علاقة لداعش بها، بل دفعه التباهي والمفاخرة إلى ذلك، بينما قال 8 في المئة فقط إنه نفذ الهجوم بتوجيه مباشر من داعش.

وقال 55 في المئة من الأميركيين إن حرب العراق في عام 2003 هي الدافع الأول إلى صعود داعش، فيما قال 41 في المئة إن انسحاب القوات الاميركية في عام 2011 هو الدافع الأهم. ويعتقد 61 في المئة من الجمهوريين أن انسحاب القوات الاميركية هو السبب الأول في صعود داعش، ووافقهم في ذلك 22 في المئة فقط من الديمقراطيين، و44 في المئة من المستقلين، فيما يرى 74 في المئة من الديمقراطيين و53 في المئة من المستقلين أن حرب العراق هي السبب الأساس في ظهور داعش وصعوده.

أربعة عوامل

يقول موقع بوليتيكو إن أربعة عوامل تؤثر في تغيّر المزاج الأميركي من المسلمين والاسلام. العامل الأول: استخدم المرشحون الجمهوريون قضية الإسلام والعنف سلاحًا سياسيًا ضد خصومهم الديمقراطيين والرئيس الأميركي باراك أوباما، خصوصًا دونالد ترامب. وصار تأييد الرأي القائل إن الإسلام والإرهاب مترابطان مرادفًا للوقوف إلى جانب ترامب في الاصطفاف السياسي الراهن في الولايات المتحدة.&

ونتائج الاستطلاع تظهر في الواقع أن أنصار ترامب يخالفون الاتجاه الوطني. من ناحية أخرى، يميل الذين يعارضونه إلى رفض رأيه لأنه رأيه هو شخصيًا، ولأنه يستخدم هذا الرأي لتحقيق مكاسب سياسية.

العامل الثاني: ثابر رئيس الولايات المتحدة والمرشحون الديمقراطيون، خصوصًا هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز، على تفريق الإرهابيين من المسلمين، والتحذير من الاعتداء على الحقوق المدنية للمسلمين الأميركيين. ويبدو أن أغلبية الأميركيين يميلون إلى هذا الرأي. ففي استطلاع للرأي بعد مقتلة أورلاندو، يقيّم 52 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع رد فعل أوباما بشكل إيجابي، ويقيّم 50 في المئة موقف هيلاري كلينتون إيجابيًا، و42 في المئة فقط في حالة دونالد ترامب.

تدابير متطرفة

العامل الثالث: يرى كثيرون، بحسب بوليتيكو، أن التدابير التي يقترحها المرشحون الجمهوريون، كحظر شامل موقت لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، هي تدابير متطرفة جدًا تولد ردات فعل عنيفة، حتى بين أميركيين ربما كانوا ميالين إلى التشكيك نوعًا ما في نيات الإسلام و المسلمين.

العامل الرابع: 33 في المئة فقط ممن شملهم الاستطلاع يقولون إن أيديولوجية إسلامية متطرفة كانت العامل الرئيس وراء أعمال العنف. من الطرائق المقترحة للحد من أية هجمات مماثلة حظر بيع الأسلحة لأسماء على القوائم الجنائية وخصوصًا البنادق الهجومية، ومراقبة المساجد، رصد الجماعات الإسلامية الأميركية.

هذا يشير إلى أن للرأي العام الأميركي فهماً دقيقًا للفرق بين الإرهاب والاسلام، وحتى بعد أسوأ جريمة جماعية في التاريخ الأميركي، وولد هذا الفهم رد فعل عنيفاً ضد من سارعوا إلى ربط اطلاق النار بالإسلام وبالمسلمين بشكل عام.

بعد هجمات سبتمبر

بحسب تقرير بوليتيكو، ما بعد هجمات 11 سبتمبر، حصل انخفاض ملحوظ في الرأي الإيجابي تجاه المسلمين ودينهم. لكن بعد ثلاثة أسابيع من الهجمات، وجد استطلاع قادته آي بي سي نيوز أن شعور الاميركيين بالعداء تجاه الاسلام قد تراجع من 47 إلى 39 في المئة.&

لكن، بعد عقد من الزمن، تغيّرت الصورة بشكل كبير. في استطلاع للرأي أجري في أبريل 2011، عبر 61 في المئة من الأميركيين عن آراء سلبية تجاه الإسلام، بسبب العنف المتصاعد حينها في العراق وأفغانستان، وبسبب ارتفاع أرقام الخسائر الأميركية، وخطاب إدارة جورج بوش الذي تمحور حول صراع القيم بين الإسلام والغرب.

على الرغم من التحولات الإيجابية غير المتوقعة في المواقف الأميركية العامة، من المهم الأخذ في الاعتبار أنه في حين أن معظم نظرات العامة الأميركيين إلى الشعب المسلم إيجابي (حتى دونالد ترامب يشعر بالحاجة إلى أن استهل مقترحاته قائلًا "أحب المسلمين")، تبقى النظرة إلى الدين الإسلامي، على الرغم من تحسنها، أكثر إيجابية. وهذا يعني أن إغراء تحويل الاسلام والمسلمين إلى قضية سياسية في الحملة الانتخابية لن يجدي نفعًا.&

النزاع العربي الاسرائيلي

وفي قراءة مستفيضة لنتائج هذه الاستطلاعات، نرى أن تغييرًا يُذكر لم يطرأ على مواقف الأميركيين منذ نوفمبر 2015، على الرغم من أن حال الاستقطاب في السياسة الاميركية في شأن هذه القضية ما زال قائمًا. فيقول 52 في المئة من الجمهوريين إنهم يريدون أن تقف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل، فيما يقول 53 في المئة من الديمقراطيين إن اسرائيل تمارس نفوذًا بالغ الأثر في السياسات الاميركية، ويريد 51 في المئة منهم فرض عقوبات عليها لأنها لم توقف بناء المستوطنات.&

وعبّر 34 في المئة من الأميركيين عن دعمهم لحل الدولتين و33 في المئة عن دعمهم لحل الدولة الواحدة، في سلم الحلول الملائمة لهذا النزاع، وجاء استمرار الاحتلال الاسرائيلي ثالثًا (16 في المئة)، وحل الضم من دون حقوق مواطنة متساوية رابعًا (13 في المئة).

ويريد 63 في المئة من الأميركيين بحسب استطلاع 2016 (66 في المئة في استطلاع 2015) ألا تنحاز الولايات المتحدة إلى أي من الطرفين، وحل الانحياز الى اسرائيل ثانيًا (32 في المئة في استفتاء 2016)، فيما دعا 4 في المئة فقط الى الانحياز إلى الفلسطينيين. ويريد 52 في المئة من الجمهوريين أن تنحاز بلادهم إلى اسرائيل، في مقابل 15 في المئة من الديمقراطيين و30 في المئة من المستقلين. وطلب 78 في المئة من الديمقراطيين و65 في المئة من المستقلين ألا تنحاز بلادهم إلى أي من الطرفين. ويريد 55 في المئة من انصار المرشح الرئاسي دونالد ترامب أن تنحاز أميركا إلى إسرائيل، في مقابل 14 في المئة فقط من مؤيدي المرشحة هيلاري كلينتون، بينما يؤيد 80 في المئة من انصار كلينتون وقوف بلادهم على الحياد.
&
الدولة الفلسطينية ومجلس الأمن

بين نوفمبر 2015 ومايو 2016، ثبتت نسبة الاميركيين الذين يعتقدون أن على الولايات المتحدة أن تصوت لصالح إقامة دولة فلسطينية عند 27 في المئة، بينما ارتفعت نسبة الجمهوريين المعارضين للدولة الفلسطينية من 15 إلى 19 في المئة. ويقول 56 في المئة من مؤيدي ترامب أن على الولايات المتحدة أن تصوت ضد الدولة الفلسطينية، في مقابل 18 في المئة فقط من مؤيدي كلينتون، فيما وافق 44 في المئة من مؤيدي كلينتون على التصويت لصالح قيام دولة فلسطينية.&

وطرأ تغيير طفيف على رأي الاميركيين في شأن ردة فعل الولايات المتحدة على بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة، فقال 59 في المئة من الاميركيين في مايو 2016 إن على الولايات المتحدة ألا تفعل شيئًا حيال ذلك، أو أن تقصر معارضتها على التصريحات السياسية، مقارنة بـ 58 في المئة في نوفمبر 2015. ويرى 39 في المئة من الاميركيين أن على الولايات المتحدة أن تفرض عقوبات اقتصادية أو تتخذ اجراء أشد فاعلية على إسرائيل بسبب المستوطنات في مايو 2016 مقارنة بـ 37 في المئة في نوفمبر 2015.

واستكمالًا لقراءة الاستطلاعات، لا تغيير يُذكر في آراء الاميركيين في شأن هيمنة إسرائيل على السياسة الاميركية، يقول 23 في المئة من الجمهوريين و21 في المئة من المستقلين إن اسرائيل لا تتمتع بنفوذ يُذكر في السياسة الأميركية، مقابل 8 في المئة من الديمقراطيين، لكن 53 في المئة من الديمقراطيين يعتقدون أن لإسرائيل نفوذًا بالغ الأثر في السياسة الاميركية. وهذا رأي 46 في المئة من المستقلين، و27 في المئة فقط من الجمهوريين.

أعدت "إيلاف" التقرير نقلاً عن بوليتيكو على&الرابط التالي:&

http://www.politico.com/magazine/story/2016/07/measuring-the-backlash-against-the-muslim-backlash-214034​