رغم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يمض سوى نصف فترته الرئاسية، إلا أن الحديث عن ترشحه للانتخابات الرئاسية في العام 2018، بدأ مبكراً، فبينما تحذره أوساط إعلامية غربية من مغبة التفكير في الترشح، وتحمله المسؤولية كاملة عن الانهيار الاقتصادي الذي تعانيه بلاده، أطلق أنصاره حملات للمطالبة بتعديل الدستور والتمديد له ثماني سنوات، من دون إجراء انتخابات، بينما حسم هو الجدل بقوله إنه رهن إشارة الشعب المصري إذا رغب في ترشحه.

ومع تزايد الجدل حول الترشح لفترة رئاسية جديدة، يظهر جلياً أن شعبية السيسي في تراجع واضح، بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضرب البلاد، وتؤثر بشكل سلبي في الفقراء والطبقة المتوسطة، التي يستمد منها شعبية كانت جارفة في يوليو 2013، في أعقاب تدخله بصفته قائدًا للجيش وعزل الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي.

بعد مرور أكثر من عامين على تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في مصر، ظهر جلياً أن شعبيته الجارفة التي مكنته من الفوز في الانتخابات الرئاسية بـ96% من الأصوات، في تراجع مستمر، على وقع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، وإصراره على المضي قدمًا في فرض الضرائب، ورفع أسعار فواتير الكهرباء والمياه والغاز المنزلي، وفرض ضرائب على المصريين لصالح فئات وطبقات عليا مثل الجيش والشرطة والقضاء، إلى جانب فرض ضرائب على المصريين العاملين في الخارج.

تتضارب الأرقام في استطلاعات الرأي حول شعبية السيسي في مصر، حسب الأهواء السياسية للمراكز التي تجريها.

ووفقاً لنتائج استطلاع المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة"، وهو مركز يميل إلى تأييد نظام الحكم الحالي، فإن 82% من المواطنين موافقون على أداء السيسي عقب مرور 26 شهرا من توليه الرئاسة، مقابل 12% رافضين، بينما لم يستطع 6% الحكم على أدائه.

وأوضح مدير المركز، الدكتور ماجد عثمان، أن الاستطلاع الذي تم إجراؤه باستخدام الهاتف المنزلي والمحمول على عينة احتمالية حجمها 1533 مواطناً في الفئة العمرية 18 سنة فأكثر غطت كل محافظات الجمهورية، مشيرا إلى أنه تمت كل المقابلات يومي 8 و9 أغسطس 2016، وأظهر أن نسبة الموافقين على أداء الرئيس من 84%، والحاصلين على تعليم أقل من متوسط إلى 78% بين الحاصلين على تعليم جامعي.

وذكر أن أسباب الموافقة على أداء الرئيس كان مشروع قناة السويس هو السبب الأساسي للموافقة على أداء السيسي بنسبة 32%، يليه تحسن الأمن بنسبة 16%، ثم شبكة الطرق والكباري بنسبة 11%، كما لم يستطع 21% من الموافقين على أدائه تحديد سبب للموافقة.

ولفت إلى أن ارتفاع الأسعار السبب الأهم لعدم الموافقة على أداء السيسي بنسبة 53%، يليه عدم وجود فرص عمل للشباب بنسبة 20%، ثم ارتفاع سعر الدولار الأميركي، وعدم تحسن أوضاع البلد بنسبة 8% لكل منهما.

وعندما طرح المركز سؤالًا على المبحوثين عما إذا كانوا سينتخبون السيسي إذا ما أجريت انتخابات رئاسية غداً، فأجاب 66% بأنهم سينتخبونه، و13% لن ينتخبوه، و21% ذكروا بأن قرار انتخابه يتوقف على المرشحين أمامه.

وحول ما إذا كانت قناة السويس الجديدة قد أثرت بشكل إيجابي في مصر، أجاب 43% أن قناة السويس الجديدة كان لها تأثير إيجابي على مصر خلال هذه السنة، مقابل 39% يرون أنه لم يكن لها تأثير إيجابي، و18% أجابوا أنهم لا يعرفون.

وفي الوقت نفسه جاءت نتائج استطلاع رأي أجراه المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام، "تكامل مصر" وهو مركز يميل إلى المعارضة، مناقضة تمامًا، وقالت إن ٧٤٪ من المصريين يرفضون استمرار نظام السيسي، مقابل ١١٪ فقط يريدون استمراره، بينما ١٥٪ ليس لديهم اهتمام بما يحدث، وترتفع نسبة الرفض في الفئات العمرية أقل من أربعين عاما لتصل إلى ٨١٪، وتتقارب نسب رفض استمرار النظام عند الذكور والإناث.

وأضاف المركز الذي أجرى الدراسة أيام 27و28و29 يوليو الماضي، أن العينة العشوائية التي خضعت للدراسة يصل عددها إلى ٤٦١٥ مفردة موزعة على محافظات مصر حسب حجم السكان بكل محافظة وقد تم استخدام التناسب الطبقي للنوع والعمر ومستوى الدخل والتعليم أثناء سحب العينة. على حد قول المركز.

ورغم تغير النسب بين المراكز المختلفة حسب العينة التي أخضعها للبحث، وحسب الأهواء السياسية، إلا أن الثابت لدى المصريين أن شعبية السيسي لم تعد كما كانت عليه قبل عامين أو أكثر، والسبب الأساسي يمكن في الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار.

وقال الكاتب الصحافي عبد الله السناوي، لـ"إيلاف" إن شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي في تأكل مستمر، مشيراً إلى أن السبب الرئيس يرجع إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتحميل الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة تبعات الأزمة، وفرض الضرائب والرسوم عليهم، مشيرًا إلى أنه يجب أن يتم فرض ضرائب تصاعدية على أصحاب الدخول المرتفعة، كما يجب النظر في المقترح الذي تقدم به رجل الأعمال سميح ساويرس بفرض ضريبة الثروة كما هو الحال في جميع الدول المتقدمة. وقال إنه يجب على رجال الأعمال تحمل مسؤولياتهم تجاه الدولة التي حققوا ثرواتهم من خيرها.

وأضاف السناوي وهو أحد أشد المؤيدين للسيسي بعد 30 يونيو 2013، وتحول إلى معارضته مؤخرًا، لـ"إيلاف" أن تراجع الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان، فضلاً عن انقطاع التواصل مع الشباب واعتقال الآلاف منهم من أهم أسباب انخفاض شعبية السيسي، منوهًا بأن الرئيس شخصيًا اعترف في أكثر من خطاب له بوجود "مظاليم" كثر في السجون. وتساءل السناوي: ما الذي يمنع الافراج عن هؤلاء المظاليم، حتى يساهموا في العمل والتنمية.

ويرى المستشار السابق في حملة السيسي، وأستاذ القانون الدستوري، عبد الله المغازي، أن شعبية السيسي ما زالت كبيرة حالياً أيضاً. وأضاف لـ"إيلاف" أن شعبية أي رئيس دولة في العالم تنخفض مع مرور الوقت، مشيراً إلى أن شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي ليست كما في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013.

وذكر أنه لا يمكن قياس الانخفاض عن 30 يونيو 2013 بدقة، لاسيما في ظل عدم وجود مراكز متخصصة في هذا المجال في مصر تمتلك قدرات وامكانيات كبيرة.

ولفت إلى أن الوسيلة الوحيدة القادرة على تحديد شعبية الرئيس هي صناديق الإنتخابات، وليس التقارير الإعلامية أو نتائج استطلاعات الرأي التي تجرى على عينات عشوائية لا تزيد عن عدة آلاف.

وبينما يحاول أنصار السيسي تحميل المسؤولية عن الأزمة لوزراء حكومته، رد وزير المالية الدكتور عمرو الجارحي بالقول: غير صحيح أن وزراء المجموعة الاقتصادية سبب الأزمة الحالية"، مشيراً إلى أن "اتهام وزراء المجموعة الاقتصادية بأنهم سبب وراء تراجع شعبية الرئيس عبدالفتاح السيسي غير صحيح بالمرة".

ونفى الجارحي في تصريحات له "وجود مؤامرة اقتصادية على مصر ولكن لدينا تحديات اقتصادية كبيرة".

وفي الوقت الذي أطلق فيه العالم المصري في وكالة ناسا الأميركية عصام حجي، مبادرة لتكوين فريق رئاسي لخوض الإنتخابات في العام 2018، رد مؤيدو السيسي بتدشين حملة لجمع توقيعات المصريين من أجل تعديل الدستور، وتمديد ولاية الرئيس لثماني سنوات.

وبينما يحتدم الجدل حول شعبية السيسي وإمكانية ترشحه للإنتخابات الرئاسية مرة أخرى، رمى الكرة في ملعب الشعب، وقال إنه لا يمكن أبدًا ألا يتجاوب مع إرادة المصريين"، وذلك عبر حسابه على "فيسبوك"، يوم الثلاثاء الماضي. وأضاف "السيسي" خلال حواره مع 3 رؤساء تحرير الصحف القومية: "أنا رهن إرادة الشعب المصري، ولو كانت إرادة المصريين هي أن أخوض انتخابات الرئاسة مرة أخرى، سأفعل ذلك".

&