إيلاف من جدة: على الرغم من الحركة المسرحية الناشطة التي شهدتها السعودية أخيرًا، وانطلاق ما يسمى بالمسرح النسائي، فإن ارتفاع أجور الفنانين، ومحدودية انتساب المخرجين وكتاب السيناريو والحوار من أهم أسباب تعطيل الفن المسرحي، إضافة إلى فقر الأماكن المخولة بتحويلها إلى خشبة مسرح يمكن أن تستقبل أعداداً كبيرة من المشاهدين.

وانطلقت أخيرًا في الرياض مسرحية "باب الحريم"، من تأليف مشعل الرشيد، وإخراج لورين عيسى ومشاركة الفنانة الكويتية انتصار الشراح، وفنانة الكوميديا منى شداد، وغدير السعيد، وأسماء الحسن، وتوتة. تدور حوادثها حول الحركة المسرحية وكيفية الإعداد لمسرحية نسائية، وما يحدث داخل كواليس العمل من تحضيرات وبروفات لإخراج العمل بصورة تليق بالمشاهد.&

ولعل هذا العمل يتركنا أمام تساؤلات عدة من حيث مشاركة الفنانات العربيات والخليجيات في المسرحيات السعودية في وقت تختفي عن خشبته ألمع الأسماء النسائية التلفزيونية مثل مريم الغامدي وريم عبد الله ريماس منصور وغيرهن.
&
جمهور متعطش للفن

عن هذا العمل وغيره، قالت المخرجة لورين العيسى لـ"إيلاف": "بعد النجاح الذي حققته مسرحية (ظل حيطة) النسائية التي شاركنا بها في مهرجان الكوميديا الدولي في أبها، تم التعاون مع المنتج خالد المنقاح لإخراج مسرحية (باب الحريم) بمشاركة ألمع نجمات الخليج. صدمني الجمهور النسائي في أبها، ومدى التواجد والتمازج والتفاعل مع المسرحية خلال أيام عرضها، ما جعلني أدرك أن جمهور المسرح في السعودية متعطش للأعمال الفنية التفاعلية التي تجمع بين الفنان والمشاهد في بقعة واحدة".

ونوّهت بأن أمانة الرياض تعمل بوتيرة جبارة ومتواصلة لتفعيل الحركة المسرحية. وكان للمسرح النسائي أخيرًا نصيب جيد من هذا الاهتمام، إذ أخذت أمانة العاصمة على عاتقها كافة الترتيبات المالية والادارية والفنية، في سبيل دعم الحركة المسرحية، وتأمين دخول مجانيّ للعرض.
&
اختفاء أسماء نسائية سعودية

في "ظل حيطة"، شاركت &هيا الشعيبي من الكويت، ونشوى مصطفى من مصر، فيما تشارك انتصار الشراح ومنى شداد وأغادير السعيد في "باب الحريم". كان لا بدّ من السؤال عن اختفاء أسماء سعودية ذاع صيتها من خلال الشاشة التلفزيونية، خصوصًا في رمضان، مثل مريم الغامدي وريم عبد الله وريماس منصور وشيرين حطاب وغيرهن. قالت عيسى: "الحقيقة أن هناك تقصيراً مشتركاً بين المنتج والممثل، ولو تحدثنا بصراحة وشفافية، يحتاج المنتج إلى الاسم ذي الشهرة الواسعة لجذب أكبر شريحة ممكنة من الجمهور، لذا يستعين كثير منهم بنجمات الخليج والوطن العربي، فيما يقع بعض اللوم على الفنانة السعودية التي تطالب بأجر مرتفع في مقابل وجودها على خشبة المسرح والمشاركة في أعمال سعودية، في وقت نطمح فيه جميعًا إلى تفعيل حركة المسرح النسائي بكوادر سعودية 100 في المئة".

أشارت العيسى إلى عدد من العروض المسرحية الآتية في المدينة المنورة وجازان بعد تجاربها الفنية المسرحية في معظم المدن السعودية، فيما غابت جدة عن قائمتها على الرغم من الزخم الثقافي الذي تمتلكه عروس البحر الأحمر بحكم تعدد أعراق سكانها، وكونها بوابة الحرمين الشريفين.

مواهب مهدورة

ربما يصادف أن تتشارك المخرجة العيسى القلق نفسه مع الدكتور عمر الجاسر، رئيس جمعية الثقافة والفنون في جدة، في شأن قلة عدد المخرجات السعوديات وكاتبات السيناريو والحوار وكاتبات القصة، على الرغم من أن في الساحة كثيراً من المواهب المحلية.

&قال الجاسر لـ "إيلاف": "تهتم جمعية الثقافة والفنون في جدة تحديدًا بفن المسرح، وقمنا بتعيين أكثر من لجنة في هذا المضمار منها لجنة مسرح الطفل، ولجنة مسرح الشباب (الكبار)، وأخيرًا تم استحداث لجنة المسرح النسائي، وهي الأولى من نوعها في السعودية".

أضاف: "شهد مسرح الطفل والمسرح النسائي نقلة نوعية في التفعيل والاهتمام، وتقدم الجمعية في جدة عروضًا اسبوعية في المنتزهات الترفيهية، ونحاول من خلال الجمعية تفعيل دور المسرح على مدار العام، ولدينا مشاركات من خلال المهرجانات بعروض مسرحية قصيرة، إضافة إلى العروض التي ترتبط بأمانة مدينة جدة، وشركات الانتاج، وهي خارج نطاق إشراف الجمعية".

وعمد الجاسر إلى إصدار تصاريح للفرق المسرحية، وتقديم الدعم اللوجستي والإداري وأحيانًا المادي في جدة ومكة ورابغ، "إلا أن المشكلة تكمن في غياب مظلة رسمية، وحتى اللحظة لا مظلة رسمية تملك هدفًا وخطة مستقبلية لتأسيس بنية تحتية للمسرح وتوفير دعم حقيقي له، وحتى الآن يبقى الدعم اللوجستي أو المادي أو حتى الاداري على استحياء ومجرد كمالية من الكماليات".

وتمنى الجاسر إنشاء اتحاد للمسرح، يملك الصلاحيات والرؤية لتطوير العمل الفني السعودي، ويضم الجمعيات الثقافية تحت لوائه، ويسعى إلى تكوين فرق متكاملة من المسرحيين والمسرحيات والكتّاب المؤهلين والمخرجين المبدعين، وتوفير خشبة مسرح مناسبة للعروض، بمساحة تتسع لكل هاوٍ، أو محترف لتقديم عمل يليق بالمشاهد.
&
جمعيات في مرمى النقد

وجهت العيسى نقدًا واضحًا إلى جمعيات الثقافة والفنون لعدم تقديمها دورات تدريبية في ظل انعدام الوجهات الأكاديمية المختصة، إلا أن الجاسر نفى هذه التهمة عن جمعية الثقافة والفنون في جدة تحديدًا، وقال: "نقدم دورات مسرحية ونستقطب مخرجين وكتّاباً مختصين في المسرح لتقديم دورات على مستوى عالٍ من الحرفية، سواء في العمل المسرحي أو السينمائي، وفي الفنون التشكيلية، والتصوير الفوتوغرافي، والدورات الاعلامية، وحتى الآن قدمت الجمعية نحو خمس دورات في مجال الفنون المسرحية، ولدينا خطة لتقديم عشر دورات مختصة في الأشهر المقبلة".

مشيرًا إلى أن أعمال الجمعية قائمة على الشباب الواعد مبتعدة عن الأسماء المشهورة بسبب أجورهم مرتفعة السعر.

وقال الجاسر إن الجمعية وقعت عقد شراكة مع الدكتور هاني أبو راس، أمين أمانة جدة، لاستغلال مسرح مركز الملك عبد العزيز في أبرق الرغامة، لأنه يتسع لأكبر عدد ممكن من الحضور، خصوصًا أن مسرح الجمعية لا يتسع لأكثر من 140 مشاهداً، وهذا حد من تقديم العروض المسرحية. أضاف أن أحد أهم الصعوبات التي تواجههم هو مكان عمل البروفات، ومن ثم العرض لامتداد الفترة الزمنية أكثر من شهر.
&