نصر المجالي: في إطار الاستحقاقات الدستورية بعد انتخاب مجلس النواب ألـ18 ينتظر إجراء تتشكيلات وتغييرات واسعة في المناصب السيادية ذات التأثير في القرار السياسي والاقتصادي والتشريعي والأمني والتعليمي في الأردن. ومع الاستعدادات لافتتاح الدورة العادية لمجلس النواب الجديد "دستوريا" في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، "مع احتمال تاجيل الافتتاح"، كلّف العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، اليوم الأحد، الدكتور هاني الملقي بتشكيل حكومة جديدة.&

وفي كتاب التكليف الملكي للملقي لتشكيل حكومة جديدة هي الثانية التي يشكلها، أكد الملك عبدالله الثاني عميق تقديره لما بذله وزملاؤه الوزراء من جهد طيب ودؤوب خلال الشهور الأربعة الأخيرة، وبشكل خاص أوجه الدعم التي وفرتها الحكومة لإنجاح العملية الانتخابية، والتي تشكل خطوة جديدة نحو تعميق مسيرتنا الديموقراطية.

حلول

كما شكره على "جهودكم الواضحة في متابعة وتنفيذ ما ورد في كتاب التكليف السابق لكم بدقة، وتواصل مباشر مع المجتمعات المحلية لدفع مسيرة التنمية، والبناء على المنجزات ووضع الحلول العملية للعديد من التحديات".

وقال الملك: وإنني إذ أقبل استقالة الحكومة في هذه المرحلة، فإنني أعهد إليك بتشكيل حكومة جديدة لتستمر في تنفيذ المسؤوليات الوطنية، التي كنا قد حددنا أولوياتها في كتاب التكليف السابق، وفق المنهجية والبرامج التي التزمتم بها، واضعين أمامكم مجموعة من القضايا ذات الأولوية خلال المرحلة القادمة.

الانتخابات&

واشار كتاب التكليف الملكي إلى أن الانتخابات التشريعية التي أنجزها الأردن ستكون، بإذن الله، خطوة نوعية في عملية الإصلاح السياسي الذي أردناه، والتي نأمل منها الارتقاء بالعمل النيابي. وهنـا، يجب إرساء علاقة تسودها روح التعاون والإيجابية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبأسلوب عمل تكاملي دون تغول أو تعطيل أو سلبية. وهذا يتطلب من السلطتين التنفيذية والتشريعية التعاون والتنسيق الدائم على أساس الفصل بين السلطات، وعلى أساس الاحترام المتبادل للأدوار الدستورية والشعور بالمسؤولية العامة تجاه الوطن والمواطن، وبما يتيح لها تولي مهامها التنفيذية ولمجلس الأمة مهامه الرقابية والتشريعية باقتدار.

الإصلاح السياسي

وأضاف العاهل الأردني: وكخطوة هامة ورئيسية على صعيد الإصلاح السياسي، فعلى الحكومة توفير سبل الدعم للهيئة المستقلة للانتخاب لتمكينها من إجراء انتخابات المجالس البلدية ومجالس المحافظات العام المقبل، بالإضافة إلى الإعداد والتحضير بشكلٍ جيد ودقيق لضمان نجاح هذا الاستحقاق الوطني من أجل تعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار السياسي والتنموي.&

إنّ هذه المجالس تقلل من عبء الخدمات الذي يقوم به أعضاء مجلس النواب، ومن شأنها أيضاً أن تضيف مزيداً من المشاركة السياسية في الحياة العامة وتعمق الحياة الديمقراطية، وتمكن المواطنين من التأثير بالقرارات المرتبطة مباشرة بهم في الميدان، فهم الأقدر على تحديد احتياجاتهم والطرق الأنسب للتعامل مع هذه الاحتياجات.

الأولوية الاقتصادية

وتابع كتاب التكليف الملكي: إن النهوض بالاقتصاد هو في قمة أولوياتنا الوطنية. وعليه، فمن الضروري الاستمرار في برامج التصحيح والتحديث الاقتصادي، وتحقيق أهدافها المنشودة، والعمل لإنجاز وتطوير تشريعات وسياسات وإجراءات محددة ومدروسة تعزز تنافسية الاقتصاد الوطني، وتجذب الاستثمارات، وتيسر نجاحها، وتحد من البيروقراطية المعيقة لها، لتوليد فرص العمل والتشغيل، وللمحافظة على الاستقرار المالي والنقدي، وتقلص عجز الموازنة ونسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي لرفع معدلات النمو وتحقيق التنمية المستدامة.

رؤية 2025&

ومن الضروري أن ترتكز هذه الجهود إلى رؤية الأردن2025 وتستمر بالبناء عليها، والتي وضعت إطاراً عاماً متكاملاً للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى متابعة تنفيذ ما يصدر من توصيات يُتفق عليها مع مجلس السياسات الاقتصادية كما فعلت الحكومة مع حزمة التوصيات الأخيرة الصادرة عن المجلس.

وقال العاهل الأردني إن ما سيتم بلورته من برامج وإجراءات سريعة للنهوض بالاقتصاد الوطني وإنجازاتكم في هذا الميدان الهام ستكون أولوية وطنية تحظى باهتمامنـا، وعليه فإن هذه البرامج يجب أن تراعي بشكل واضح التوزيع العادل لمخرجات التنمية على المحافظات، وأن ترفد الطبقة الوسطى بأسباب المنعة والنمو سيما وأنها الضامن الأساس للاستقرار الاجتماعي وللتقدم الذي ننشد. وعلى الحكومة الاستمرار في تنفيذ برامج تنموية وإنتاجية على المستوى المحلي تشمل كل المحافظات، مستندة إلى تصور تنموي مستدام لها، وعبر زيادة الموارد المتاحة أمام المشاريع الصغيرة والمتوسطة خاصة للشباب الريادي في المحافظات ودعم بيئة الأعمال وإيلاء جذب الاستثمار الخارجي والعربي ودعم الاستثمار الوطني الأهمية التي يستحقها.

الميدان

وشدد العاهل الأردني على أهمية مواصلة الحكومة تلّمس أحوال المواطنين في الميدان، للاطلاع على واقع الخدمات المقدمة، لما لذلك من دور أساسي في عمل الحكومة ونجاح خططها وتقديم الخدمات المناسبة للمواطن، ليشعر المواطنون بالدور الحقيقي للحكومة والوزراء والمسؤولين بأنهم مجنّدون لخدمتهم وتفقّد حاجاتهم وحلّ مشاكلهم، ضمن الإمكانيات المتاحة بلا تقاعس أو تردد.

القضاء النزيه

وقال كتاب التكليف الملكي: إن القضاء النزيه والعادل والقادر هو ركن أساسي في تحقيق كل ذلك، ويجب الاستمرار في التعاون مع السلطة القضائية لتوفير كل الدعم اللازم لتمكينها من الاضطلاع بدورها الرئيسي على أكمل وجه.

ومن الأهمية بمكان الاستمرار في تعزيز مبدأ سيادة القانون وحماية قيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ومحاربة الواسطة والمحسوبية، والاستمرار بإصلاح القطاع العام عبر اتخاذ اجراءات إدارية تمكن القيادات الإدارية ذات الكفاءة من قيادة التغيير المنشود، مستكملين بذلك خطوات الإصلاح الشامل اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وإدارياً، منجزين مشروع الحكومة الالكترونية، ومستمرين في مشاريع تنويع مصادر الطاقة وغيرها من المشاريع الكبرى، خاصة في قطاعات المياه والنقل العام. ولا بد من العمل على الاستمرار في رفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطن ورفع سوية الأداء في القطاع العام وإصلاحه ضمن خطوات مدروسة وعميقة. كما لا بد من ترجمة ميثاق منظومة النزاهة الوطنية وقانون النزاهة ومكافحة الفساد إلى ممارسات يلمسها المواطن في العمل اليومي للإدارات الحكومية والخدمات العامة.

التعليم&

إن قطاع التعليم، بمراحلة كافة، يمس مستقبل الأردن ومستقبل كل مواطن، ولا يمكن السماح لأي كان بالوقوف في وجه تطوير وتحديث وتمكين هذا القطاع بكافة جوانبه. ولن نسمح بإحباط جهودنا ببناء أجيال المستقبل والنهوض بالعملية التعليمية بجميع مراحلها وأركانها. كما ويجب أن يكون الشباب وتمكينهم وإدماجهم في العملية التنموية في صميم الجهود الحكومية، بالإضافة إلى ضرورة الارتقاء بمشاركة المرأة في جميع مناحي الحياة وذلك بالشكل الذي يلبي طموحاتنا ويستحقه مجتمعنا.

البطالة&

وعلى صعيد محاربة البطالة، فإنه لا بد من النهوض بالموارد البشرية، وإحقاق التكاملية بين توصيات اللجنة الوطنية للموارد البشرية والاستراتيجية الوطنية للتشغيل، حيث تعتبر الأولى أساساً ومتطلباً سابقاً للثانية، وكذلك الاستمرار في تفعيل تطبيق الاستراتيجيات، ومصارحة المواطنين والرأي العام بما يمكن وما لا يمكن تحقيقه، بهدف بناء توقعات وطنية طموحة ومنطقية. ومثالا على ذلك، ما بدأت الحكومة بإطلاقه حول البطالة والتأكيد على أولوية التشغيل بدل التوظيف، مؤكدين على ضرورة العمل لتنفيذ توصيات اللجنة الوطنية للموارد البشرية، والتي تم اعتمادها، لما لها من الأهمية في بناء مستقبل واعد لأبناء وبنات الوطن، وتوفير فرص التشغيل والعمل الكريم لهم، وتطوير قطاعات التربية والتعليم والتعليم العالي والتدريب المهني والتقني.

حقوق الانسان

وقالت الرسالة الملكية: وليكتمل الإصلاح، فلا بد من مواصلة الجهود لبناء وترسيخ منظومة متكاملة لحقوق الإنسان، توائم بين الحرية والمسؤولية الوطنية، مستندة إلى التشريعات والسياسات والممارسات الفضلى، لبناء شراكات هادفة ومتقدمة مع الأطراف المعنية ومن ضمنها مؤسسات المجتمع المدني. وفي هذا المجال، يجب إنفاذ الخطة الوطنية الشاملة لحقوق الإنسان، ضمن البرامج التنفيذية والمدد الزمنية المحددة فيها، والتي ستساهم بشكل رئيسي في تعزيز حالة حقوق الإنسان وترسيخها في وطننا الغالي، والبناء على منجزاتنا الوطنية في هذا المجال.

التحديات الوطنية

وقال الملك لرئيس حكومته المكلف إن التحديات الوطنية التي يعانيها الأردن وأجياله اليوم قد تضاعفت بسبب انعاكاسات أزمة اللجوء السوري على الأردن. فما قدمه الأردن يفوق كل معيار ولا بد من بذل كل الجهود لتأمين الدعم المطلوب للأردن، والذي من شأنه تمكيننا من التعامل مع أعباء وتبعات اللجوء السوري اقتصاديا وتنمويا وأمنيا وتوفير الدعم الضروري لمجتمعاتنا المحلية وقطاعاتنا الحيوية.
وأضاف: إننا نعتز بجيشنا العربي الأردني وأجهزتنا الأمنية كافة، والتي تتحمل أعباء كبيرة في الذود عن حمى الوطن وأمنه واستقراره، وهي التي سطرت مستوى أداء كان مثار اعتزازنا. فقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية درع الوطن المنيع في وجه كل عابث وحاقد وهي مصدر ثقتنا وفخرنا، ولها منا جميعاً كل الشكر والتقدير على ما يبذلونه من جهود وتضحيات. ويستوجب علينا جميعاً توفير سبل الدعم كافة لتمكينهم من القيام بمسؤولياتهم الوطنية بتميز واقتدار.

قضايا الامتين

وتابعت الرسالة الملكية: إن الأردن مستمر بعزيمة وهمة في مواقفه الثابتة بدعم قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وحماية القدس الشريف وتحقيق السلام العادل والشامل. وإنني أتطلع لأن تقوم الحكومة بالمرحلة القادمة بالاستثمار والبناء على حضور الأردن الدولي والاحترام الذي يحظى به والاتفاقيات العديدة التي أنجزها، لكي نعظم من مكاسبنا الدولية بما ينعكس على قدراتنا في مواجهة التحديات الوطنية.

الارهاب

كما أن مسؤولية التصدي للإرهابيين، خوارج العصر، واجب علينا دفاعاً عن الإسلام ومجتمعاتنا ومستقبل أجيالنا وحقهم بالعيش بأمان، بعيدا عن الكراهية والطائفية والعنف والفكر الهدام، وضمن منهج شمولي يواجه الإرهاب عسكريا وأمنيا وايديولوجياً حتى نقضي على هذا الخطر الآثم. وعلى الحكومة أن تستمر بنهج الدبلوماسية المسؤولة والبناءة وباحترام المواثيق والمعاهدات والالتزامات الدولية، وبتوجيه إمكاناتها وعلاقاتها الدولية والتحرك سياسياً بما يخدم القضايا العربية والإسلامية العادلة.

وختم الملك قائلا: عزيزنا دولة الأخ، وإلى حين تنسيبك بأسماء زملائك الوزراء، الذين سيشاركونك حمل أمانة المسؤولية، فإنني أكلفك وزملائك الوزراء، بتسيير الأعمال وإلى حين صدور إرادتنا بتشكيل الوزارة الجديدة.

يذكر أن حكومة هاني الملقي (65 عاما)، المستقيلة كانت أدت اليمين الدستورية أمام الملك عبدالله الثاني، خلفاً لحكومة عبدالله النسور، بتاريخ الأول من حزيران/ يونيو الماضي، وضمت 29 وزيراً.

انتخابات&

وأجريت في عهد حكومة الملقي وهي الأولى برئاسة الانتخابات التشريعية يوم 20 أيلول/ سبتمبر التي جات بمجلس النواب ألـ18 من 130 عضوا يمثلون مختلف الطيف الشعبي العشائري والسياسي والإسلامي في المملكة الهاشمية.&

ويشار في الختام، إلى أن العاهل الأردني كان اختط منذ مجلس النواب الماضي سياسة جديدة بتشكيل حكومات يجري التشاور بشأنها مع الكتل البرلمانية وذلك في إطار تجربة ستقود في نهاية المطاف ولو بعد سنين إلى تشكيل حكومات من رحم مجلس النواب (حكومات برلمانية) وكانت حكومة عبدالله النسور السابق نموذجا عمليا لسياسة الملك في هذا الاتجاه.&