صبري عبد الحفيظ من القاهرة:&اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" السلطات الأمنية في مصر بممارسة التعذيب بحق السجناء في سجن العقرب شديد الحراسة، ما أدى إلى وفاة بعضهم.&

وقالت المنظمة الحقوقية الدولية في تقرير لها، السجناء يتعرضون للضرب المبرح، مضيفة: "يقوم موظفو سجن العقرب بضرب النزلاء ضربا مبرحا وعزلهم في زنازين "تأديبية" ضيقة، مع منع زيارات الأهالي والمحامين، وعرقلة رعايتهم الطبية.

ويوثق التقرير الذي صدر في 58 صفحة بعنوان "حياة القبور: انتهاكات سجن العقرب في مصر"، ما وصفه بـ"المعاملة القاسية واللاإنسانية على أيدي أعوان وزارة الداخلية المصرية، التي قد ترقى إلى مصاف التعذيب في بعض الحالات، وتنتهك معايير دولية أساسية لمعاملة السجناء".

وأضافت المنظمة: "استمرت الانتهاكات في سجن العقرب، الذي يُحتجز نزلاؤه في زنازين دون أسرّة أو مستلزمات النظافة الشخصية الأساسية، دون مراقبة من النيابة أو جهات الرقابة الأخرى، وراء جدار من السرّية شيّدته وزارة الداخلية".

وقال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "سجن العقرب هو المحطة الأخيرة للمعتقلين في مسار القمع الحكومي، فيضمن إسكات الخصوم السياسيين وقتل آمالهم. يبدو أن الغرض منه أن يبقى مكانًا ترمي فيه الحكومة منتقديها ثم تنساهم".

وبثت المنظمة مقطع فيديو يوثق حالات التعذيب عبر لقاءات مع أسر الضحايا، إلا أنه تعرض للحذف لاحقًا، وقالت "هيومن رايتس ووتش"، إنها التقت 20 من أهالي النزلاء المحتجزين في سجن العقرب، ومحاميَين اثنين وسجينا سابقا، واطلعت على سجلات طبية وصور للسجناء المرضى والمتوفين.

اعتقالات

وأشارت إلى أنه "منذ يوليو 2013، شنت السلطات المصرية إحدى أكبر حملات الاعتقال في تاريخ مصر الحديث، واستهدفت طيفا عريضا من الخصوم السياسيين. حصل ذلك بعدما عزل الجيش المصري، بقيادة وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي، أول رئيس يأتي بانتخابات حرة والعضو القيادي في "الإخوان المسلمين"، محمد مرسي".

ونقلت المنظمة عن أقارب السجناء قولهم "إن الظروف في سجن العقرب تدهورت كثيرا في مارس 2015، عندما عيّن السيسي – الذي انتُخب رئيسا في 2014 – اللواء مجدي عبد الغفار وزيرا للداخلية. بين مارس وأغسطس 2015، حظر مسؤولو وزارة الداخلية جميع زيارات الأهالي والمحامين؛ عمليا، عُزل السجن تماما عن العالم الخارجي".

ويشكو أهالي السجناء ـ حسب المنظمة ـ من "حظر تسليم الطعام والدواء المطلوبين بشدة، في ظل عدم توفرهما بالشكل المناسب في السجن، الذي لا توجد به مستشفى أو زيارات منتظمة من الأطباء. يرقى الحظر إلى ما وصفه الأهالي بسياسة "تجويع" أدت إلى إصابة النزلاء بالمرض والهزال".

وقدرت المنظمة أعداد السجناء الذين تعرضوا للموت بسبب التعذيب والتجويع ومنع الدواء في الفترة بين مايو وأكتوبر 2015، بستة نزلاء على الأقل.

وتابعت: "وافق أهالي 3 من المتوفين على الحديث إلى هيومن رايتس ووتش. شُخِّص 2 بالسرطان والثالث بالسكري. وقال الأهالي إن السلطات منعت الضحايا من تلقي العلاج أو تسلم الدواء في الوقت المناسب، ورفضت النظر في أمر الإفراج المشروط عنهم لأسباب طبية، ولم تحقق في وفاتهم.

وحسب التقرير "في إحدى الحالات رفضت وزارة الداخلية إمداد عصام دربالة – العضو القيادي في "الجماعة الإسلامية" الذي كان مصابا بالسكري – بالدواء الموصوف له، رغم أوامر من قاضٍ ومن النيابة بتوفيره، على حد قول شقيق دربالة وأحد المحامين. رفضت السلطات ذلك حتى بعد مثول دربالة في أغسطس 2015 أمام المحكمة، وكان يرجف وشبه فاقد للوعي وغير قادر على وقف التبول. مات دربالة بعد ساعات من الجلسة".

فريد إسماعيل – نزيل آخر، وعضو برلماني سابق عن حزب "الحرية والعدالة" التابع للإخوان المسلمين – كان مريضا بفيروس الكبد الوبائي ج (أو "فيروس سي") ومات في مايو 2015 بعد أن دخل غيبوبة كبدية في السجن.

ونقلت المنظمة عن عائشة الشاطر – ابنة نائب المرشد العام للإخوان المسلمين خيرت الشاطر، قولها "في أحد الأيام لم يرد إسماعيل على التعداد اليومي للنزلاء الذي ابتكره والدها وآخرون في العنبر، في فترة أجبروا فيها على البقاء في الزنازين. أعلموا الحراس بذلك، فأجاب هؤلاء: "ليس شأنكم". في اليوم التالي اكتشف الحراس إسماعيل فاقدا للوعي في زنزانته. مات في مستشفى خارجي بعد أسبوع تقريبا".

وأضافت عائشة الشاطر: "بعد ذلك أصبح الصياح من داخل الزنزانة ممنوعا. يقولون: إنها حياة القبور. أحياء لكن في قبور".

حظر الزيارات

منذ حظر الزيارات لأشهر عام 2015، ـ تقول هيومن رايتس ووتش ـ استمرت سلطات سجن العقرب تعسفا في منع النزلاء من لقاء الأهل والمحامين طوال أسابيع أو أشهر. لا تسمح للنزلاء بمقابلة المحامين على انفراد في أي وقت. قام ضباط، منهم بعض كبار المسؤولين في وزارة الداخلية، بضرب وتهديد النزلاء الذين أضربوا عن الطعام احتجاجا على أحوال السجن، مع اهانة وإساءة معاملة السجناء البارزين أثناء تفتيش الزنازين.

وقال التقرير: بين عزل مرسي في يونيو 2013، ومايو 2014، اعتقلت السلطات المصرية أو وجهت اتهامات إلى 41 ألف شخص، طبقا لإحصاء موثّق، واعتقلت 26 ألفا آخرين منذ بداية 2015، على حد قول محامين وباحثين حقوقيين. أقرت الحكومة باعتقال نحو 34 ألفا.

بينما ادعى المحتجزون في السجون المصرية الأخرى التعرض لانتهاكات جسيمة، تبين أن سجن العقرب – وليس للمرة الأولى في تاريخه – هو المركز الأساسي الذي يُساق إليه من يُعتبرون الأعداء الأخطر للدولة. حسب تعبير المنظمة الدولية.

هذا السجن الذي شُيد عام 1993 ويُعرف رسميا باسم "سجن طرة شديد الحراسة"، كان الهدف منه احتواء "المعتقلين وقائيا في قضايا أمن الدولة"، بحسب قرار إنشاء السجن.

وقال اللواء إبراهيم عبد الغفار، المأمور السابق لسجن العقرب، في مقابلة تلفزيونية عام 2012: "صمموه بحيث إن من يدخله لا يخرج منه حيا. صمموه للمعتقلين السياسيين".

وكشف التقرير أن "جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية – وكان يُعرف حينئذ بـ "مباحث أمن الدولة" – هو الذي يدير سجن العقرب فعليًا، مستعينا بسلطات تتجاوز سلطات القضاء. يتجاهل الجهاز الكثير من أحكام المحاكم برفع الحظر المتعسف على الزيارات".

واستطردت المنظمة: حاليًا، يبدو أن الوضع لم يتبدل كثيرا في سجن العقرب، الذي يحوي نحو 1000 سجين، بحسب تقدير الأهالي. بين السجناء معظم القيادات العليا للإخوان المسلمين، وأعضاء مزعومون في جماعة "الدولة الإسلامية" المتطرفة، ومنتقدون عدة لحكومة السيسي، بينهم صحافيون وأطباء.

وطالبت هيومن رايتس ووتش وزارة الداخلية المصرية أن تُنهي فورا حظر الزيارات التعسفي، وتضمن الزيارات المنتظمة من الأطباء مع إتاحة الرعاية الطبية بانتظام، وأن تمد النزلاء بالمستلزمات الأساسية اللازمة للنظافة الشخصية والراحة، مشيرة إلى ضرورة أن تسمح الحكومة المصرية بزيارة مراقبين دوليين للسجن، وتشكل لجنة وطنية مستقلة لها سلطة إجراء زيارات غير معلنة للسجون وأماكن الاحتجاز الأخرى وأن تحيل الشكاوى على النيابات العامة المختصة.

كما دعت المنظمة الدولية "النيابة العامة المصرية أن تحقق في وفيات السجناء، وتوجه تهما إلى مسؤولي القيادة في سجن العقرب المتصلين بأية أعمال تعذيب أو معاملة قاسية أو لاإنسانية".

واعتبر جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن "نظام السجون المصري يفيض بالمعارضين. إنهاء الانتهاكات وراء جدران سجن العقرب هو خطوة صغيرة نحو تحسين الأوضاع المزرية للسجون في شتى أنحاء البلاد".