«إيلاف» من عدن: أحيا الآلاف من أبناء محافظات جنوب اليمن الجمعة الذكرى الحادية عشر للتصالح والتسامح الجنوبي، ورفع المشاركون صور موتاهم وأعلام دولة اليمن الجنوبي السابقة.

وفي هذه المناسبة، قال المهندس أحمد سعيد، رئيس اللجنة التحضيرية لفاعلية التصالح والتسامح، في كلمة له في التظاهرة، إن هذا اليوم يمثل منعطفًا تاريخيًا مهمًا في حياة الشعب الجنوبي، فقد طوى الجنوب صفحات الماضي بكل صراعاته، مشيرًا إلى أن الأهم هو "كيف نكرس ذلك في سلوكنا اليومي قولًا وعملًا، واﻻ نعطي أعداء الجنوب فرصة أن يخترقوا صفوفنا، ونثبت للعالم على قدر هذ اﻻنجاز التاريخي، مبينًا أن التصالح والتسامح يمثل قيمة إنسانية وأخلاقية ودينية، ويجب أن نربي الأجيال على الحب والتسامح والوئام، وان يتحول كل ذلك إلى سلوك وثقافة نمارسها على ارض الواقع".

القبائل الماركسية&

ردد المتظاهرون الشعارات المناوئة لمليشيات الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح وحلفائهم الإيرانيين، كما أدانوا ما يتردد من حملات تحريض إعلامية ممنهجة، ومجهولة الانتماء تستهدف السعودية والإمارات وتنتقص من دورهما المحوري في محاربة الإرهاب، واستتباب الأمن في الشرق الأوسط.

وتعتبر ذكرى التصالح والتسامح مناسبة سنوية يحتشد فيها أبناء محافظات جنوب اليمن في ذكرى حرب 13 يناير 1986 التي نشبت بين زعماء الحزب الاشتراكي الذي يحكم دولة جنوب اليمن السابقة قبل أن تتوحد مع دولة الشمال في عام 1990 في الجمهورية اليمنية.

في حرب يناير 1986، شاركت القبائل الماركسية من اغلب محافظات جنوب اليمن حينها، حيث كان الحزب الاشتراكي ذو الفكر الماركسي يحكم جنوب اليمن بقبضة حديدية. وتفجرت تلك الحرب بين قادة الحزب في عهد الرئيس السابق علي ناصر محمد، وانتهت بمغادرته عدن مع اتباعه، بينما تولى رئاسة الحزب الاشتراكي الحاكم علي سالم البيض، فيما لقي عشرة آلاف حتفهم.

وبعد عشرين عامًا، رفع أبناء المحافظات الجنوبية شعارات التصالح والتسامح وطي صفحة يناير إلى الأبد.

رهان خاسر&

يؤكد علي شائف الحريري، المتحدث باسم «المقاومة الشعبية الجنوبية»، أن مشروع التصالح والتسامح الجنوبي الذي انطلق مع بدايات الحراك الجنوبي كان الدافع الرئيسي لاستمرار ثورة شعب الجنوب طوال السنوات الماضية، مشيرا إلى أن المشروع الحقيقي هو تجسيد البيت الجنوبي الذي ظهر أكثر متانة أمام الشمال الغازي للجنوب .&&&&

ويرى الحريري في حديثه لـ «إيلاف» أن شمال علي صالح كان يراهن على إضعاف وحدة الصف الجنوبي، مستغلا الحوادث القديمة والصراع الدامي الذي مر فيه الجنوب بعد الاستقلال، متأثرًا بالمعسكر الاشتراكي، وكان هذا هو رهان المحتل الشمالي.

يضيف: "أدرك أبناء الجنوب هذه الثغرة الذي استغلها الشمال الغازي وبادروا أولًا إلى ترميم البيت الجنوبي بمشروع عظيم تجسد في التصالح والتسامح الجنوبي للبيت الواحد، وبفضل هذا المشروع حقق شعب الجنوب ما نراه اليوم".

صراع النخب&

قال الكاتب والمحلل السياسي عبده الدباني إن حركة التصالح والتسامح والتضامن الجنوبية التي يحتفى بذكراها العاشرة مثلت أساسًا قويًا لبناء صرح الثورة الجنوبية التحررية على طريق قيام الدولة الجنوبية المستقلة.&&&&

ورأى في حديث لـ "إيلاف" أن الجنوبيين شعب عاطفي، فرق بينهم صراع النخب السياسية ورجال السلطة أنفسهم، فكان الشرخ يصل إلى القاعدة الشعبية.

ويعيد الدباني إلى الاذهان مسيرة الجنوبيين منذ ستينيات القرن الماضي: "قبل الاستقلال عن بريطانيا في عام 1967، لم يكن الجنوبيون دولة واحدة باستثناء دولة الاتحاد العربي التي لم تدم طويلًا، وكانت الجنوب إمارات وسلطنات ومشيخات، لكن كان هناك ما يجمع الجنوبيين ثقافيًا واجتماعيًا ومصيريًا، وحتى سياسيًا، على الرغم من تعدد الكيانات السياسية، فالجنوب جغرافيا واسعة ممتدة لكن عدد السكان قليل، فظهر التنوع الجغرافي والسياسي والخصوصيات المحلية، غير أنها عوامل إيجابية في حالة إدارتها بنوع من الرشد والحكمة السياسية في ظل الدولة الواحدة".

ويؤكد الدباني أهمية عملية التصالح والتسامح التي ينبغي أن تستمر وتتحول إلى واقع، وألا تكون مجرد ذكرى أو شعار، "فهناك من لا يزال يعزف على وتر المناطقية والصراعات القديمة التي حدثت بين الجنوبيين، لإجهاض قيام دولة الجنوب المستقلة".

أهم من الاحتفال&

يرى الكاتب والمحلل السياسي صالح الدويل باراس: "ليس مهمًا الاحتفال بذكرى التصالح والتسامح، بل المهم تفعيله، فالجنوب لن يعود جنوبًا حتى يكون له زعيم واحد، أو أمين حزب واحد يحدد مصيره عبر كونفرس شمولي، فالواقع المعاش أعمق وأكثر تعقيدًا من إحاطته بشعارات جوفاء".&&& &

أضاف باراس لـ «إيلاف» أن مفهوم التصالح والتسامح يعني أن تتقبل الآخر وتتعايش معه، وأن تبني معه مشروعًا سياسيًا واجتماعيًا، منوها بأن التسامح لا يعني أن يرفعه البعض شعارًا، وهو يحمل قناعات الممثل الوحيد، فذلك ضد هذا المبدأ، وهذا المبدأ يحمل دلالات مهمة في الجنوب عامة.

تدمير الوعي المدني&

يمضي باراس في بيان رؤيته إلى التصالح والتسامح في الجنوب: "ينبغي معالجة آثار ارتبطت بأداء التجربة الوحدوية، وهي التجربة الاكثر سلبًا مجتمعيًا وسياسيًا حيث تم تدمير بنية الدولة كلها، وبعثت الأسوأ في القبلية والمناطقية واستخدمتها بشكل سيء في العملية السياسية والمجتمعية، وترافق ذلك بتدمير الوعي المدني الذي ساد قرابة نصف قرن قبل الوحدة من خلال& نشر الثأر أو غض الطرف عن نشره، وإحياء كل قبيح من تلك العادات وعدم معالجاتها، بل خلق ما يعمق آثارها ويرسخها في المجتمع لتصبح هي الأصل وما عداها استثناء، من خلال إخراج سلطة الأمن والقانون من إدارة المجتمع وتحديد السلطة في مراكز معينة في عواصم المحافظات لتحمي مصالح مراكز قوى الحكم والفساد فحسب، وترافق ذلك بتسكين الارهاب وتدويره في المساحات القبلية في الجنوب لغرض سياسي يخدم نظام صنعاء وأحزابها، وكذلك إحياء المناطقية واستخدام مراكز مخابرات تابعة للنظام ترعاه وتعمقه".

ختم باراس بالإشارة إلى أن الصراعات الاجتماعية والسياسية سمة من السمات التي تمر بها الشعوب، وان الجنوب لن يكون استثناء، محذرا من أن تظل هذه الصراعات معلقة وأزمات مزروعة ترعاها قوى جنوبية، فتتحول إلى ظاهرة مستدامة.