برلين: رغم أن البداية بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والمستشارة الالمانية انغيلا ميركل لم تكن سلسة، الا ان مغادرته الوشيكة لمنصبه اثارت في برلين موجة من الحنين الى الماضي والخشية من القادم.

فيما يهدد ترامب بهدم ركائز النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، فان قلة من مدن العالم مثلت تاريخيا رمزا لقوة العلاقة بين جانبي الاطلسي مثلما مثلته عاصمة المانيا الموحدة التي عقد فيها الرئيس الأميركي باراك أوباما اكبر تجمع في حملته الانتخابية في 2008. 

ورغم ان ميركل منعت أوباما من القاء كلمة عند بوابة براندنبورغ باعتبار انه من غير الملائم ان يشكل هذا الرمز البارز لوحدة المانيا خلفية للسناتور الشاب، الا انه تمكن من استقطاب 200 الف شخص احتشدوا بالقرب من نصب "عمود النصر" القريب والقى كلمة حول هدم جدران الانقسام لقيت ترحيبا من الحضور. 

والان يستعد سكان برلين لوداع أوباما التي يقول العديدون انه حسن العلاقات مع بلادهم كثيرا، واستقبال ترامب الذي سيتولى منصبه الجمعة بقلق شديد. 

تقول انتجي بوهل (33 عاما) مديرة العلاقات العامة ان "ميركل وأوباما هما من قادة القرن الحادي والعشرين، ليس لانها كانت اول امرأة تشغل منصب المستشارة او لانه كان اول رئيس أميركي اسود، ولكن لمقاربتهما العصرية والذكية والبعيدة النظر". 

واضافت "أوباما لم يكن كاملا، ولكن برلين ستفتقده خاصة مقارنة مع جنون ترامب". اما كليمنس دوبيغن (50 عاما) الذي يعمل في الفرع الالماني لشركة فورد الأميركية لصناعة السيارات فتوقع "مفاوضات تجارة صعبة" واصفا خطاب ترامب حول الحمائية بانه "فظ وتبسيطي". 

واضاف "كانت أميركا في ظل أوباما شريكا موثوقا -- اسلوب ترامب الغريب سيء جدا للاعمال". 

تحول جذري

في كلمته في 2008 استخدم أوباما توحيد المدينة التي كانت مقسمة كرمز للتقدم، ووضع نفسه في مصاف رؤساء أميركيين سابقين اعتبروا برلين مهدا لصراعات ملحمية. فقبل اشهر من اغتياله في 1963، اطلق جون كيندي اعلانه المشهور "انا برليني" لنحو 450 الف شخص عندما وجدت برلين الغربية نفسها على خط جبهة الحرب الباردة. 

وكانت تلك بمثابة رسالة طمأنة مهمة لالمانيا بعد عام من ازمة الصواريخ الكوبية التي كادت ان تؤدي الى حرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، كما جاءت بعد عامين من بناء المانيا الشرقية الشيوعية جدار برلين. 

كما كانت كلمة أوباما صدى واضحا لدعوة رونالد ريغان الى الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشيف في برلين في 1987 "بهدم هذا الجدار". بعد عامين ازيل الجدار الذي كان رمزا للحرب الباردة في ثورة بيضاء. 

ونمت شراكة قوية بين أوباما وميركل التي تولت السلطة في 2005، رغم الخلافات حول التسريبات بان جهاز الامن القومي الأميركي تجسسن على هواتف ميركل، ومعارضة أوباما القوية لطريقة المانيا المستندة الى التقشف في معالجة ازمة الديون الاوروبية. 

وخلال رئاسة أوباما ابرمت الولايات المتحدة والمانيا اضافة الى الاتحاد الاوروبي سلسلة من الاتفاقات يشكك فيها ترامب الان، بما في ذلك الاتفاق النووي الايراني واتفاق باريس للمناخ والعقوبات الاقتصادية ضد روسيا بسبب الازمة الاوكرانية. 

الا ان الاهم من ذلك هو ان فترة رئاسة أوباما شهدت تحولا جذريا في العلاقات بين جانبي الاطلسي. 

صرح سودها ديفيد-يولب من صندوق مارشال الالماني الأميركي "طوال معظم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت المانيا بمثابة المحمية -- على الاقل المانيا الغربية -- حتى بعد انهيار الجدار ظلت بمثابة الابن الصغير. ولكن اعتقد ان أوباما راى ان المانيا قد بلغت سن الرشد". 

واضاف "في نهاية فترتيه الرئاسيتين، شاهدنا أوباما يعتمد على المستشارة ميركل في النصائح والمناقشات، ورأينا كيف اصبحت المانيا شريكا لا يمكن الاستغناء عنه. واصبحت المانيا تتولى المزيد من المسؤوليات في العالم وترى نفسها قوة من اجل الخير". 

"جمهور يصفق"

في زيارة وداعية الى برلين في تشرين الثاني/نوفمبر اشاد أوباما بميركل ووصفها بانها حليف "قوي"، فيما اكد الزعيمان على ضرورة الحفاظ على قوة حلف شمال الاطلسي وعلى اهمية التجارة الحرة والعمل من اجل مكافحة تاثيرات التغير المناخي. 

ويمكن ان يطلق تنصيب ترامب تغيرا دراماتيكيا حيث انه اعلن في مقابلة مع صحف اوروبية الاثنين ان حلف شمال الاطلسي "تخطاه الزمن" وان الاتحاد الاوروبي هو مجرد "اداة" لالمانيا، وقال ان ترحيب ميركل باللاجئين كان "خطأ كارثيا". 

ورغم التغير الواضح في سياسة وتقاليد واشنطن، الا ان السفير الأميركي في المانيا الذي سيترك منصبه قريبا جون اميرسون قال ان ترامب سيكون حكيما وسيسعى للتوصل الى "ارضية مشتركة" مع برلين. 

وقال "في البداية عليه ان يزور المكان الذي تتحدر منه عائلته" في اشارة الى قرية كلاستادت في جنوب غرب المانيا حيث ولد جداه من ابيه. 

وبعد خطابي أوباما في برلين - الثاني في 2013 عندما سمحت له ميركل بالوقوف عند بوابة براندنبورغ - قال ايمرسون ان "أوباما لن يلقي كلمة مهمة هنا (في برلين) قبل فترة طويلة. فانت بحاجة الى جمهور يصفق لكي تلقي كلمة هنا".