الرباط: قال محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، إن "هناك حاجة إلى الاندماج المغاربي، الذي، ربما، توارى الحديث عنه في الفترة الأخيرة، وأصبح، بحكم ما تعاني منه البلدان المغاربية، إشكالاً يؤرق الجميع".

وزاد بنحمو، قائلاً، في حديث لـ"إيلاف المغرب": "إننا نوجد في مرحلة دقيقة من تاريخ المنطقة المغاربية والعربية، وبالتالي فنحن في حاجة إلى الاتحاد المغاربي كخيار وجود لا يوجد هناك من خيار سواه، وإلا فإن ما ينتظر دول المنطقة هو مزيد من التمزيق والصعوبات التي تأتي في ظرفية تاريخية دقيقة".

صراع مفتعل

وقال بنحمو "إن المنطقة المغاربية، بعد ما عرفته من اهتزازات خلال السنوات الست الأخيرة، في الجانب الاستراتيجي، تعاني كثيراً من الهشاشات ومن التهديدات، خاصة الأمنية، والمتجلية في التهديدات التقليدية والمزمنة المرتبطة باستمرار بعض بؤر الصراع المفتعل في جنوب المغرب، فضلاً عن الصعوبات المرتبطة بمنظور البناء المغاربي، حيث أننا نلاحظ بين الدول المغاربية، وأقصد الجزائر، من لها منظور الدولة المحورية الذي ينافي الاندماج المغاربي، علاوة على أن مقاربتها (أي الجزائر) للعمل المغاربي هي مقاربة إقصائية بدل أن تكون اندماجية في العديد من القضايا، بما فيها القضايا الأمنية في مجموع المنطقة المغاربية وفي منطقة الساحل والصحراء".

عقيدة جزائرية

لاحظ بنحمو أن الاتحاد المغاربي "ما زال يراوح مكانه"، محملاً مسؤولية هذا الوضع إلى ما اعتبره "عقيدة لدى بعض الأطراف داخل المنطقة المغاربية"؛ قبل أن يواصل، موضحاً: "طالما أن النظام الجزائري لم يغير من عقيدته، بخصوص الدولة المحورية وبخصوص منظوره لمستقبل المنطقة، سنظل نعيش في نفس الواقع التي يميز المنطقة".

وعن الوصفة الناجعة التي تمكن من تحقيق اندماج مغاربي، بعد "فشل" المدخلين الاقتصادي والأمني في تجاوز الخلافات السياسية التي تعيق وضع الاتحاد المغاربي على سكته الصحيحة، قال بنحمو إن "ما يمكن انتظاره هو أن تتغير عقيدة النظام الجزائري".

مسؤولية النخب

تحدث بنحمو عن رؤيته الشخصية للنخب الجزائرية ومسؤوليتها في كسر الجمود المغاربي وتجاوز الخلافات البينية، فقال: "إن النخب الجزائرية حين تكون خارج النظام والمسؤولية تكون مواقفها إيجابية من المغرب، لكن، للأسف الشديد، حين تتولى المسؤولية تصبح مواقفها بطبيعة ولون ومواقف النظام، الذي يعتبر المغرب عدواً مثالياً"، مشيراً إلى أن "النظام الجزائري هو بحاجة إلى هذا العدو المثالي، وبالتالي فطبيعة العلاقات مع المغرب لا يمكن أن تكون، في إطار هذه العقيدة، إلا علاقات نزاعية، كما أن إشكالية الحدود ليست، فقط، ظرفية بل سياسية حقيقية، إن لم نقل استراتيجية. أضف إلى ذلك أن إشكالية النزاع في الأقاليم الجنوبية للمغرب هي خيار استراتيجي بالنسبة لنظام جزائري وضع في صلب عقيدته أن يبني الدولة المحورية على حساب خصم مثالي هو المغرب وعلى حساب الاندماج المغاربي".

حدود مغلقة

رأى بنحمو أن "الهاجس الأمني سيظل هو الرهان الأكبر بالنسبة لدول المنطقة المغاربية، على الأقل، خلال العشرية المقبلة"، مشيراً إلى أنه لا يمكن مواجهة التحديات المشتركة بــ"حدود مغلقة"، كما لا يمكن مواجهة المخاطر التي تتهدد المنطقة في ظل "استمرار ثقافة وفكر ينتمي إلى حقبة ولت، هي حقبة الحرب الباردة، وبنخب تعاني من صعوبات للدخول في المرحلة الحالية والقادمة".

خمس دول

شدد بنحمو على أن "المنطقة المغاربية مهددة، بشكل كبير، في أمنها واستقرارها ووحدتها وسيادتها على مجموع ترابها"، ممثلاً لذلك بما تعانيه ليبيا، مشدداً على أن "ما ينبغي أن نحافظ عليه، الآن، هو سيادة ووحدة ليبيا واستقرارها وأمنها، وإبعاد التدخلات الأجنبية والأجندات المتضاربة داخل هذا المجال". قبل أن يستدرك، قائلاً: "لكن، في نفس الوقت، نحن بحاجة إلى الانفتاح على المستقبل وتجاوز العديد من المشاكل التي تم افتعالها، وبالأساس نحن في حاجة إلى الحفاظ على الجسم المغاربي كما هو بدوله الخمس وتفادي كل ما يمكن أن يهيئ الظروف لأطراف خارجية لتعبث، ربما، بوحدة دوله وسلامتها، وربما إلى تمزيق هذا المجال".

تهديدات أمنية

أكد بنحمو أنه "أمام ما تواجهه المنطقة المغاربية من تهديدات أمنية وتهديد الإرهاب والجريمة الدولية العابرة للحدود ثم الأجندات الإقليمية والدولية داخل المنطقة، علاوة على مختلف الرهانات والتحديات الكبرى، إذا لم يكن هناك وعي بالعمل المشترك لرفع هذه التحديات من خلال بلورة استراتيجية مغاربية مشتركة قد يكون، للأسف الشديد، الثمن الذي ستدفعه المنطقة باهضاً ليس، فقط، على حساب أمن واستقرار بعض دولها، ولكن على كامل المنطقة، عبر تفكيك بعض الدول".

أزمة ليبيا

عن الأزمة الليبية، وما يتم اقتراحه من مخرجات لتجاوز الأزمة التي تعيشها، قال بنحمو "إن أفضل حل بالنسبة لليبيا هو الحل السياسي الذي يقوم على إطار الصخيرات وتحت الغطاء الأممي، وخارج هذا الحل ربما نسير في اتجاه المزيد من التمزيق والعنف، وربما نفتح الأبواب أمام التدخلات الأجنبية"؛ مشدداً على أنه "لا ينبغي أن تكون ليبيا مجالاً للتدافع بين الدول المغاربية، لأن مستقبل وأمن واستقرار المنطقة مبني على أمن واستقرار ليبيا".

عودة المغرب

عن العودة المرتقبة للمغرب إلى الاتحاد الأفريقي، رأى بنحمو أن "من شأن هذه العودة أن تقوي مكانة ودور المغرب داخل المؤسسات الأفريقية، كما ستعطي قوة دفع جديدة للاتحاد الأفريقي"، مشيراً إلى أن "الاتحاد الأفريقي هو في حاجة إلى المغرب، كما أن المغرب في حاجة إلى فضاء إقليمي من قيمة الاتحاد الأفريقي، وبالتالي سنكون أمام نفع مشترك".