ظهرت خلافات بين الحكومتين المصرية والإيطالية إلى العلن بسبب قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة في فبراير 2016. وبينما بثّ التلفزيون المصري الرسمي مقطع فيديو يظهر ريجيني وهو يتفاوض مع نقيب الباعة الجائلين في مصر، على دفع أموال إليه مقابل الحصول على معلومات، نشرت صحيفة "كوريرا ديلا سيرا" الإيطالية مقطع الفيديو كاملًا، وبدا فيه أن الرجل المصري هو من يطلب الأموال، بينما يرفض ريجيني.

إيلاف من القاهرة: اشتعلت ما يمكن وصفها بـ"حرب الفيديوهات" للمرة الأولى بين حكومتي مصر وإيطاليا، على خلفية قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، حيث بثت جهات إعلامية تابعة للدولتين مقطع فيديو واحد يظهر فيه الباحث الإيطالي للمرة الأولى مع رجل مصري، يتفاوضان حول صفقة "أموال مقابل معلومات".

الحاجة دافعًا
وبث التلفزيون المصري الرسمي مقطع فيديو، مدته 3 دقائق و47 ثانية، تم تصويره بكاميرا هاتف خلوي، يظهر فيه الباحث الإيطالي ريجيني للمرة الأولى منذ الإعلان عن مقتله في شهر فبراير 2015. يظهر ريجيني ومواطن مصري، يحمل صفة رسمية في نقابة الباعة الجائلين، وجرى اللقاء في سوق شعبية، أعدّت للباعة الجائلين، بعد نقلهم من شوارع العاصمة القاهرة.

&

تحدث الشاب الإيطالي بلهجة مصرية عامية، حول عرض أموال على الرجل المصري، مقابل التعاون معه في جمع المعلومات عن الباعة الجائلين، وقال الرجل المصري إنه في حاجة شديدة إلى الأموال، لأن زوجته مريضة بالسرطان.

ورد ريجيني باللهجة المصرية، مؤكدًا أن الأموال سوف تصله من إيطاليا، لكن لا يمكنه استخدامها بصورة شخصية، وقال إن الأموال سوف تصل إلى المركز المصري، ومنه إلى الباعة الجائلين.

إيحاءات سياسية
ظهر في مقطع الفيديو، الذي بثّه التلفزيون المصري، أن الباحث الإيطالي الراحل يعرض أموالًا على المسؤول في نقابة الباعة الجائلين، مقابل معلومات لمؤسسة بريطانية، ما يوحي بأنه يعمل في أغراض سياسية، غير أغراض البحث العلمي.

في التوقيت نفسه، بثت صحيفة "كوريرا ديلا سيرا" الإيطالية مقطع فيديو نفسه، لكنه من دون القطع الذي تعرّض له الفيديو الذي بثه التلفزيون المصري، وجاءت مدته 4 دقائق و29 ثانية، أي إنه تم حذف نحو دقيقة واحدة و22 ثانية منه عندما بثه التلفزيون المصري.

رابط مقطع الفيديو الذي بثته الصحيفة الإيطالية

http://video.corriere.it/regeni-video-mai-visto-registrato-sindacalista-che-denuncio/4cfdc28a-e15d-11e6-9d91-77d9cd8f321e?refresh_ce-cp

ويظهر في المقطع الذي بثته الصحف الإيطالية، أن الرجل المصري هو من يطلب من ريجيني أموالًا، بشكل شخصي، مقابل الحديث معه، وإعطائه معلومات، وهو ما رفضه ريجيني، مؤكدًا أنه يعمل في مؤسسة بريطانية، ولا يمكنه استخدام الأموال إلا من خلال المؤسسات.

عندما سأل الرجل المصري عن إمكانية استخدام الأموال في دعم الحرية، أم في دعم الباعة الجائلين وإنشاء أسواق شعبية لهم، قال ريجيني إن الأموال لن تستخدم في السياسة.

وقالت الصحيفة الإيطالية إن الفيديو تم التقاطه بوساطة كاميرا أخفيت في ملابس البائع المصري. وأوضحت أن الفيديو تم التقاطه يوم 6 يناير 2016، أي قبل 19 يومًا من اختفائه، ولفتت إلى أنه كان يجري الحوار لاستكمال الدراسة البحثية التي يقوم بها لمصلحة جامعة "كامبريدج" البريطانية.

الحوار كاملًا
جاء نص اللقاء كالآتي، بعد تعديله باللغة العربية الفصحى:&
ريجيني: "أنت ترى أن لديّ سلطة كبيرة، لكن في الحقيقة ليست لديّ أي سلطة، يمكن أن أساعدك بها، لأن الأشخاص المتواجدين في البرنامج في بريطانيا لا أعرفهم". وأضاف: "ماذا أفعل.. أكتب رسالة إلكترونية، أقول لهم إننا نريد الأموال الآن، لأن 25 يناير بعد أسبوعين".

ممثل الباعة الجائلين: "هل هذا ممكن؟".
ريجيني: "هذا هذا عمل غير مهني بالنسبة إليّ".
ممثل الباعة الجائلين: "نحن بعيدون عنهم بمفردنا".
ريجيني: "أنا أعرف ذلك، لكن ليست لديّ أي سلطة، أنا أجنبي في مصر، أجري بحثا على مشروع، وهذا هو المهم بالنسبة إليّ، وأريدكم أنتم أن تحصلوا على الأموال بصورة رسمية، كما ينص المشروع الذي وضعه البريطانيون.. بالنسبة إليّ هذا هو المهم، وليس أي شيء آخر".

ممثل الباعة الجائلين: هل سيتم استخدام الأموال في أعداد باكيات (محال صغيرة) أم في الحرية والسياسة؟
ريجيني: "إنه من الصعب استخدامها في الحالة السياسية، لأنه يوجد ناس كثيرون من كل العالم يريدون الحصول على الأموال الخاصة بالأبحاث". وأضاف ريجيني: "أنا أكاديمي، ولا يمكن أن أكتب في المعلومات التي أقدمها إلى المؤسسة في بريطانيا أني أريد استخدام الأموال بصورة شخصية، ولو حدث ذلك، فإنها ستكون مشكلة كبيرة بالنسبة إلى البريطانيين". وتابع: "الأموال تأتي من خلال بريطانيا إلى المركز المصري، ومنه للباعة، ولا توجد طريقة أخرى للتعامل".

استطرد: ليست لديّ معلومات عن موعد وصول تلك المساعدات الخاصة بالباعة الجائلين، من الممكن أن تأتي بعد شهر مارس، وليس وقت إجراء المقابلة في شهر يناير".

اتفاق حول التحقيقات
يعد مقطع الفيديو هو الأول للباحث الإيطالي، الذي اختفى تزامنًا مع إحياء ذكرى ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وعثر على جثته في شهر فبراير 2015، على طريق سريع خارج القاهرة، وعليها آثار تعذيب وحرق وضرب.

كما جاء نشر مقطعي الفيديو من قبل الحكومتين المصرية والإيطالية، بعد اجتماع عقده النائب العام المصري ونظيره الإيطالي، واتفقا على مشاركة الجانب الإيطالي في تفريغ تسجيل كاميرات المراقبة في محطة مترو الدقي.

وقال المستشار نبيل صادق، النائب العام، منذ أيام، في بيان له، إنه "وافق على طلب جهات التحقيق الإيطالية، بإرسال خبراء إيطاليين وآخرين من الشركة الألمانية الوحيدة المتخصصة في استرجاع البيانات من جهاز تسجيل الكاميرات الخاصة بمراقبة محطة مترو الأنفاق في الدقي، وتحليلها؛ وصولًا إلى حقيقة مرتكب واقعة مقتل الطالب الإيطالي".

أضاف النائب العام، أن وفد النيابة العامة المصرية، في لقائه الأخير في روما سلم النيابة العامة الإيطالية صورًا للمستندات المطلوبة، وكذلك أسطوانة مدمجة لحوار دار بين الطالب الإيطالي المتوفي، وممثل الباعة الجائلين، سجَّله الأخير في وقت سابق من اختفاء الطالب الإيطالي، والذي بموجبه تخلت الجهات الأمنية عن الاستمرار في متابعة المجني عليه، لما تبيّن لها من قصور نشاطه عن حدّ المساس بالأمن القومي المصري.