أمجد الشريف من برلين: قررت الحكومة السويسرية البدء بتنفيذ أول مشروع من نوعه في العالم بنقل نظام النقل البري من على سطح الأرض إلى شبكة من الأنفاق تحت الأرض.

ويتولى عدد كبير من العربات الصغيرة الذاتية الحركة (الكبسولات)، نقل البضائع بين مختلف المدن السويسرية. ويشرف كومبويتر كبير على حركة البضائع التي تتم كهربائياً تحت الأرض ودون اطلاق ذرات غاز ثاني أوكسيد الكربون.

واسندت السلطات السويسرية المشروع إلى شركة "كارغو سوس تيرين" (وتعني النقل تحت الأرض)، ويفترض ان يكتمل بناء شبكة الأنفاق الصغيرة تحت الأرض في سنة 2045، وأن تنهض بمهمة نقل ملايين البضائع المختلفة بين المدن ومن خارج المدن إلى مراكزها.

وقال بيتر سوترلوتين الخبير في النقل ورئيس الشركة، ان سويسرا تريد أن تظهر للعالم كيف يبني حركة نقل البضائع في المستقبل. واضاف ان المشروع يتضمن بناء شبكة من الانفاق طولها 450 كم تحت الأرض تربط بين المدن السويسرية، وهي مسافة كافية بالنسبة إلى بلد صغير المساحة مثل سويسرا.

ويخفف المشروع، عند اكتماله، 40% من حركة النقل البري على الشوارع السويسرية التي تثقل الجو بذرات السخام وغاز ثاني أوكسيد الكربون التي تنطلق من عوادم الشاحنات الضخمة وسيارات النقل الأخرى.

يتم بناء شبكة الانفاق على عمق 50 متراً تحت الأرض، وتسير عربات النقل على وسائد حث مغناطيسي. كما تزود الأنفاق بنظام معلق لحركة العربات ينهض بمهمة نقل البضائع الخفيفة مثل الرسائل والطرود البريدية وبقية السلع الصغيرة.

33 مليار فرنك سويسري

وترتفع كلفة المشروع إلى 33 مليار فرنك سويسري (28,8 مليار يورو)، ووعدت الحكومة بمنح الضوء الأخضر للبدء في العمل فيه حال توفير مبلغ الجزء الأول من المشروع من قبل المستثمرين. وفضلاً عن حكومة جنيف، تشارك في المشروع مؤسسة البريد السويسرية وشركات تجارية كبرى مثل "ميغروس" و"كووب" ومستثمرين خاصين آخرين.

وذكر بيتر سوترلوتين ان الجزء الأول من المشروع حول مدينة زيورخ، ويحمل اسم" مخزن الأمة"، يتم وضع اللمسات الأخيرة على مخططه الآن. ويشتمل المخطط على شبكة أنفاق تصل بين جبال الألب ومدينة زيورخ وبيرن وبازل ولوزان وبطول 60 كم.

ويبني البريد المركزي مخزنه الأساسي قرب مدينة هيركنغن، في حين تبني شركتا "كووب" و"ميغروس" مخازنهما بالقرب من مدينة نويندورف. وتوزع الشركتان الكبيرتان 80 ألف نوع من المنتجات التجارية.

الأنفاق كمخازن متحركة

ويؤكد سوترلوتين ان مفهوم المخازن في هذا المشروع يختلف عن مفهوم المخزن التقليدي، لأن شبكة الأنفاق برمتها ستكون عابرة عن مخازن متحركة. ولأن الأعمال في الانفاق تقوم بها المكائن والروبوتات، فانها تجري 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الاسبوع، بحسب تعبير خبير النقل السويسري.

والمهم أنها انفاق صامتة، لأن الحركة لا تصدر عنها أية ضوضاء، وهذا مكسب بيئي آخر، لأنه يخلص شوارع سويسرا من ضجيج الشاحنات ليلاً ونهاراً. كما انه سيخفف من حركة النقل في الشوارع، وتقلص الاختناقات فيها، لأن كل شيء هنا يجري تحت الأرض كما في مترو الانفاق.

مد شبكة الأنفاق تحت مناطق الاختناقات

وتشير إحصائية الدولة السويسرية إلى أن حركة النقل البري زادت بين سنتي 2000 و2015 بنسبة 19%. ويعود السبب في ذلك، من بين عوامل أخرى، إلى زيادة الطلبات التجارية على شركات التوزيع على الانترنت في السنوات الأخيرة بنسبة 8%.

وتكشف احصائية "معهد دراسات السوق" أن نقل الطرود البريدية عبر البريد زاد أيضاً بنسبة 6%، وبلغ بذلك 122 مليون سلعة خلال سنة.

وتنشط شركة "زالاندو" الألمانية على الانترنت بشكل كبير في سويسرا منذ سنة 2011، وأوصلت إلى البيوت السويسرية 12 مليون بضاعة في سنة 2016. وكل حركة النقل هذه يمكن أن تنقل إلى نظام شبكة الأنفاق تحت الأرض.

وقال اوليفر فولر، من البريد السويسري، ان شبكة النقل تحت الانفاق سيجري مدها بالضبط تحت المدن والشوارع السويسرية التي تعاني من الزحام والاختناقات.

ويكلف الجزء الأول من المشروع، الذي يمتد إلى 70 كم، نحو ثلاثة مليارات فرنك سويسري، ويفترض أن ينتهي العمل به سنة 2030. وستعطي الحكومة السويسرية الضوء الأخضر أمام أول قطارات المشروع حينما تضع الشركات المختلفة مبلغ 100 مليون فرانك في الصندوق المخصص للمشروع.

سويسرا تسبق ألمانيا

وبهذه الخطوة، تكون سويسرا قد سبقت ألمانيا التي يقال إنها كانت اول من فكر في نقل نظام النقل إلى أنفاق تحت الأرض.

إذ يجرب العلماء الألمان منذ سنوات أول نظام من نوعه لنقل البضائع تحت الأرض بواسطة شبكة من الاسطوانات التي يسيرها الكومبيوتر على سكك صغيرة في أقنية صغيرة تحت الأرض إلى أهدافها. كما تدرس وزارتا النقل والبحث العلمي مشروعاً علمياً لمد سكك حديد نقل الركاب على سكك معلقة فوق شبكة الشوارع السريعة التي تربط بين المدن الألمانية.

يجري تطبيق نظام النقل الإلكتروني السريع تحت الأرض في منطقة نهر الرور الصناعية التي تعتبر أكثر مناطق ألمانيا ازدحاماً بالسكان والشوارع والشاحنات وقطارات النقل الضخمة.

ويشرف على المشروع البروفيسور ديتريش شتاين، من جامعة الرور في بوخوم (غرب)، الذي ذكر للصحافة أن المشروع نال براءة الاختراع سلفاً.

ويتألف مشروع "الكارغو كابسول Cargo Capsule" الألماني من شبكة أنفاق بقطر 3 أمتار تمتد بين الشركة الموزعة والشركات الراغبة بالحصول على البضائع. ويتم نقل البضائع في اسطوانات (كبسولات قطرها 1,6 متر) تسير على السكك بواسطة محركات صغيرة تستمد تيارها الكهربائي عبر خطوط السكك ذاتها.

ويفترض ان تسير الاسطوانات بسرعة 36 كم على السكك تفصلها عن بعضها مسافة 2 متر. وترتبط العملية بأجمعها بنظام كومبيوتري-راداري لمراقبة حركة الاسطوانات وكشف الخلل والتحكم بالسرعة.

ويشتمل نظام الـ "كارغو كابس" على نظام مشابه لنظام تحويل السكك كي يجري توزيع البضائع اوتوماتيكيا باتجاهات مختلفة حسب مواقع الزبائن.

وواضح ان المشروع السويسري أحدث وأكثر بيئية من النظام الألماني الموعود الذي يجري على السكك.