بكين: تسببت التجارب النووية لكوريا الشمالية باهتزاز تحالفها مع الصين الى درجة باتت بكين تسمح بالحديث عما كان من المحرمات في الماضي، فهل حان الوقت للاستعداد لانهيار نظام بيونغ يانغ؟

فيما الهدف الرسمي للصين هو احضار واشنطن وبيونغ يانغ الى طاولة المفاوضات، فإنها تسمح في الوقت نفسه بكسر احد المحرمات وهو مناقشة خطط طوارئ في حال اندلاع حرب في الدولة الانعزالية على حدودها الشمالية الشرقية.

ويقول المراقبون إن النقاش العام قد يكون تكتيكًا لمحاولة اجبار بيونغ يانغ على التخلي عن برنامجها النووي، بعد ان أغضبت تجاربها النووية والصاروخية بكين التي أيدت فرض عقوبات دولية جديدة على جارتها.

وقد يكون ذلك مؤشراً الى تصاعد الدعوات المطالبة باعادة النظر في علاقاتها مع كوريا الشمالية، الحليف القديم الذي دافعت عنه في الحرب الكورية 1953-1950 وترتبط معه بمعاهدة دفاع مشترك.

واثار جيا كينغوو عميد كلية الدراسات الدولية في جامعة بكينغ، تساؤلات الشهر الماضي عندما نشر مقالة بعنوان "حان الوقت للاستعداد للأسوأ في كوريا الشمالية".

ونشرت المقالة بالانكليزية على موقع "منتدى شرق آسيا" التابع للجامعة الاسترالية الوطنية، لكن من غير المرجح ان تكون نشرت من دون موافقة السلطات الصينية.

وحث جيا في المقالة بكين على بدء مناقشة خطط طوارئ مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وهي محادثات سعت اليها الدولتان في السابق لكن الصين رفضتها خشية اثارة استياء بيونغ يانغ.

وكتب جيا "عندما تصبح الحرب احتمالاً حقيقيًا، على الصين ان تكون مستعدة. وبأخذ ذلك في الاعتبار، فإن على الصين ان تكون اكثر استعدادا للتفكير باجراء محادثات مع دول معنية، بشأن خطط طوارئ".

واضاف ان بكين، يمكن ان تناقش مسألة من يتحكم بالترسانة النووية لكوريا الشمالية، إما الولايات المتحدة واما الصين.

ولمنع تدفق اعداد كبيرة من اللاجئين عبر الحدود، يمكن ان ترسل الصين جيشًا الى كوريا الشمالية لإنشاء "منطقة آمنة"، بحسب جيا.

ومن المسائل الحساسة الاخرى، من "يعيد النظام الداخلي في كوريا الشمالية في حال نشوب أزمة". وقال جيا إن الصين ستعترض على السماح لجنود اميركيين بعبور خط العرض 38 للدخول الى كوريا الشمالية.

وذكرت مقالة افتتاحية في صحيفة غلوبال تايمز القومية الرسمية الصينية في اغسطس الماضي ان الصين ستبقى على الحياد في حال قيام كوريا الشمالية باطلاق صواريخ على الولايات المتحدة ورد واشنطن على ذلك، وستتدخل فقط اذا حاولت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية الاطاحة بنظام بيونغ يانغ.

افضل بدونهم 

يقول دبلوماسي غربي ان المباحثات حول نهاية النظام الكوري الشمالي يمكن ان تهدف الى تخويف كيم جونغ-اون وارضاء الرئيس الاميركي دونالد ترمب قبل زيارته الى بكين في نوفمبر المقبل.

والتقى وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون الرئيس الصيني شي جينبينغ ومسؤولين كبارًا في بكين السبت لمناقشة أزمة الملف النووي لكوريا الشمالية.

وقال وانغ بنغ الباحث في جامعة فودان في شنغهاي لوكالة فرانس برس: "اذا تمكن المجتمع الدولي من الالتفاف والزعم بأن حربًا حقيقية ستندلع، هناك امكان ان تجمد كوريا الشمالية تجاربها النووية". 

غير ان هناك ايضا مؤشرات الى تحول حقيقي في المفاهيم المتعلقة بكيفية تعاطي بكين مع كوريا الشمالية.

فقد قال ديفيد كيلي، مدير الابحاث في مركز الاستشارات "تشاينا بوليسي" ومقره بكين، إن الرأي السائد لدى الاكاديميين الصينيين يقول "نكون افضل بدونهم، إن كوريا موحدة ستكون جيدة جدا للصين، وسيزدهر شمال الشرق".

وتدعم الصين كوريا الشمالية منذ فترة طويلة لانها توفر لها منطقة عازلة تفصلها عن القوات الاميركية المنتشرة في كوريا الجنوبية، لكن بارتلمي كورمون، الخبير بشؤون الصين في معهد العلاقات الاستراتيجية والدولية في باريس، قال إن سقوط بيونغ يانغ سيكون أمراً جيداً لبكين، وخصوصا من الناحية الاقتصادية.

وقال كورمون "الصين ترى الان ان انهيارًا لكوريا الشمالية لن يكون بالضرورة ضد مصلحتها".

واضاف "في حال سقوط كوريا الشمالية بطريقة سلمية، الاجدى بالصين أن تكون في موقع للمساهمة في اعادة بنائها. الصين هي الدولة الوحيدة القادرة على الاشراف على اعادة بناء كوريا الشمالية".

ليس بالبساطة 

هذا النوع من الحديث لم يكن دائمًا مسموحًا به.

فقد طرد دنغ يوين من وظيفته محررًا في مجلة مدرسة تابعة للحزب الشيوعي في 2013 بعد ان كتب في مقالة انه يتعين على الصين التخلي عن كوريا الشمالية.

لكنه هذا العام، كتب بدون رادع عن التخطيط لمرحلة ما بعد نزاع.

وقال دنغ في مقالة نشرها معهد الابحاث شرهار في ابريل الماضي "اذا توحدت الكوريتان، لن تعد هناك ضرورات لتواجد للقوات الاميركية في كوريا الجنوبية، ولن يدعهم الشعب الكوري الجنوبي يبقون".

أكثر من ذلك، فإن كوريا الجنوبية، بحسب دنغ، لن تعود بحاجة لنشر منظومة ثاد الدفاعية الصاروخية الاميركية على اراضيها.

وقد أغضب نشر المنظومة بكين لانها تخشى ان تبلغ راداراتها القوية اراضي الصين وتتسبب في زعزعة المنطقة.

لكن التخلي عن بيونغ يانغ ليس بهذه البساطة، بحسب كيلي.

ويوضح "المشكلة هي: كيف تقطع الحبل، لان الجميع يعرف ماذا باستطاعة كوريا الشمالية فعله".