لندن: قبل ان تهرب الشاعرة الانكليزية اليزابيث باريت وتتزوج روبرت براوننغ في عام 1846 كانت حبيسة المنزل الذي انتقلت اليه مع عائلتها منذ ثماني سنوات حين كانت في الثانية والثلاثين من العمر. واختُزل عالم باريت بسبب المرض الى غرفة النوم التي حاولت قدر الامكان ان تجعلها أبعد ما يكون عن غرفة النوم التقليدية بتحويل السرير الى اريكة والمنضدة الى خزانة ذات رفوف للكتب مع تماثيل نصفية صغيرة بينها تمثال هوميروس فوق مجموعات الشعر اليوناني القديم التي احتفظت بها الشاعرة.

انتهى في اعقاب رحيل باريت عقد ايجاد المنزل المبني على الطراز الجورجي في عام 1935، بعد عامين على كتاب فرجينيا وولف عن "فلاش" كلب اليزابيث باريت. وأصر المساح المسؤول عن الحي السكني على تهديم المنزل واعادة بنائه بتصميم أحدث لابقاء مساكن الحي في حالة جيدة وقابلة للايجار. وكان الحي يضم شوارع مهمة منها شارع ويمبول وشارع هارلي المشهور اليوم بعياداته الطبية الخاصة.

لم يعترض احد على تهديم المنزل باستثناء بعض الأشخاص في اميركا نجحوا في تدبير ارسال باب المنزل اليهم عبر الأطلسي وفاء لذكرى الشاعرة وحفاظاً على قطعة من تاريخ مدينتها. وكان مآل المنزل استخدام احجاره لبناء مستشفى مختص بامراض القلب في المنطقة.

هذا التهديم وإعادة البناء قد يبدو مرفوضاً بمعايير اليوم، ولكن حي هاورد دي والدن حيث كان منزل الشاعرة هو محور جزأين من "مسح لندن". وبحسب المسح، فإن الحي حافظ على شوارعه حتى انه الآن منطقة لطيفة من مناطق لندن.

كان اعداء الحفاظ على الأبنية التاريخية اقوياء. وحتى في عام 1910 أُجليت الشقيقات شليغل في رواية إي. أم. فورستر "نهاية هاورد" من منزلهن القديم في منطقة ماريلبورن لأن المالك يجب ان يبني "شققاً بابلية" مكانه. وكانت عمليات الهدم والاخلاء ما زالت مستمرة في عام 1963 عندما أُخلي منزل قديم ذو ستة طوابق من ساكنيه الأربعة ونُقلوا الى شقة واحدة في دي والتن كورت بشارع نيو كافيندش ، كما يتذكر محرر "مسح لندن" اندرو سانت.

روح لندن

ولكن حركة نشأت للحفاظ على هذه الآثار المعمارية واندلعت معارك قضائية بين ناشطي الحركة والشركات العقارية التي تريد انشاء مساكن حديثة واسواق في هذه الأحياء التقليدية التي يعتبرها كثيرون روح لندن. 

منطقة ماريلبورن بشطريها الشرقي والغربي هي بطلة جزأين من "مسح لندن" يقعان في 913. ويعتبر المسح تاريخ مسيرة طويلة على غرار الأحياء والمناطق التي يغطيها مثل حي هاورد دي والدن ومآله. ويبدو ان البريطانيين بارعون في انجاز مشاريع نشر تعاونية مثل قاموس اوكسفورد الانكليزي وقاموس البيوغرافيا الوطنية أو دليل أبنية لندن ، تحرير مؤرخ الفن والعمارة السير نيكولاس بفسنر.

ومنذ عام 1900 نما "مسح لندن" الى 52 جزءاً، الأخير منها عن أبرشيات لندن. وكان الجزء الأول أُعد عن منطقة بروملي باي باو شرق لندن بعد قرار مجلس التربية في لندن تهديم بروملي بالاس في عام 1894 رغم ان المبنى ، كما كتب محرر الجزء الأول سي. آر. آشبي "كان قيد الترميم على نحو يستحق الاعجاب واخشابه في حالة مثلى وتأسيساته وألواحه الداخلية محفوظة بأحسن حال في الغالب. وكان الحفر الحجري اليعقوبي القديم على رف الموقد ما زال نضراً وجديداً".

لم يكن هناك وقت يُهدر في تسجيل أبنية لندن ذات الأهمية المعمارية والتاريخية المهددة بالهدم. وكانت الطبعة الأولى من الجزء الأول تضم 53 صفحة فقط، ولكن حرص محرري المسح وطموحهم جعل كل طبعة وكل جزء أكبر وأغنى بالصور حتى أصبح "مسح لندن" عملاقاً من الصعب العناية به واشباعه باستمرار. 

نهض بهذه المهمة مجلس مقاطعة لندن قبل ان يُحل ويُستعاض عنه بالمجلس الحالي وتولت مسؤولية "مسح لندن" مؤسسة التراث الانكليزي لمدة 14 عاماً. واضطلع بالمهمة منذ عام 2013 معهد بارتليت للهندسة المعمارية في كلية لندن الجامعية رغم ان الأجزاء الثمانية الأخيرة من المسح كانت برعاية مركز بول ميلون لدراسات الفن البريطاني في لندن ونشرتها جامعة ييل الاميركية.

يحتاج "مسح لندن" الآن الى رفوف ترتفع مترين لحفظ اجزائه في أي مكتبة منزلية. لكنّ كثيرين يعتقدون ان شراء السلسلة الكاملة يستحق التوفير لجمع المبلغ حتى إذا تطلب ذلك الامتناع عن التردد على المقهى مدة عام أو عامين، علماً بأن كل جزء يتفوق على الجزء الذي قبله في نوعية الطباعة والاخراج.

 

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "الديلي تلغراف". الأصل منشور على الرابط التالي:

http://www.telegraph.co.uk/books/what-to-read/can-record-every-good-building-city-100-years-survey-london/