إيلاف من لندن: أعلن اليوم عن رحيل الرئيس العراقي السابق جلال طالباني في ألمانيا حيث كان يعالج من أزمات صحية بعد حياة سياسية حافلة ارتبطت بتاريخ العراق والحركة الكردية في شمال البلاد وهو اول شخصية كردية تتولى رئاسة العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921.

ويصل جثمان طالباني إلى السليمانية مساء اليوم ليوارى الثرى فيها.

وكان طالباني (83 عامًا) قد نقل إلى المانيا للعلاج من تصلب في الشرايين وجلطة دماغية اصيب بهما قبل ثلاثة اعوام.. وقد عاد إلى العراق في 17 سبتمبر عام 2012 بعد رحلة علاج في المانيا استمرت ثلاثة اشهر بعد ان اجريت له عملية ناجحة في الركبة. 

وقبل ذلك عولج طالباني مطلع عام 2007 في مدينة الحسين الطبية بعمان اثر معاناته من ارهاق شديد وفقدان الكثير من السوائل في جسمه. 

ومكث طالباني في ألمانيا نحو عام ونصف حتى عاد للعراق في 20 يوليو عام 2014، إلا أن حالته الصحية بقت غير مستقرة وخلفه فؤاد معصوم وهو كردي ايضًا في رئاسة الجمهورية حيث انتخبه البرلمان يوم 24 يوليو عام 2014 رئيساً ثامنا لجمهورية العراق.

 

العبادي مجتمعا مع طالباني في السليمانية في وقت سابق للاطمئنان على صحته

 

حياة سياسية حافلة لطالباني توجها برئاسة الجمهورية

وقد توج منصب الرئاسة العراقية حياة كرسها جلال طالباني للنشاط السياس والكردي بدأت وعمره 13 عامًا.. ومع قيام الجمهورية عام 1958 كان الكردي السني الذي تدرب كمحامٍ قد أصبح عضوا في قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كان يتزعمه الزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى بارزاني ثم أصبح مساعداً له في قيادة الحزب الوطني لكردستاني الذي يتزعمه الان ابنه مسعود. 

وتولى الاتحاد الوطني الكردستاني الاشتراكي العلماني بزعامة طالباني ادارة نصف المنطقة الكردية التي خرجت عن نطاق سيطرة بغداد بعد حرب الخليج عام 1991 حيث له حكومة محلية في مدينة السليمانية. 
ورغم الخلافات القديمة مع الحزب الديمقراطي الذي يتولى ادارة النصف الاخر من خلال حكومة يديرها في اربيل الا ان الحزبين شكلا تحالفاً انتخابيًا خاض الانتخابات العامة العراقية عامي 2005 و2010. 

وكان طالباني بدأ مساعداً لوالد مسعود الملا مصطفى بارزاني الذي يعتبر بمثابة الاب للقومية الكردية العراقية ومؤسس الحزب الوطني الكردستاني لكنه انفصل عنه ليشكل الاتحاد الوطني الكردستاني عام 1975. 

وانشق طالباني الذي يرى أنه اشتراكي عصري وبديل حضري للسلطة القبلية التي مثلها بارزاني الكبير على الحزب الديمقراطي الكردستاني في عام 1974 اثر انتفاضة ضد السلطة العراقية المركزية سحقها الجيش العراقي. 

 

العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله يقلد طالباني قلادة تقدير

 

وفي العام التالي، أسس طالباني الاتحاد الوطني الكردستاني في دمشق مما زاد من حدة التنافس مع بارزاني وشجع الحزبين على التعاون مع قوى اقليمية مثل ايران وتركيا بل ويغداد في عهد صدام حسين أحياناً. 

طالباني.. سيرة حافلة لرجل سياسي مخضرم

وطالباني هو جلال حسام الدين وينادى (ابو شلال) كاسم حركي او مام جلال بالكردية وتعني (القائد الاب).. ولد عام 1933 في قرية "كلكان" القريبة من بحيرة دوكان باقليم كردستان العراق وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط في كويسنجق الشمالية وتلقى التعليم الثانوي في مدينتي أربيل وكركوك. وقد شكلَ مع مجموعة من الطلاب عام 1953 اتحاد طلبة كردستان بشكل سري فأصبح عضوًا في الحزب الديمقراطي الكردستاني. 

وانتخب طالباني عام 1951 عضوًا في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني وله من العمر 18 سنة وعند حصوله على الشهادة الثانوية تمكن من دخول كلية الحقوق في بغداد عام 1953 إلا أنه اضطر إلى الإختفاء عام 1956 ولم يتمكن من اتمام الدراسة فيها.

وإثر ثورة 14 يوليو عام 1958 استأنف الدراسة في كلية الحقوق مرة أخرى كما عمل في تلك الفترة صحافياً ومحرراً للصحيفتين الكرديتين "خه بات-النضال" و "كردستان". 

وقد تخرج من كلية الحقوق عام 1959 واستدعى إلى الخدمة العسكرية في الجيش العراقي وتخرج ضابط احتياط وخدم في وحدات المدفعية والأسلحة المدرعة وأصبح قائد كتيبة دبابات. وبعد ثورة 14 يوليو 1958 كان ضمن وفد اتحاد طلبة كردستان إلى الاتحاد السوفياتي والتقى بالملا مصطفى البارزاني الذي كان لاجئاً سياسياً هناك ونقل اليه اخبار عائلته.

طالباني وانتفاضة الاكراد

 وعندما أعلنت الانتفاضة الكردية في سبتمبر عام 1961 كان طالباني عضوًا في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني فاستلم مسؤولية قيادة جبهات كركوك والسليمانية وقاد المسلحين من البيشمركة. 

 

لقاء جمع صدام مع طالباني في بغداد

 

وفي عام 1964 طلب طالباني مع مجموعة من الكوادر القيادية في المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني من رئيس الحزب الملا البارزاني في اجتماع قيادي بدمقرطة القيادة السياسية وتوزيع المسؤوليات وتقسيم السلطة وجعل الأموال تحت تصرف القيادة الجماعية فرفض الملا ذلك الطلب فانفصل طالباني والكوادر القيادية معه عن الحزب، مما ادى إلى اصدار قرار بفصلهم من الحزب.. لكنهم واصلوا العمل السياسي وعقدوا مؤتمراً تحت اسم الحزب الثوري الكردستاني وضعوا خلاله نظامًا داخليًا ومنهاجاً فكريًا للحزب. 

وفي فترة الستينات من العقد الماضي ترأس طالباني وفداً كردياً إلى بغداد والتقى بقادة الانقلاب البعثي الاول عام 1963 وسافر إلى القاهرة بحثا عن دعم عربي حيث التقى بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر كما سافر إلى الجزائر والتقى برئيسها انذاك أحمد بنبيلا. 

 وبعد اتفاقية 11 مارس عام 1970 بين الاكراد والحكومة العراقية البعثية التي منحت الشعب الكردي الحكم الذاتي واعترفت بوجود قوميتين في العراق هما العربية والقومية، التأم الجناحان الحزب الثوري الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1970 وأصبح الطالباني ممثل الحركة الكردية أولا في بيروت ثم في القاهرة إلى إنّهيار الاتفاق بين الاكراد والحكومة عام 1975 وانهيار الحركة الكردية التي قادها الملا مصطفى البارزاني. 

وشهد أكراد العراق بعد انتفاضتهم ضد سلطة بغداد بعد حرب الخليج في عام 1991 أول انطلاق للحكم الذاتي لكنه كاد أن يتبخر عندما نشب نزاع بين قوات حزبي طالباني والبارازني على السيطرة على الحكومة الاقليمية في شمال العراق التي انتخبت في عام 1992 والذي تصاعد إلى اقتتال داخلي طلب خلاله الحزب الديمقراطي مساعدة نظام صدام حسين في بغداد ضد الاتحاد الوطني الذي تدعمه ايران. لكنّ الحزبين عقدا هدنة بوساطة أميركية سارية في عام 1998 وللحزبين الان ادارات متوازية ومتعاونة.

علاقة خاصة مع الولايات المتحدة

وأنشأ زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني وعضو مجلس الحكم الانتقالي السابق جلال طالباني علاقة خاصة مع الولايات المتحدة قبل غزو الحرب الاخيرة في العراق وبعد الاحتلال أعلن أن أميركا ستبقى لحين إقامة حكم ديمقراطي في البلاد. وهو يرفض وصف العمليات المسلحة ضد القوات الاميركية بأنها مقاومة معتبراً اياها إرهابية ويتهم كلاً من أنصار الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وجماعات مسلحة قدمت من خارج العراق تنتمي لمنظمة القاعدة الارهابية بالوقوف وراءها.

رشح التحالف الكردستاني الفائز بالمرتبة الثانية بعد الائتلاف الشيعي في انتخابات عام 2010 حاصلا على 53 مقعدًا من مجموع مقاعد مجلس النواب البالغة 275 طالباني لرئاسة الجمهورية العراقية لاربع سنوات، وقال أن الأكراد يعتبرون أن من العدل أن يحصلوا على رئاسة الجمهورية وهو يعتقد أن حظوظه في الفوز كبيرة ويقول إن مفاوضاته مع الزعماء الشيعة كانت إيجابية.. وكانت علاقاته "حسنة جدّاً" مع المرجع الشيعي آية الله السيد علي السيستاني الذي التقى به مراراً في النجف في العامين 2003 و2004.

بساطة الرئيس 

وامتاز طالباني طوال فترة حكمه القصيرة الماضية للعراق ببساطته ومرحه حتى انه اشتهر بمقولة "بابي مفتوح لكل العراقيين". وحتى انه غالبا ما كان يطلب من الصحافيين المحليين العراقيين الذين يلتقيهم بين الحين والآخر بأن يخبروه بماذا يتحدث عنه العراقيين البسطاء في الشارع. 

 والمفارقة ان طالباني الذي انتخب رئيسًا للعراق كان من ألد اعداء الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين الذي شاهد انتخابه عبر التلفزيون في سجنه القريب من بغداد. وكان طالباني يؤكد على الدوام انه لن يوقع امرًا باعدام صدام حسين. ويقول "سأخذ يوم عطلة (يوم التوقيع على المرسوم).. وسيكون بامكان نائبي الرئيس التوقيع إن رغبا بذلك، فقد تصرفنا على هذا النحو اكثر من اثنتي عشرة مرة". ولكن طالباني المعارض لعقوبة كان صرح في وقت سابق ان صدام حسين يستحق "الموت مئة مرة". وكان صدام حسين يستثني طالباني من جميع قرارات العفو التي كان يصدرها في المناسبات. 

وشن طالباني في سبتمبر عام 2006 هجوماً عنيفًا على الدول العربية لضعف تمثيلها الدبلوماسي في العراق وموقفها المتفرج ازاء ما يحدث في العراق. وقال: "العراقيون لن يستجدوا أشقاءهم العرب، والعراق لن يموت جوعًا إذا ما قطعت تلك الدول مساعداتها عن العراق". وهذه التصريحات كانت السبب الرئيسي وراء مبادرة جامعة الدول العربية برعاية مؤتمر وفاق وطني عراقي من اجل تقريب الفرقاء العراقيين. 

وتجنب طالباني طوال فترة حكمه اطلاق التصريحات النارية ضد دول الجوار وخصوصًا سوريا وايران التي يكن لهما كل الاحترام على خلاف واشنطن التي تتهمهما بدعم التمرد في العراق. وكان يؤكد انه يعارض "شخصيًا" استخدام الاراضي العراقية لتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا لكنه لا يمكنه ضمان عدم قيام قوة اميركية بمثل هذا الامر. وأشار طالباني إلى أنّ لسوريا "افضالا" عليه، في إشارة إلى دعم سوريا وايوائها له زمن معارضة نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. 

ولدى ترشحه لرئاسة الجمهورية عام 2010 أشار طالباني إلى أنّه غير راض عن قلة صلاحياته مطالباً بتوسيعها.. وحين تم اعلان اختياره رئيسًا للجمهورية العراقية فقد اصبح السابع الذي يتولى هذا المنصب منذ اعلانها في عام 1958.