أحدث تزايد عدد وفيات الأطفال المصابين بالسرطان في محافظة البصرة ضجة كبرى في أوساط المجتمع العراقي الذي استنكر الإهمال الحكومي الواضح، حيث تعاني مستشفى الطفل لأمراض السرطان في المحافظة من نقص الأدوية والخدمات والأجهزة، في ظل عدم تخصيص المحافظة أموالًا لها.

إيلاف من بغداد: تشهد مستشفى الطفل لأمراض السرطان في محافظة البصرة تزايدًا في عدد الوفيات من الاطفال بشكل ملفت وصارخ بسبب نقص الأدوية مركز الأورام، حيث تؤكد مصادر في المحافظة أن المستشفى يسجل 50 حالة وفاة شهريًا. 

فيما المرصد العراقي لحقوق الإنسان‏ من خلال عضو المرصد مصطفى سعدون‏ (‏ألفا طفل بلا علاج لمرض السرطان الذي يصيبهم في محافظة البصرة)، فيما أطلق ناشطون مدنيون حملة كبرى لجمع التبرعات بعنوان (جرعة أمل). 

بينما أطلق البعض مناشدات مباشرة إلى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، وتحديدًا للمساعدة عل إنقاذ أطفال البصرة، فيما توجّه الكثيرون بالعتب على رئيس مجلس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، قائلين له (هؤلاء الأطفال ضمن مسؤوليتك، وواجبك توفير العلاج لهم). 

وقد أعرب أهل البصرة عن غضبهم قائلين: (أطفال مستشفى البصرة التخصصي لأمراض السرطان، أصبحوا ضحية ضريبة الحروب التي يدفعونها مع أهاليهم، حيث باتت خزائن المستشفى خاوية من الأدوية المساعدة على تخفيف آلامهم وإدارات حكومية عاجزة عن توفير مبالغ شراء الدواء، وناشطون يحفرون الصخر ليمد الناس يد العون والمساعدة بالأموال لإنقاذ ما يمكن إنقاذه). 
وقد انطلقت دعوات من جميع أنحاء العراق العراقيين من أجل المشاركة بدعم أطفال البصرة المصابين بالسرطان، الأمر الذي دفع إلى المشاركة بشكل كبير والمطالبة بتوفير مبالغ مادية لتوفير العلاج لهم.

الأكثر دهشة في الموضوع هو استجابة تلاميذ المدارس في البصرة الذين أصرّوا على التبرع بمبالغ بيومياتهم المدرسية القليلة.
فيما شارك المنتخب الوطني العراقي للناشئين الذي يتواجد في الهند خلال مشاركته في كاس العالم تحت 17 سنة بحملة #جرعة_أمل عبر مقترح "فيفا سبورت": "نحن صوت من سرق المرض صوتهم".

الحكومة عاجزة 
من جانبه قال مدير مستشفى الطفل في البصرة الدكتور علي العيداني في تصريحات صحافية إن "الحكومة عجزت عن توفير التخصيصات المالية اللازمة، وتم توفير بعض الأموال من الشركات النفطية والمتبرعين من خارج القطر، وتجار ومنظمات المجتمع المدني"، مؤكدًا أن "هذا الشيء لا يسد رمق المستشفى، ولا يؤدي إلى تقديم الخدمات بشكل جيد ومتكامل، لأنها تتطلب مبالغ مالية كبيرة جدًا، وخصوصًا أن الأدوية التي يحتاجها المرضى ذات أسعار عالية".

وبيّن العيداني أن "المستشفى في السابق كانت تصرف أربعمئة مليون دينار شهريًا. أما الآن فلا يصل إلا ثلث هذا المبلغ كأدوية ومستلزمات من الوزارة ودائرة صحة البصرة".

أضاف: إن "المستشفى يتعرّض للأزمات المالية منذ عام ألفين وأربعة عشر وحتى اليوم، رغم أن رئاسة الوزراء تخصص مبلغًا ماليًا ثابتًا للمستشفى، غير أن وزارة المالية تعتذر عن صرفه"، مطالبًا وزارة المالية بـ"أخذ الموضوع على محمل الجد وتوفير المبالغ المالية اللازمة لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية".

وقفات احتجاجية 
على صعيد متصل دعت حملة #جرعة_أمل إلى المشاركة في وقفات احتجاجية كبرى خلال الأسبوع الحالي أمام مستشفى البصرة التخصصي للأطفال وأمام مكتب مجلس النواب قرب بناية محافظة البصرة للمطالبة بتخصيص مورد مالي لمعالجة مرضى السرطان وتوفير العلاجات لهم بأسرع وقت.

حملة كبرى لدعم مرضى السرطان في البصرة
أطلق عدد من الناشطين والإعلاميين، في محافظة البصرة، حملة كبرى لدعم مرضى السرطان تحت عنوان #جرعة_أمل. وأكد هؤلاء الناشطون أن الحملة طوعية مدنية مستقلة هدفها الضغط على الحكومة المحلية والمركزية لإيجاد مورد مالي ثابت لتمويل احتياجات مستشفى الطفل للأمراض السرطانية، إضافة إلى مركز الأورام السرطانية ومركز الإشعاع في البصرة بعد إعلان المستشفى والمراكز المذكورة عن عجزهم توفير العلاج للمرضى نتيجة الأزمة المالية.

وأوضح الناشطون أن الحملة، التي حملت اسم #جرعة_أمل، ستكون مستمرة إلى حين توفير الحكومة موازنة خاصة لمعالجة مرضى السرطان، في حين أعلنت مؤسسة الأمل الإعلامية عن رعايتها للحملة من الناحية الإعلامية وتغطية فعالياتها كافة.

#جرعة_أمل تحقق جزءًا من أهدافها 
استجاب وزير النقل كاظم فنجان الحمامي لنداء جرعة أمل ويقرر تخصيص مبلغ قدره 100 مليون شهريًا دعمًا لمستشفى الطفل التخصصي.

وأكد الحمامي أن "وزارة النقل تصرف سنويًا 11 مليار للحكومة المحلية في البصرة، وستقوم بمخاطبة الحكومة المحلية باستقطاع 6 مليار من المبلغ المذكور وصرفه لمستشفى الطفل، وبذلك يكون المستشفى برعاية كاملة من قبل وزارة النقل، ولا يحتاج أي مورد أو تبرع آخر، لكون 6 مليار تغطي كل احتياجات المستشفى.

مناشدة معبّرة 
إلى ذلك ناشد الشاعر والإعلامي عامر عاصي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وقال: "تواجه بصرة العرب والإنسانية مصيبة بأطفالها الذين يقفون وحيدين عزّلًا في مواجهة السرطانات الفتاكة أمام أعين أمهاتهم، ولانرى لمصيبة كهذه إلا نخوة أبناء الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي أغنى شعبه وفاض على الناس".

وأضاف: كلي ثقة أنكم في غنى عن ديباجة وشروح في الإقدام على فعل الخير أنّى مكنكم الله تعالى، وها هي المصيبة بانتظار زايدها الحي في ضمائركم وضمير التاريخ.

خذلان البصرة
وأكد الكاتب والناشط المدني أحمد عبد الحسين كلّنا خذلنا البصرة، قائلًا: "البصرة تتسرطن، وأطفالها يموتون يوميًا بسبب عمليات استخراج النفط، النفط الذي يذهب إلى حسابات مصرفية تابعة لسياسيين عديمي الضمير والشرف انتخبهم العراقيون مرات عدّة وسيعيدون انتخابهم!". وأضاف: من انتخب هؤلاء، ومن صمت عنهم، مشترك معهم في جرائم قتل أطفال البصرة.

من أجل حملة وطنية
أما الكاتبة والصحافية نرمين المفتي فقالت: الحملة التي بدأها ناشطون بصريون لإنقاذ أطفال البصرة المصابين بالسرطان علمًا أن المحافظة تفتقر إلى الأدوية اللازمة والكافية لعلاجهم، تحتاج دعم الناشطين جميعًا، ليس من أجل أطفال البصرة وحدهم، إنما لجميع أطفال العراق.. فالسرطان أنواع، بدءًا من السرطانات المرضية، التي تصيب أطفال البصرة، خاصة بسبب التلوث ومخلفات الحروب، ومنها أغلفة الذخيرة المبطنة باليورانيوم المنضب، مرورًا بالتلوث، وليس انتهاء بالسرطانات غير المرضية والمهلكة أيضًا، ومن بينها الفساد وأطفال الشوارع وفقدان الأمل والاكتئاب لدى أطفال تعرّضوا لمختلف أنواع العنف.. نحتاج حملة وطنية، أقصد على مستوى العراق

أطفال البصرة.. صور مؤلمة 
الكاتب علي حسين، مدير تحرير جريدة المدى، بدور قال: الأقسى من الصور المؤلمة التي ضجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي لأطفال مرضى السرطان في البصرة، أننا من جديد نتجرّع الحقيقة بمذاقها المرّ، وهي أنّ الإنسان العراقي بلا ثمن، ولا أهمية، مجرّد رقم يضاف إلى سجلات الموتى، ومن ثم فلا تسألوا عن المتسبّب في عدم توافر الادوية في مستشفيات أغنى مدن العالم وأعني بها مدينة الذهب البصرة، مثلما لا يحق لكم أن تسألوا أين وصل التحقيق في كارثة مستشفى اليرموك التي راح ضحيتها عشرات الأطفال الرضع، مثلما لا يريد أحد أن يعرف أين وصل ملف تفجير الكرادة، وماذا عن الجثث المجهولة الهوية التي لا تزال في الطب العدلي، هذه هي الحقيقة باختصار شديد، وإن حاولوا الضحك على عقولنا، بأنّ ما جرى مجرّد نقص في الأدوية بسبب تخصيصات المحافظة.

وأضاف: بالأمس وأنا أتطلع إلى وجوه أطفال البصرة، لم أرَ سوى علائم الأسى والقهر، وجوه تخاف من الغد، فيما على مقربة منهم في الخليج مدن تقطع المسافات من عصر إلى عصر، في قطار مذهب اسمه الاستقرار والعمران، لأن مسؤولين قرروا ألا يسمحوا للخراب أن يبقى مقيمًا في البيوت والشوارع.

تابع: ما حدث في البصرة مجرد بروفة جديدة لعرض آخر من عروض الخراب العراقي. ولن نشهد لهذه العروض نهاية، قبل أن يرحل آخر سياسي ومسؤول فاسد، ملايين العراقيين يعيشون بين توحش العوز والمرض المعلن، وبين بلادة مجلس نواب فاقد للضمير.

هاشتاغ #جرعة_أمل
أطلق ناشطون ومثقفون ومدوّنون على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ #جرعة_أمل، لدعم مرضى السرطان في مستشفيات محافظة البصرة. جاء في بعضها: 

#جرعة_أمل : الطفولة في البصرة مهددة بالإنقراض. 
‏#جرعة_أمل: لو كان عندنا سياسيون شرفاء لخلعوا بذلاتهم وساعاتهم الثمينة، وتصدقوا بها على مرضى من أطفال العراق.أعطوهم الأمل كي يعيشوا
#جرعة_أمل: سرقوا النفط وتركوا ﻷطفالنا السرطان
#جرعة_أمل: مرضى السرطان... أطفال البصرة ينازعون الموت.. تنازلوا عن كراسيكم... مخصصاتكم.. شهر من رواتبكم..أنقذوهم.. أو اقتلوهم وأريحوهم من العذاب.

#جرعة_أمل: أطفال يعانون من مرض السرطان القاتل، والحكومة عاجزة، مدوا أيديهم إليكم، نداء من البصرة: نفطنا للفاسدين والدواعش.. وأطفالنا بلا دواء.

#جرعة_أمل: إلى شباب العراق الشريف، بعد ما عجز أهالي البصرة من مخاطبة المسؤولين وإنقاذ ما يمكن إنقاذه حول مآساة مستشفى السرطان وقلة الدعم والمخزون الدوائي لها، هل أنت مستعد لدعمهم إعلاميًا؟، هل تستطيع التبرع بصفائح الدم؟، هل تستطيع التبرع بمبلغ مالي بسيط؟، إذهب إلى البصرة، وقدم إلى مرضى هذه المستشفى ما تستطيع.

#جرعة_أمل: أنقذوا أطفال البصرة من وحش السرطان، لا مستشفى ولا دواء ولا حتى (كانونه)، استمروا في النشر في فايسبوك للضغط على الجهات المعنية لتوفير علاج.

#جرعة_أمل: في زمن اللا أمل في مستقبل العراق قد تشرق عليه شمس التغيير، أطفال مرضى السرطان تحدّ كبير لمجتمعنا ونجاح الحملة (#جرعة_أمل) حافز لخطوة أخرى خارج الظلام.

#جرعة_أمل: يقول والد الطفل: لا أستطيع أن أترك ابني، ولا أستطيع أن أتكفل علاجه في الخارج، ولا قلبي يتحمل أن أشاهده يموت ببطء.

وزارة الصحة تتذرع بقلة التخصيصات المالية
إلى ذلك.. أكدت وزارة الصحة العراقية أنها لا تتحمل المسؤولية كاملة بسبب قلة التخصيصات المالية، وقال مدير عام دائرة صحة البصرة الدكتور رياض عبد الأمير: كثير من أصابع الاتهام تشير إلى وزارة الصحة، وأن الوزارة ليس دورها تخصيص الأموال بل دورها تقدير الاحتياج، ويذهب الاحتياج إلى وزارة المالية، وهي تخصص الأموال، وإذا كان هناك خلل بالتخصيص سيؤثر على عملية الاستيراد، وهذا الذي حدث، فتأخرت الأدوية بسبب تأخر وزارة المالية في الموافقة وقلة التخصيصات، وكمثال خصص مجلس الوزراء 500 مليون دينار لأدوية السرطان لم توافق وزارة المالية على صرفها. وإن وزارة الصحة سترسل وجبة أدوية تعزيزية لأمراض السرطان في الأيام المقبلة.

أضاف: إن معدل حدوث حالات السرطان في البصرة سواء للكبار أو الأطفال لا يختلف عن دول الجوار وأقل بكثير من الدول الأوروبية، وإن معدل حدوث السرطان في البصرة بين 70 و75 حالة لكل 100 ألف حالة، وهذا أقل من معدلات دول الجوار في غرب العراق كالأردن وشمال العراق تركيا، وأقل من الشرق، فإذًا العراق ضمن المعدلات العالمية. أما دول أوروبا فمعدلات السرطانات تصل بها إلى 200 أو 300 حالة لكل 100 ألف حالة، وكمعدل حدوث السرطان في البصرة ضمن المستوى الإقليمي وليس فوق مستوى الإقليم. وهناك دراسات تجري تؤكد أن هناك انخفاضًا في معدل الوفيات لمرضى السرطان في البصرة للسنوات الخمس السابقة، حيث كانت بمعدل 7 وفيات لكل 100 ألف حالة، والآن انخفضت إلى 5 حالات وفاة.

وتابع: في كل الدول والحكومات في العالم لا تستطيع أن تؤمّن احتياجات مرضى السرطان، لذلك هناك في كل الدول مؤسسات طبية خيرية مخصصة لدعم مرضى السرطان، ففي مصر على سبيل المثال هناك مستشفيات بنيت، والآن مستشفى آخر بني مخصص لمرضى السرطان قائم على التبرعات والجهات الخيرية التي تدعم هذا المستشفى.

ليس في البصرة وحدها
كشفت الضجة التي أحدثها موت أطفال البصرة المصابين بالسرطان عن إصابات كثيرة في بعض المحافظات الأخرى التي طالب مواطنوها بحملات لإنقاذ هؤلاء الأطفال، ومن ذلك وجود نحو 3200 مريض في مركز الأورام الخبيثة في مستشفى الجمهوري بمحافظة الناصرية. 

وهناك أكثر من 500 مريض في محافظة صلاح الدين يعيشون حياة الموت البطيء إثر مرض السرطان الذي داهمهم، وهم بحاجة إلى جرعات، وعلاج للقضاء على هذا المرض الخبيث، لكن غالبية هؤلاء المرضى لا تمتلك ثمن شراء ربع العلاج.