طرحت هزيمة تنظيم داعش في الرقة تساؤلات شائكة امام القوات الأميركية التي تدرب وتسلح المقاتلين المنتصرين تتعلق بالخطوة التالية التي يجب اتخاذها.

واشنطن: منذ ان بدأت الولايات المتحدة اواخر عام 2014 بشن غاراتها ضد تنظيم داعش في سوريا، وايضا دعم قوات ذات غالبية كردية على الأرض هناك، تجنبت ادارتان متتاليتان في واشنطن التطرق الى اي استراتيجية طويلة الأمد مع تكرار ان التدخل يتركز فقط على محاربة الجهاديين.

ويقول مراقبون ان الولايات المتحدة تخسر فاعليتها في هذه الأزمة المعقدة اضافة الى فشلها في التعامل معها بطريقة مناسبة، واختارت بدلا من ذلك الخطاب المبسط والنظر الى العنف في سوريا فقط من زاوية عملية مكافحة الارهاب.

وقال السناتور جون ماكين هذا الاسبوع "ما نحتاجه بدلا من ذلك هو استراتيجية شاملة تأخذ كل العوامل الاقليمية بعين الاعتبار". 

وأضاف "نريد صياغة واضحة لمصالحنا والطرق والوسائل التي ننوي استخدامها لحماية هذه المصالح. هناك شعور قوي بغياب استراتيجية كهذه حتى لو كنا نحتفل بهذا النجاح المهم" في الرقة. 

بدأت الأزمة السورية في مارس عام 2011 بتظاهرات ضد الحكومة، وتحولت لاحقا الى حرب اهلية معقدة ومريرة يشكل تنظيم داعش عنصرا واحدا فقط من عناصرها ولاعبيها المتغيرين.

ويتواجد نحو 900 جندي أميركي معظمهم من القوات الخاصة في شمال سوريا، قدموا دعما حاسما لقوات سوريا الديموقراطية المكونة من الأكراد والعرب.

واستفاد المقاتلون العرب والاكراد المحليون من التسليح والخبرات العسكرية التي قدمها المدربون الاميركيون خصوصا كيفية طلب غارات جوية.

كما تلقى ائتلاف المقاتلين هذا دعما مستمرا من طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وأرسل البنتاغون فرقة مدفعية للمؤازرة قرب الرقة، فيما أنشأت القوات الاميركية مدرجا لطائرات الشحن العسكرية في قاعدة جوية في شمال سوريا.

تنظيف الفوضى

من الناحية العسكرية، فان القتال ضد تنظيم داعش في سوريا لم ينته بعد، حيث لا يزال الجهاديون ينتشرون في بلدات وقرى وادي نهر الفرات.

وقد خسروا تقريبا معظم المناطق التي كانوا يسيطرون عليها في العراق وسوريا، لكنهم ايضا ما زالوا يعملون على ايجاد موطىء قدم لهم في بلدان اخرى مثل اليمن وافغانستان.

والبلدات التي اخلاها مقاتلو تنظيم الدولية الاسلامية مليئة بالأفخاخ المتفجرة والألغام. 

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت "سندعم جهود الاستقرار في الرقة والمناطق المحررة الاخرى، ويشمل ذلك تنظيف المناطق التي خرج منها تنظيم داعش من الألغام واستعادة الخدمات الاساسية ومساعدة هيئات الحكم المحلي".

ويواجه الرئيس دونالد ترمب الذي تحدث قليلا عن سوريا ولم يذكر ابدا اي استراتيجية طويلة الامد وضعا مختلفا عن سلفه باراك اوباما الذي أعطى الأمر لبدء العمليات العسكرية في سوريا.

واواخر عام 2015 انخرطت روسيا مباشرة في الأزمة الى جانب الرئيس بشار الاسد، فيما تنامى تأثير الميليشيات المدعومة من ايران بشكل سريع.

وقال جون هانا مستشار مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات ومستشار الأمن القومي السابق لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، ان استعادة الرقة من غير المرجح ان تؤشر الى نهاية التدخل الأميركي في سوريا.

واضاف ان تشدد ترمب مع ايران ورفضه الاسبوع الماضي الاقرار بالتزام طهران بالاتفاق النووي يجب ان يترجم الى افعال لاستئصال نفوذ طهران في سوريا.

واضاف لفرانس برس "اذا كان هناك من معنى لاستراتيجية الرئيس ترمب لمواجهة ايران، فانها يجب ان تتضمن جهودا قوية لاحتواء وتحجيم دور الحرس الثوري الايراني في سوريا". 

وتابع هانا "هذا يعني منع ايران وحزب الله وميليشياتهم الشيعية التي تحارب بالوكالة من بسط سيطرة من دون منازع على شرق سوريا والحدود العراقية السورية الحيوية لهدف ايران الاستراتيجي لتأسيس ممر ارضي من طهران الى البحر المتوسط فالحدود الاسرائيلية".

وحذر من ان نتيجة كهذه قد تتسبب ببدء العد العكسي لصراع ايراني اسرائيلي.

غياب الدعم الشعبي

من جهته، قال جون الترمان مدير برنامج الشرق الاوسط للدراسات الاستراتيجية والدولية ان الولايات المتحدة يجب ان تقرر مدى اهتمامها بنتائج مختلفة في سوريا، ويشمل ذلك حجم الوجود الايراني.

وقال لفرانس برس "المفاوضات ستقرر مستقبل سوريا، والولايات المتحدة لم تفعل الكثير لتعزيز نفوذها في هذه المفاوضات". 

واشار الى ان الولايات المتحدة تستطيع الانخراط في جبهات متعددة، لكن "ليس هناك الكثير من الدعم الشعبي لذلك، وادارة ترمب قد تقرر ان هذا ليس جديرا بالاهتمام".

وقال هانا ان وجود قوات مدعومة أميركيا تسيطر على اجزاء واسعة من سوريا يشكل مصدر ثقل دبلوماسي محتمل لواشنطن في تشكيل مستقبل سوريا ما بعد الحرب ضد تنظيم داعش.

لكن نويرت اشارت الى ان الولايات المتحدة قد تلعب دورا محدودا فقط.

وقالت في هذا السياق "مهمتنا هناك في سوريا هي الحاق الهزيمة بتنظيم داعش. ولهذا السبب بالضبط... تحارب الحكومة الاميركية في سوريا".