تعكس الزيارة الثانية التي قام بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى المملكة خلال أربعة أشهر عمق السعي المشترك إلى النهوض بالمنطقة نحو مديات أكثر سلامًا وخلوًّا من الإرهاب وتعزيز التعاون بين العراق ودول المنطقة في ما يتعلق بـ "إعادة إعمار العراق".

إيلاف من الرياض: كان العبادي اتفق، خلال زيارته الأولى، في أعقاب مباحثات مع الملك سلمان، على تأسيس مجلس تنسيقي للارتقاء بعلاقاتهما إلى المستوى الإستراتيجي.

ترسخ التقارب بين العبادي والملك سلمان بن عبد العزيز خلال لقائهما في مارس الماضي على هامش القمة العربية التي عقدت في الأردن.

بدأت ملامح التقارب تتضح مع افتتاح منفذ عرعر الحدودي بين العراق والسعودية في أغسطس الماضي، وصولًا إلى قيام شركة الرحلات السعودية الاقتصادية (طيران ناس) في بداية الأسبوع الحالي بأول رحلة تجارية بين الرياض وبغداد منذ 1990.

العراق يحاول الخروج من العباءة الإيرانية&
الكاتب أحمد الحناكي قال لـ"إيلاف": "يتضح من زيارة رئيس الوزراء العراقي للمملكة، وهي الثانية له بعد يونيو الماضي، أن هناك حرصا تاما وجادا في توطيد العلاقة مع السعودية. وبرأيي أن هذا مؤشر إلى أن السياسة العراقية تحاول بقدر الإمكان الخروج من هيمنة العباءة الإيرانية".

السعودية ممثلة في وزير الخارجية قامت بزيارة هي الأولى منذ 14 عامًا إلى العراق، بينما يتواجد الآن وفد سعودي كبير برئاسة وزير&الطاقة في العراق، لحضور معرض بغداد الدولي، علمًا أن خادم الحرمين قد هنّأ الرئيس العراقي بانتصار العراق على داعش.&

يضيف: "النفوذ الإيراني في العراق لا جدال فيه، وبدلًا من أن نلوم أنفسنا على ما قيل من أننا تركنا العراق لقمة سائغة لإيران، فإن الواقع يؤكد أن هذا التدخل لم يكن ليتم لولا السياسة الأميركية التي احتلت العراق، ثم أرادت إبقاء الوضع على ما هو عليه، لا سلم تامًا ولا عنف دائمًا، ومواصلة دق الإسفين بين الجيران هنا وهناك".&

في يد المملكة أوراق عدة لتطبيع العلاقات مع العراق، خاصة بعد إظهار جارنا الشقيق، ما يوحي باليد الممدودة، مع يقيننا التام بأن البلدين بحاجة إلى بعضهما في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة.

يتابع الحناكي قائلًا: "الأصوات الحكيمة في البلدين تعلم أن الاتهامات بين أعلام الدول في حالة الشقاق لا تكون مقياسًا حقيقيًا، وبالتالي اتهام العراق سابقًا للمملكة بدعم الإرهاب داخل العراق أو اتهام المملكة بأن إيران تفرض الحشد الشيعي وتتحكم به أمر تعوزه الدقة والبراهين".

يسترسل: فالمملكة على سبيل المثال لديها مواطنون من السنة والشيعة، كما العراق، وعادة ما يرتدي المواطن رداء الوطن في حالة الحروب، وقبل ثلاثة عقود استبسل العراقيون شيعتهم قبل سنتهم مع حربهم ضد إيران، ولا ننسى أن السعودية قد اهتمت بزيارة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أخيرًا.

التعاون السعودي العراقي ضمان لإزدهار المنطقة&
حول التعاون السعودي العراقي ذكر الحناكي: "أعتقد أن تعاون المملكة مع العراق سيكون ضمانًا أكثر لازدهار المنطقة وأمانها واستقلالية أكثر للسياسة العراقية، التي لا تريد أن ترمي أوراقها في السلال الإيرانية أو حتى التركية، فيما جارها التاريخي العربي بعيد عن ذلك، مع قلقها أيضًا من محاولة الاستقلال الكردي".

ختم الحناكي حديثه عن السياسة السعودية، وقال: "إن سياسة المملكة في الأونة الأخيرة تتجه نحو التعاون الدولي مع الدول الكبرى وكذلك الجيران بقدر الإمكان، وهو ما يحسب لسياستنا الخارجية، التي تريد ألا تظل مرتبطة مع المعسكر الغربي فقط، فحتى ربيبة أميركا وطفلها المدلل في فلسطين المحتلة، لديها علاقات جيدة مع الروس".

من مصلحتنا خارجيًا التركيز على العلاقات مع كل الدول الكبرى، وكذلك دول الجوار والبعد عن غيرها قدر الإمكان.

الكاتب السعودي &حسن المصطفى قال لـ"إيلاف": إنه لن يكون هنالك للخلاف بين الرياض والدوحة، أي أثر على العلاقات السعودية - القطرية. حيث تمت زيارة رئيس الوزراء العبادي إلى المملكة في جو عام من التفاهم والرغبة المشتركة بين البلدين في دعم العلاقات وتعزيزها وتجاوز الماضي. خصوصًا أن كلًا من الرياض وبغداد تتفقان معًا في أهمية محاربة الإرهاب، ومقاومة الحركات المتطرفة، وفي مقدمها "داعش".&

أضف إلى ذلك، أن بغداد، رغم وقوفها على الحياد في موضوع الخلاف بين الدول الأربع وقطر، ودعوتها إلى حله عبر الحوار، إلا أنها في أوقات سابقة، صرح أكثر من سياسي عراقي منتقدًا السياسة القطرية الداعمة للحركات الأصولية، والخطاب الإعلامي لقناة "الجزيرة" في تناوله للشأن العراقي، بطريقة تدفع نحو العنف والتشدد.

عراق قوي ضمان للمستقبل&
وبرأي المصطفى، فإن العلاقات السعودية العراقية، من شأنها إذا بنيت على الشفافية والتفاهم والمصالح المشتركة، واحترام سيادة كل بلد، أن تسهم في جعل العراق أكثر استقلال وقوة عن تأثير دول الجوار، ومنها إيران. إن عراقًا قويًا آمنًا مستقرًا هو مصلحة إقليمية، وسيكون دولة صاحبة شأن سياسي إقليمي، ما يجعلها تخفف اعتمادها على الدعم الإيراني.&

ورأى أن الغياب العربي في السنوات التي أعقبت إسقاط نظام صدام حسين، جعل الساحة السياسية تعاني فراغًا، وهو ما وجدته طهران فرصة سانحة لها، وهو تصرف طبيعي من أي دولة تجد فراغًا، أن تسارع إلى أن تحل به وتستفيد منه. من هنا، سعت المملكة إلى العودة بعلاقاتها مع العراق، لكي لا يكون الغياب العربي أو السعودي فرصة تستغلها إيران لبسط نفوذها داخل العراق، أو على جيرانها في الخليج.

أمر آخر، العراق بما له من علاقات جيدة مع الرياض وطهران، يمكنه أن يلعب دورًا في تقريب وجهات النظر، أو حث الجانب الإيراني على تقديم مبادرة حسن نوايا تجاه جيرانه العرب. وهو دور مهم من الممكن أن تلعبه بغداد في الوقت الذي تتهيأ فيه الظروف لمصالحة أكبر في الإقليم.

الملف الاقتصادي بوابة لتوطيد العلاقات بين البلدين&
وأوضح المصطفى أن الملف الاقتصادي بوابة مهمة لتطوير العلاقات بين الرياض وبغداد، وتحديدًا في ما يتعلق بالنفط وإنتاجه والحصص المقررة في السوق البترولية، من أجل المحافظة على الأسعار وعدم تدهورها. كما إن العراق يعتبر سوقًا واسعة أمام رجال الأعمال السعوديين، في التجارة البينية، وعمليات إعادة الإعمار، وتصدير السلع الاستهلاكية. وهنالك أيضًا ملف "السياحة" والذي دشن عبر تسيير رحلات جوية، تحمل مواطنين من كلا البلدين. وهذه السياحة تتعلق في جانب مهم منها بـ"السياحة الدينية" سواء العمرة والحج وزيارة الأماكن الدينية في مكة والمدينة أو زيارة الأماكن الدينية في النجف وكربلاء.&

وبيّن حسن المصطفى أن ملف محاربة الإرهاب ملف مهم يجمع البلدين، فهما يحاربان تنظيم داعش، وسيبقى ملفًا حاضرًا في العلاقة بين البلدين، لأن التنظيمات الأصولية تبقى خطرًا مشتركًا يهدد كلا النظامين، ومن مصلحتهما، بل أولوياتهما مجابهة تنظيم داعش وسواه، عبر التنسيق الأمني والاستخباراتي والعسكري المشترك.


&