«إيلاف» من مراكش: تنظم جمعية منية مراكش، ما بين 25 و 29 أكتوبر الجاري الدورة السابعة لمهرجان سماع مراكش، و الذي يكرم هذه السنة رجلين يعدان من رموز الثقافة الصوفية بالمغرب، أحدهما يعتبر مؤسس مجموعة ناس الغيوان، هو مولاي عبد العزيز الطاهري، الذي انتقل فيما بعد لمجموعة جيل جيلالة ، و محمد الفايز الذي كتب الكثير عن « حضارة الماء » و تاريخ حدائق مراكش، كما اشتغل على التراث المادي و الشفاهي للمدينة. 

ويتضمن برنامج المهرجان الذي اختار شعاره لهذه السنة « السماع به تظهر حرية الشخص و إنسانية الإنسان » فقرات متنوعية، تتوزع ما بين ندوات علمية في التراث الصوفي وفي علمائه، واختار هذه السنة الشيخ أبي القاسم الجنيد، و التي سيشارك فيها علماء و باحثون في الثقافة الصوفية من المغرب وخارجه، كما ستحيي حفلاته المتنوعة مجموعات موسيقية من مختلف الدول الإسلامية تهتم بفن السماع. 

احتفاء بأبي القاسم الجنيد

واختار المنطمون للمهرجان، هذه السنة، كما جرت به العادة أن يحتفوا بواحد من رموز الثقافة الصوفية كل سنة، الشيخ أبي القاسم الجنيد، نظرا لما كان يمثله الرجل من رمزية، باعتباره واحدا من شيوخ الطريقه الصوفية و الذي كان يجمع بين الإلمام بالفقه الإسلامي و السنة و الإنفتاح على الروح الجمالية للإسلام. 

وعن اختيار الشيخ « أبي القاسم الجنيد » تحديدا قال محمد العميم الباحث في التراث المغربي و أحد المنظمين للمهرجان ل »إيلاف المغرب » إن الشيخ أبو القاسم الجنيد يعد عمودا من أعمدة الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية، كما أنه يمثل الأمن الروحي للمغاربة باعتباره أحد شيوخ الصوفية الذي استطاع أن يجمع بين التمكن من الفقه الإسلامي والسنة، وكذا الإعتدال في مواقفه، من خلال اهتمامه بكل ما هو جميل في الثقافة الأسلامية، وهو نموذج مثالي للإعتدال و تجنب مظاهر التطرف في صفوف الشباب المغاربة. 

وعن بعض الأجانب الذين سيسهمون بمداخلاتهم في الندوات العلمية و الفقرات المتنوعة التي تتخلل المهرجان، قال العميم إن جلهم من فرنسيين وغيرهم هم مسلمون متصوفون، كالفرنسي محمد فالسون وهو ابن لأحد شيوخ الزوايا بفرنسا، الذين أسهموا بشكل كبير في دخول الإسلام لأوروبا .

للكتبيين نصيبهم

ومن بين الفقرات الأساسية التي يتضمنها المهرجان معرض فنون الكتاب ، و الذي قال عنه جعفر الكنسوسي مدير المهرجان، إنه من بين أهم فقرات المهرجان، نظرا لما كان يمثله الكتبيون من مكانة في ازدهار تجارة الكتاب بمراكش، قبل أن تندثر للأسف، حيث كانت جوانب الكتبية تضم ما يناهز 100 أو 106 دكان و معمل صغير تعنى بصناعة الكتاب من نسخ وتسفير وتذهيب و تزيين، استطاعت على مدى عقود من الزمن أن تنعش صناعة مهمة كانت تساهم في خلق فرص للشغل وتذر دخلا وافرا لأصحابها، قبل أن تتراجع و تختفي كليا من ساحة جامع الفنا، و المهرجان فرصة لجعل الزوار يطلعون على المعرض المخصص للكتبيين، و التعرف على إسهاماتهم ودورهم في إنعاش الثقافة بالمدينة. 

وأضاف الكنسوسي أن المهرجان خصص معرضا للخط العربي، الذي سيتضمن ورشة مفتوحة لتعليم الخط العربي و أصوله لفائدة زوار المعرض، وهي الورشة التي تفتح طيلة السنة في وجه الراغبين بجمعية منية مراكش المنظمة للمهرجان، يشرف عليها الخطاط عبد الغني ويدا. 

وأوضح مدير المهرجان أن هذا الأخير تتخلله فقرات فنية مهمة تحييها مجموعات متنوعة في فن المديح و السماع الصوفي من مراكش و خارجها وحتى من بلدان أجنبية (باكستان، إسبانيا، السنغال …)

في حاجة للصناعة الثقافية

وعن مدى اهتمام المهرجان بالتراث الصوفي و إحيائه، قال الكنسوسي إنه لا يمكن فهم التاريخ الثقافي للمغرب من دون الرجوع لتاريخ الزوايا و الطرق الصوفية بالبلد، معتبرا أن جل أصحاب الصناعات التقليدية من نقاشين على الجبس و الخشب وغيرهم خرجوا من جبة الصوفي، ووحدهم الدارسون لتاريخ المغرب وثقافته و تراثه يدركون جيدا هذه الحقيقة، ومن هنا يضيف الكنسوسي " جاء اختيارنا للدفاع عن تراث مراكش الثقافي، باعتبار أن المدينة العتيقة كنز حقيقي ينبغي إعادة الإعتبار له". 

ودعا الكنسوسي إلى إحياء التراث الثقافي للمدينة الحمراء، وجعل فضاءاتها التاريخية تعج بمتاحف تزخر بالموروث الثقافي الروحي، لأن ذلك من شأنه أن يخلق فرصا حقيقة للشغل، كما هو الحال في عدد من الدول الأجنبية التي تولي الجانب التراثي لمدنها أهمية قصوى بفضل وعيها القوي بالتاريخ، كما أن ذلك من شأنه أن ينعش السياحة الخارجية، ويعكس الصورة الحقيقية للمغرب متعدد الثقافات.

و تشارك مجموعة من الفرق الموسيقية في إحياء المهرجان من بينها فرقة محمد باجدوب و جوق روح الطرب، بالإضافة لحفل سماعي يحييه عمر سرميني من سوريا مصحوبا بمجموعة جسور، ومجموعة الفردوس بإسبانيا برئاسة علي كيلر من أنجلترا، كما ستنظم هذه الحفلات بمواقع أثرية و تاريخية بالمدينة، كساحة جامع الفنا و قبة المنارة و قصر الباهية و باحة ساحة مسجد الكتبيي.

وينظم المهرجان بدعم من مجلس جهة مراكش - آسفي، و المجلس الإقليمي و المجلس الجماعي، وكذا وزارة الثقافة ووزارة الأوقاف، بالأضافة لمساهمين آخرين من المدافعين عن التراث الثقافي لمدينة مراكش.