جاء "الزلزال" الذي كان يترقبه المشهد السياسي المغربي، منذ إلقاء الملك محمد السادس خطاب افتتاح الدورة التشريعية الجديدة للبرلمان، مخلفًا عددًا من الضحايا في صفوف الوزراء، سواء المعفيين أو المحرومين من تقلد أي مسؤولية رسمية في المستقبل، فيما ما زال عدد من المسؤولين في الإدارة ومؤسسات الدولة يتحسسون رؤوسهم ترقبًا لارتدادات "الزلزال".

إيلاف من الرباط: بمنطق الربح والخسارة في الضربة الأولى من الزلزال السياسي، يتضح أن حزب العدالة والتنمية قائد التحالف الحكومي خرج سالمًا، بحيث لم يطل الإعفاء أي وزير في صفوفه، كما إن التقرير لم يحمّل مسؤولية التقصير الذي عرفه تعثر إنجاز مشروع "الحسيمة.. منارة المتوسط"، بشكل مباشر إلى رئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران.

فيما يعتبر حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقًا) الضحية الأكبر بعدما أعفي أمينه العام ووزير الإسكان وإعداد التراب الوطني وسياسة المدينة نبيل بنعبد الله، ووزير الصحة، الحسين الوردي، وذلك في ضربة موجعة تلقاها الحزب، تجعله حسب مراقبين أقرب إلى مغادرة الحكومة. 

عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة السابق 

وفي قراءته للحدث، قال المحلل السياسي عبد الرحيم منار السليمي، لـ"إيلاف المغرب" إن المغرب يعيش "حملة تطهير سياسي مختلفة عن الحملات السابقة"، مبرزًا أنها تدخل "ضمن إطار دستوري مختلف فيه معادلة ربط المسؤولية بالمحاسبة".

لاحظ السليمي بأن مسطرة اتخاذ قرارات الإعفاء كانت نتيجة متابعة "مؤسساتية"، موضحًا أنه في البداية "كان الخطاب الملكي ثم تلاه اشتغال المجلس الأعلى للحسابات، فتقديم نتائج التقرير التي بنيت عليها القرارات".

هل ابن كيران معني بالإعفاء؟
عكس القراءات التي اعتبرت أن حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران، خرجا بسلام من "الزلزال السياسي" الذي هز المشهد السياسي للبلاد، ذهب السليمي، إلى أن الخاسر الأكبر هو "تجربة حكومة ابن كيران التي أثبت نتائج التحقيق أننا كنا أمام حكومة فوضوية في السنوات الخمس الماضية".

وأضاف السليمي أنه على الرغم من عدم ورود اسم رئيس الحكومة ضمن الأسماء التي أعلن العاهل المغربي قرارات بشأنها، إلا أن "لديه ما يمكن أن نسميه المسؤولية التقصيرية في الملف، ورئيس الحكومة هو المشرف على الوزراء، ولا يوجد وزراء مشتتون"، حسب تعبيره.

عبد الرحيم منار السليمي محلل سياسي

لم يقف السليمي عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى درجة اعتبار أن ابن كيران يدخل "ضمن قائمة الأسماء التي طالها الإعفاء المستديم ولو لم يتم ذكر اسمه"، لكن هذه القراءة، لا يتفق معها المؤرخ والمحلل السياسي المعطي منجب، الذي قال إن ما حدث "لا يمكن أن يفسر في هذا الاتجاه".

وأضاف منجب، أن محمد حصاد هو" أهم الأسماء التي جرى إعفاؤها من المسؤولية، وإن ابن كيران لم يعينه في الحكومة السابقة وزيرًا للداخلية، وبالتالي لا يمكن تأويل هذا الإعفاء بهذا الاتجاه"، وزاد موضحًا أن الملك لو أراد قصد ابن كيران لأعفى كل الوزراء الذين عملوا مع ابن كيران في ولايته الحكومية السابقة، وهذا لم يحدث".

تعديل حكومي

وأفاد السليمي بأن وزراء حزب التقدم والاشتراكية كانوا هم الأكثر تضررًا من قرارات الإعفاء، إضافة إلى جزء من الوزراء التكنوقراط (غير منتمين)، مؤكدًا أن خارطة التحالفات السياسية بالبلاد "ستتغير".

وزاد السليمي مبينًا في تحليله للمشهد السياسي المغربي بعد الإعفاءات" يمكن أن نعتبر حزب التقدم والاشتراكية بات خارج المعادلة الحكومية، وستكون هناك مفاوضات مع حزب الاستقلال"، لافتًا إلى أن هذه المفاوضات "إذا جرت ونجحت قد تؤثر على حليف آخر في التحالف هو الاتحاد الاشتراكي، وستتغير بعض المواقع".

أضاف السليمي أن الوزارات الشاغرة كالتعليم والصحة تمثل "وزارات استراتيجية ستغير خارطة التحالف الحكومي، ويمكن أن تؤثر على الاتحاد الاشتراكي، وسنكون إزاء تحالف جديد". 

الزلزال مستمر
بخصوص مستقبل وتداعيات الزلزال السياسي، اعتبر السليمي أن "الزلزال لن يقف عند مستوى الحكومة، بل سينتقل إلى الإدارة لاحقًا، والمدة الزمنية لن تتوقف"، مؤكدًا أن تداعياته ستستمر بشكل أكبر خلال السنوات المقبلة، ولن تستثني أحدًا، سواء من الولاة أو العمال (المحافظون) أو المنتخبين"، وأضاف "مشروع (الحسيمة.. منارة المتوسط) ليس إلا البداية، وهناك مشاريع أخرى بمختلف المناطق سيطالها التحقيق والمحاسبة".

وأشار المتحدث نفسه إلى أن المغرب دخل "مسلسل التطهير السياسي والمؤسساتي بهدف تحقيق الإصلاح"، مشددًا على أن التداعيات ستكون طويلة ومستمرة.

وأكد السليمي أن الدولة أدركت أن "الخطر أصبح كبيرًا ويحتاج هذا النوع من الضربات"، مبرزًا أن ما حدث "سيغير مسار عمل الحكومة والإدارة، وأن الجانب النفسي حاضر في المسألة، وسيستشعر المسؤولون أن هناك محاسبة وهناك تغييرًا"، معتبرا أن "لا أحد كان يتوقع إعفاء شخص مثل حصاد أو إعفاء مستديم لعدد من الوزراء".

القرارات ليست جديدة
في المقابل، يرى المؤرخ والمحلل السياسي، المعطي منجب، أن ما حدث "قرارات ليس لها أي عمق سياسي"، متسائلًا "كيف أن خدام دولة أنعمت عليهم هذه الأخيرة بريع بمليارات السنتيمات على أساس أنهم خدام حقيقيون لها، لعشرات السنين، مثل حصاد، يعفى بطريقة مهينة جراء ما سمي بتحقيق الحسيمة".

وأضاف منجب أنه كي لا تحدث أزمة بين الدولة وحزب العدالة والتنمية، قائد التحالف الحكومي، الذي اعتبره الحزب الأقوى "لم يعفى أي وزير من وزرائه"، مسجلًا في الآن عينه، أن ما حدث فيه "إشارات إيجابية، ولكنها لا تحل أي مشكل في العمق".

المعطي منجب مؤرخ ومحلل سياسي

وأشار منجب إلى أن إعفاء بنعبد الله والوردي "قرار سياسي كان بسبب تحالف حزب التقدم والاشتراكية مع ابن كيران، والأزمة التي وقعت في سبتمبر من العام الماضي بسبب هذا التحالف"، مؤكدًا أن هذا القرار "لا يمس النموذج التنموي". 

وأفاد منجب أن المغرب سبق أن عرف في تاريخه مثل هذه المبادرات، وقال: "هناك مبادرات سابقة تنحو هذا المنحى، ولم يكن لها مردود إيجابي، مثل حملة التطهير التي أعلنها الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1996 بعد الأزمة التي أطلق عليها السكتة القلبية سنة 1995"، مبرزًا أنه عندما تقع البلاد في أزمة تلجأ إلى قرارات كهذه.