مجدي الورفلي من تونس: أثار ختم الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الثلاثاء لقانون المصالحة الإدارية، موجة من الإنتقادات لتحوّل الرئيس الى حكم وخصم في نفس الوقت، بإعتبار ان السبسي هو المبادر بمشروع قانون المصالحة المثير للجدل منذ سنة 2015 الذي رأى فيه طيف واسع من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني عفواً عن فاسدي نظام بن علي الذي سقط في 14 يناير 2011.

وأعلنت رئاسة الجمهورية التونسية ان السبسي صادق على قانون المصالحة الإدارية وختمه ليُنشر في الجريدة الرسمية، بعد إحالته عليه من طرف الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين بسبب عدم حصول الأغلبية المطلقة لإتخاذ قرار داخلها بخصوص الطعن في دستورية القانون المقدّم من طرف نواب المعارضة في البرلمان منذ 19 سبتمبر الماضي.

وكانت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، وهي هيئة تعوّض وقتيًا المحكمة الدستورية وعدد أعضائها 6، قررت إثر جلسة عقدتها في 17 أكتوبر الجاري إحالة قانون المصالحة في المجال الإداري على الرئيس لإقرار التصديق عليه وختمه من عدمه بعد ان تساوت الأصوات داخل الهيئة بخصوص الطعن الذي ورد عليها من طرف نواب المعارضة، وهو ما إعتبرته بعض الأحزاب والمنظمات "رضوخًا من الهيئة للضغوطات وتهربًا من الحسم في دستورية القانون".

"مهزلة مغلفة بغطاء مؤسساتي"

صبرا شرايفة عضو في حملة "مانيش مسامح"، وتعني (لن اسامح الفاسدين من نظام بن علي)، إعتبرت في تصريح لـ"إيلاف" ان مسار المصادقة على مشروع قانون المصالحة وختمه من طرف الرئيس السبسي "مهزلة مغلفة بغطاء مؤسساتي"، وفق تعبيرها، وأكدت ان مشروع القانون وقع تمريره بالحيلة.

ترى الناشطة في الحملة المعروفة بمناهضتها للمصالحة مع رموز نظام بن علي خارج إطار العدالة الإنتقالية والقانون المنظم لها، انه لم يتم احترام المؤسسات والهياكل الدستورية وخاصة عبر تجاوز الإستشارة الوجوبية للمجلس الأعلى للقضاء، بالإضافة الى الضغوطات التي مورست على الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين وتسريب نواب حزب حركة نداء تونس لنتائج مداولتها قبل إنتهاء الجلسة.

وقالت: "كنا نبهنا في حملة 'مانيش مسامح' إلى هذه الضغوطات وحذرنا من إعادة استنساخ سيناريو المجلس الأعلى للقضاء واجبارها على عدم القدرة على البت في دستورية الطعن، وهو ما حصل وتبعه تحول الخصم الى حكم في التصديق على مشروع القانون وبتّ صاحب المبادرة في دستورية مبادرته".

وأعتبرت الناشطة ان ختم القانون خطوة أخرى نحو محاولة إعادة إنتاج منظومة الدكتاتورية عبر تحرير ذراعها الإداري والمتمعشين من منظومة الفساد، وأكدت ان حملة "مانيش مسامح" لا تزال متمسّكة بموقفها الرافض للعفو عن الفاسدين قبل محاسبتهم على ما إرتكبوه في حقّ البلاد التي سيدوّن تاريخها بأحرف من عار أسماء من خانوا دماء الشهداء، وفق تعبيرها.

سنواصل قطع الطريق على الفاسدين

عن التحركات التي ستنتهجها حملة "مانيش مسامح" كرّد على ختم قائد السبسي للقانون المثير للجدل، أكدت صبرا شرايفة لـ"إيلاف" ان الحملة ستواصل حربها ضد قانون المصالحة بكل الوسائل المتاحة لها ومن بينها امكانية الطعن لدى المحكمة الدستورية بمفعول رجعي، بالإضافة الى وجود وسائل قانونية أخرى تقطع الطريق على التطبيع مع الفاسدين وتكريس ثقافة الإفلات من العقاب.

ويهدف القانون وفق ما تعلنه رئاسة الجمهورية إلى تهيئة مناخ ملائم يشجع على تحرير روح المبادرة في الادارة والنهوض بالاقتصاد الوطني وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة.

وسيتمتّع، وفق هذا القانون، بالعفو العام الموظفون وأشباههم الذين تمت مؤاخذتهم على أفعال متصلة بمخالفة التراتيب أوالأضرار بالإدارة لتحقيق منفعة لا وجه لها للغير، ويستثنى من كانت الأفعال المنسوبة اليهم تتعلق بقبول رشاوى أو الاستيلاء على أموال عمومية.

قائد السبسي طبّق القانون

الناطقة باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش في ردّها على الانتقادات التي وُجهت للرئيس الباجي قايد السبسي إثر ختمه الثلاثاء لقانون المصالحة الإدارية، اعتبرت أن الرئيس لم يقم بتجاوز القانون بل طبقه وفق صلاحياته التي يمنحها اياه الدستور.

وأكدت المتكلمة الرسمية بإسم رئاسة الجمهورية أن قائد السبسي قام بدوره عبر ختم قانون المصالحة الذي إعتبرت انه 'لم يعُد قانون الرئيس رغم انه يمثل الجهة المبادرة به، فتبني القانون داخل البرلمان جعله يخرج من تحت غطاء الباجي قائد السبسي ليصبح قانونًا حظي بأغلبية أصوات نواب الشعب".

يذكر ان مشروع قانون المصالحة في المجال الاداري (تغيّر اسمه بعد ان كان مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية) أحالته رئاسة الجمهورية الى مجلس البرلمان منذ يوليو 2015 ، وقد أحدث جدلاً واسعًا بين رافض ومساند له مما حال دون تمريره الى الجلسة العامة للمصادقة عليه عديد المرات.

ولكن بعد إدخال تعديلات عليه وجعله مقتصرًا على الإداريين وحمل تسمية "قانون المصالحة في المجال الإداري" وقع تبنيه من طرف البرلمان في 13 سبتمبر الماضي، وسط أجواء متوترة داخل البرلمان وخارجه حين تظاهر المئات من شباب حملة "مانيش مسامح" تعبيرًا عن رفضهم لما يرون فيه "عفوًا عن فاسدي نظام بن علي".

وفي 19 سبتمبر الماضي طعن 38 نائباً من المعارضة في دستورية القانون، ولكن الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين أعلنت انها لم تتوصل الى قرار بخصوصه بعدما تساوت أصوات أعضائها بخصوص دستوريته من عدمها، واحالته لرئيس الجمهورية للإقرار ختمه ونشره في الجريدة الرسمية من عدمه.

إتجاه نحو المصالحة الشاملة

في مقابل الرافضين لقانون المصالحة الإدارية، إعتبر الناطق الرسمي بإسم حركة "نداء تونس"، التي أسسها الرئيس قائد السبسي في 2012، منجي الحرباوي لـ"إيلاف"، ان مسار إقرار قانون المصالحة الإدارية سليم من الناحية القانونية.

وأكد ان حملات التشكيك والتهجّم التي طالت هيئة مراقبة دستورية القوانين ورئاسة الجمهورية ستربك مرحلة الإنتقال الديمقراطي ومشروعية مؤسسات الدولة بما فيها الدستورية.

ويرى الناطق الرسمي لحركة نداء تونس التي ساندت مشروع المصالحة منذ تقدّم قائد السبسي به في يوليو 2015، ان إنتهاء مبادرة الرئيس باعتماد قانون المصالحة الإدارية يمثّل خطوة كبيرة في إتجاه المصالحة الوطنية الشاملة التي أكد ان حركة نداء تونس ستعمل على بلوغها مع القوى الوطنية والديمقراطية.

يُذكر ان تونس سنّت في ديسمبر 2013 قانونًا لإقرار العدالة الانتقالية وصادق عليه "المجلس الوطني التأسيسي" حينها، وقد أُحدثت بموجبه هيئة تتكفل بتطبيق مسار العدالة الانتقالية تُسمى "هيئة الحقيقة والكرامة" وتتركب من عدد من اللجان، تنظر في كل ملفات الفساد والإنتهاكات التي حصلت في تونس، ويعتبرها الرافضون لقانون المصالحة الإطار الوحيد لإقرار المصالحة مع الفاسدين بعد إعترافهم وإعتذارهم ومحاسبتهم.

وحدد القانون مدة عمل الهيئة بأربع سنوات قابلة للتمديد سنةً، ولمرة واحدة، وتتمثل مهامها في كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان خلال الفترة الممتدة من 1955، أي بعد نحو شهر من حصول تونس على استقلالها الذاتي من الاستعمار الفرنسي، الى حدود 31 ديسمبر 2013، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والانتهاكات وجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم.