أيّد حوالي 77 في المائة من عينة المغاربة ، الذين أجابوا عن استطلاع "إيلاف المغرب"، الإجراءات الإدارية التي اتخذها وزير التربية المعفى من مهامه، محمد حصاد، على خلفية تقصيره ووزراء آخرين، في تنفيذ المشروع التنموي لـ "الحسيمة .. منارة الموسط " ، خلال توليه مهام وزارة الداخلية في الحكومة السابقة التي رأسها عبد الإله بنكيران، أمين عام حزب العدالة والتنمية؛ ما تسبب في اندلاع احتجاجات اجتماعية بمنطقة الريف خلفت تداعيات واسعة.

وكان الوزير المقال، اتخذ بمجرد تعيينه ، تدابير إدارية وتربوية صارمة، أراد من خلالها إعادة النظام والانضباط إلى المؤسسات التعليمية التي وجد الكثير منها على حال من الفوضى العارمة والإهمال وإتلاف التجهيزات.

وشملت التدابير، محاسبة المدرسين على التغيّب، عن أداء الحصص الموكلة إليهم في الأقسام ، بترخيص أو من دونه، وذلك بتعليق أسمائهم في الموقع الالكتروني لوزارة التربية المغربية، وإشهار القائمة في المؤسسات التي يشتغلون بها ؛ ليس بغاية التشهير بهم وإنما لكي تعرف الأسر الحصص التعليمية الضائعة من البرنامج المدرسي.

ولقيت مجمل القرارات التي اتخذها الوزير حصاد، ترحيبًا واسعًا من الأسر واستبشرت بعودة النظام إلى المدارس وحمايتها من ممارسات مشينة تحدث داخل أسوارها وخارجها، حيث تترصد التلاميذ، على سبيل المثال، عصابات من المنحرفين، يتعاطون الممنوعات ، يعرضونها على التلاميذ، مستغلين عدم معرفتهم بعواقب وأضرار ما يمكن أن يتعاطوه. 

وتعكس النسبة المرتفعة من العينة المستجوبة، تأييدًا من الأسر وأولياء التلاميذ لقرارات الوزير حصاد، الذي ترك منصبه بعد أن طاولته حرائق ما بات يسمى في المغرب "الزلزال السياسي"، ولا يعرف ما إن كان خلفه سيبقي على الإجراءات التي شرع في تطبيقها.
وكانت بعض النقابات احتجت على "التشهير" بالمتغيبين عن العمل، واعتبرته تصرفًا غير تربوي، لا يليق أن تعامل به أسرة التعليم التي يتفانى جل أعضائها في أداء واجبهم المهني، حسب النقابات.

والحقيقة أن تعيين الوزير السابق، وهو مهندس قناطر وجسور، تولى تسيير عدة قطاعات حكومية، أثار في حينه تساؤلات وتعليقات بخصوص مدى قدرته على تدبير قطاع صعب مثل التعليم ، فشل فيه اغلب الذين سبقوه، بالنظر إلى حجم المشكلات وتراكم الأخطاء والإهمال على مدى عقود من الزمن خاصة وأن حصاد لم يمارس مهنة التدريس خلال مساره الوظيفي، وبالتالي يفترض أنه غريب إلى حد ما، على القطاع ؛ فهو مثل سلفه، رشيد بلمختار، الذي شمله غضب الملك محمد السادس بسبب التقصير في مشاريع الحسيمة. كلاهما ذو تكوين فرانكفوني، مثلما أن إلمامهما باللغة العربية بسيط جدًا، وليسا خطيبين فصيحين، إلى حد أنهما صارا مثار سخرية وتندر من لدن مرتادي شبكة التواصل الاجتماعي. 

ويبدو أن إسناد وزارة التربية إلى حصاد، أملته عدة اعتبارات ضمنها القناعة بأن القطاع في أمس الحاجة إلى مسؤول حازم وعلى دراية تامة بمفاصل الإدارة المغربية بسلبياتها وإيجابياتها. يتسم بالشجاعة والصرامة ، همه الأول إعادة النظام عاجلاً، وقبل استفحال الأوضاع، إلى المؤسسات والإدارات التربوية وذلك بمكافأة الذين يؤدون عملهم بإخلاص وطبقاً لما هو مطلوب منهم وواجب عليهم ، وهم كثيرون، من حسن الحظ ، وفي نفس الوقت إنزال العقاب الإداري بالمستهترين الذين أساؤوا إلى صورة المدرسة العمومية في المغرب وإلى العاملين فيها ،على الرغم من أن قطاع التربية يستحوذ على نسبة عالية من موازنة الدولة، على حساب المرافق الاجتماعية الأخرى.

ومن الواضح أن الوزير المعفى، ما كان ليتصرف، بمثل الشدة، لولا تأكده ، من خلال الزيارات الميدانية والتفقدية التي قام بها إلى كثير من المناطق، وجد بها نقطًا تعليمية سوداء إذا جاز التعبير، توصل على إثر ذلك إلى خلاصة مفادها أن الوضع يكاد ان يخرج عن السيطرة لذا يجب معالجته باستعجال قبل تفاقمه.

بدأ الوزير حصاد، بما هو منطقي، أي إعمال القانون وانفاذه ؛ فكان من الطبيعي أن تندلع نار الاحتجاج التي أخمدت بسرعة، وأملت أسر المتعلمين خيرًا في الوزير الذي قضى سنوات في الإدارة الترابية، محافظا ثم وزيرا للداخلية، أمكنه خلالها التعرف على مدى الاختلال الذي ينخر الإدارة المغربية عموما ، نتيجة قلة المعرفة أو الاستهتار وغياب وازع المصلحة العامة. 

وفي نفس سياق الانضباط ، وجه الوزير حصاد عددًا من المذكرات والتنبيهات، حث فيها العاملين في حقل التعليم، على بضعة أمور يمكن أن تسترد بها المدرسة العمومية هيبتها وحرمتها، كمكان لتلقي المعرفة والتكوين، وليس فضاء للتسيب والانحراف؛ إذ باتت المدرسة العمومية مرتعا لتفشي الرذائل والانحراف الاجتماعي، جراء ضعف الرقابة أو انعدامها، حيث يعبث المتعلمون والمدرسون بالتقاليد التربوية النبيلة، بل بدأ الخوف يساور الأسر على أبنائها من آفة الانحراف، بينما أرسلوا فلذات أكبادهم إلى مؤسسات للتهذيب والسلوك القويم. 

في هذا الإطار، ربما يثني المغاربة على الوزير حصاد، رغم مروره القصير بوزارة التعليم. ونسوا انه كان وزيرًا للداخلية التي ترمز للسلطة القاهرة في المخيال الشعبي المغربي، بل غفروا له أنه وافد على المهنة، ليس مختصًا في قضايا التربية والتعليم، إن على المستوى النظري أو التطبيقي ؛ ما يعني أنه قبل المنصب مؤمنًا أن مسؤولية الوزير تنحصر أساسًا في رسم خارطة طريق وفق منهجية محكمة ينفذها الجميع من دون تراخٍ.

وخلال مباشرته المنصب، لم يتكلم حصاد كثيرا، بل كان رجل الأفعال والقرارات السريعة التي بدت للبعض متسرعة، لأن عربة الإدارة المغربية اعتادت السير ببطء شديد ،لا تبالي بما تسببه من خسارة للدولة والأجيال. 

لم تعمد وزارة التربية المغربية حتى الآن، إلى تقييم اثر التدابير التصحيحية التي صدرت عن الوزير المعفى، لكن يمكن القول إن الدخول المدرسي للموسم الجاري، مرّ في ظروف طبيعية على العموم، بينما ساد الخوف من أن يواجه الوزير الجديد عصيانًا تربويًا، وممانعة من أقلية مستفيدة اعتادت الكسل وترك الحبل على الغارب.

نجح الوزير حصاد في إرجاع الهيبة إلى المدرسة بأن تصبح مكاناً للتشبع بالقيم الوطنية والتعود على ممارسة السلوك الإيجابي.

الوزير حصاد أتى للوزارة وبحوزته تقارير صادمة من وزارة الداخلية عن هول المخاطر التي تتهدد المدرسة المغربية .سارع إلى التصرف والتصحيح كرجل دولة وإدارة، فأحيا الآمال في النفوس ورسم الطريق لمن يأتي بعده 
إلى أي مدى اخفق ونجح ؟ ذاك سؤال تربوي وسياسي.