صبري عبد الحفيظ من القاهرة: يواجه نهر النيل خطر المحو من الوجود تمامًا، بسبب خمسة أخطار واضحة، وهي: انخفاض نسبة هطول الأمطار في دول المنبع، بالإضافة إلى التغيّرات المناخية، ومنها ارتفاع درجات الحرارة واتساع موجة التصحر، وإلقاء السكان والمصانع المخلفات في المدن التي تقع على شاطئيه من المنبع حتى المصب، فضلًا عن زيادة عدد السدود، وخاصة سد النهضة الأثيوبي.

كشف تقرير وثائقي أعده فريق عمل في "بي بي سي" بقيادة بيتر شوارتزشتاين، عن تعرض نهر النيل للكثير من المخاطر التي باتت تهدد وجوده.

وأوضح التقرير أن أخطر ما يهدد النهر الأطول في العالم، هو انخفاض كمية الأمطار التي تهطل على هضبة الحبشة في إثيوبيا، لاسيما أنها تشكل أكثر من 80 في المئة من مياهه، مشيرًا إلى أن "موسم "الميهير"، وهو موسم الأمطار الطويل الذي يقع في فصل الصيف، يتأخر قدومه بمرور السنين، كما توقف هطول الأمطار في أشهر الشتاء والربيع تمامًا".

وحسب التقرير، فإن ما سماه "صراع السدود" يعتبر أحد أخطر عوامل اضمحلال نهر النيل، ومنها سد مروي، وسد أسوان، لكن أكثرها تأثيرًا هو سد النهضة الإثيوبي، الذي يزيد طوله عن الميل وبامكانه توليد 7 غيغاواط من الطاقة الكهربائية".

وينظر الإثيوبيون للسد "على أنه رمز ملموس لتعافي بلادهم من الذل الذي عانت منه ابان مجاعات الثمانينيات والتسعينيات". 

وحسب التقرير، فإن "المنطقة التي يقع بها السد تنتابها غمامة من التوتر، بسبب ترحيل الحكومة الإثيوبية عشرات الآلاف من القرويين من أجل تأجير أراضيهم لشركات الزراعة الأجنبية".

ولكن بالنسبة لمصر، البلد الذي تطغى الصحاري على معظم مساحته، ينظر إلى سد النهضة وإمكانية أن يؤدي إلى خفض منسوب النهر، بوصفه خطرا وجوديا".

اشترى المصريون مؤخراً سفينتين حربيتين فرنسيتين من فصيلة "ميسترال" لهما القدرة على ضرب الأهداف البعيدة، وذلك في خطوة يقول محللون إنها تهدف – جزئياً على الأقل – إلى إيصال رسالة إلى أثيوبيا.

ولكن السياق التاريخي يشير إلى أنه عادة ما يتم حل النزاعات المائية بشكل سلمي.

ووفقًا للتقرير، فإن توسّع المدن حول نهر النيل في الدول التي يمر بها يمثل خطرًا عليه، لاسيما مع ازدياد كمية المخلفات الناتجة عنها، ومنها مدينة الخرطوم، التي لم يتم توسيع شبكة الصرف الصحي فيها منذ عقود.

ونتيجة غياب مرافق التعامل مع الفضلات، تعمد الشركات والمصالح والمصانع إلى رمي القاذورات والفضلات، من المخلفات السامة في مياه النيل الملوثة أصلاً بالمواد الكيميائية.

وفي مصر، ارتفع عدد السكان أربع مرات منذ عام 1960 إذ بلغ اليوم 104 ملايين نسمة (باحتساب المصريين في الخارج)، أما أثيوبيا فيزيد عدد سكانها بمعدل 2,5 مليون في العام. وتشير التقديرات إلى أن عدد سكان وادي النيل سيتضاعف ويبلغ 500 مليون نسمة بحلول عام 2050.

وأشار التقرير إلى أن هذه المخلفات السامة، أدت إلى القضاء على الكم الأكبر من الأسماك التي كان الصيادون يعتمدون عليها، لافتاً إلى "أن المياه في المسار النهائي للنيل مسممة إلى حد لا تتمكن فيه إلا القليل من المخلوقات أن تبقى على قيد الحياة، كما يقول الصيادون".

وبسبب التغيّرات المناخية، ومنها ارتفاع درجات الحرارة، وزحف ظاهرة التصحر نحو النيل، فإن النهر بات في خطر محدق، و"تمددت الصحراء بمسافة 120 كيلومترًا في الأحراش الواقعة إلى الجنوب من الخرطوم في السنوات الـ 30 الأخيرة، حسب ما يقول برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة. كما تستمر درجات الحرارة بالارتفاع بشكل ملفت، مما يزيد من نسبة التبخر في النيل".