نصف قراء "إيلاف" متفائلون بدور كبير يؤديه مشروع نيوم الضخم في ترسية السلام في الشرق الأوسط، فالخشية من الإرهاب الإقليمي المتصاعد بسبب إيران ووكلائها المحليين تؤثر فعليًا في منسوب الأمل بالمسقبل.

الرياض: في الرابع والعشرين من أكتوبر الماضي، جلس ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مبتسمًا في منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" بالرياض، وفاجأ الجميع بمشروع "مدينة المستقبل" أو "نيوم" كما سماها، وهو المشروع المولود من رحم التطلعات الطموحة لرؤية السعودية 2030. و"نيوم" مستقى من "نيو" (Neo) أي جديد بالإنكليزية، وحرف (m) أول حرف في كلمة مستقبل بالعربية.

إنه مستقبل جديد يرسم ملامحه مشروع طموح، يأتي على شكل مدينة تمتد خارج حدود المملكة، على أراض مصرية واردنية، قيمته 500 مليار دولار، ويساهم فعليًا في نقل السعودية من اقتصاد معتمد على النفط إلى اقتصاد معرفي منوع الموارد، يؤدي فيه القطاع الخاص الدور الأول والأساس في توليد فرص العمل للشباب السعودي داخليًا، ويكون جسرًا سعوديًا للسلام في أقليم لا يهدأ.

إنه المستقبل

في استفتائها الأسبوعي، سألت "إيلاف" قراءها: "هل ترى في مشروع السعودية العملاق "نيوم" جسرًا للسلام في الإقليم؟". شارك في هذا الاستفتاء 1453 قارئًا، أجاب ٧٢٩ منهم بـ"نعم"، أي 50.2 في المئة، فيما أجاب ٧٢٤ مشاركًا بـ "كلا"، أي ٤٩.٨ في المئة.

في أثناء المنتدى الذي أعلن الأمير محمد بن سلمان خلاله المشروع، قالة إن مدينة "نيوم" ستكون أول مدينة رأسمالية في العالم، "هذا أمر فريد سيحدث ثورة في عالمنا اليوم".

يقع هذا المشروع شمال غرب المملكة، على أراض سعودية ومصرية وأردنية، وهذا يعني وفقًا للكثير من المحللين في الاقتصاد السياسي أن "نيوم" ستجاور البحر الأحمر وخليج العقبة والممرات البحرية التجارية، وبالتالي ستكون بوابة لجسر الملك سلمان المقترح الذي سيربط مصر بالسعودية، كما ستكون في متناول 70 في المئة من سكان العالم، يصلونها في 8 ساعات.

تركز "نيوم" على 9 قطاعات استثمارية متخصصة: مستقبل الطاقة والمياه؛ ومستقبل التنقل؛ ومستقبل التقنيات الحيوية؛ ومستقبل الغذاء؛ ومستقبل العلوم التقنية والرقمية؛ ومستقبل التصنيع المتطور؛ ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي؛ ومستقبل الترفيه؛ ومستقبل المعيشة، بحسب وكالة الأنباء السعودية، وبالتالي سيعمل على جذب الاستثمارات الخاصة والشراكات الحكومية.

ما يميز نيوم بعليًا هو أن المدينة لن تتبع القواعد المعمول بها في بقية السعودية، بل ستوفر لسكانها نمط حياة أكثر تحررًا، من حيث السماح بالحفلات الموسيقية والأنشطة الترفيهية، كما سيكون لها هيئتها التنظيمية الخاصة، مع إطار تنظيمي مصمم لتوفير القوانين الاستثمارية المثلى ضمن فئتها، إضافة إلى تطوير القطاعات الاقتصادية المستهدفة، واعتماد التقنيات المستقبلية كحلول التنقل الذكية، والأساليب الحديثة للزراعة وإنتاج الغذاء، والرعاية الصحية التي تركز على الإنسان وتحيط به من أجل رفاهيته، والشبكات المجانية للإنترنت ضمن "الهواء الرقمي"، والتعليم المجاني المستمر على الإنترنت بأعلى المعايير العالمية، الخدمات الحكومية الرقمية المتكاملة.

متقدم جدًا

لا شك في أن "نيوم" مشروع متقدم جدًا على الخارطة الجيو-سياسية الإقليمية. فبحسب المراقبين، لا تريد الرياض من وراء هذا المشروع تحقيق خطوات حثيثة على طريق الانفتاح والإصلاح الاقتصاديين فحسب، إنما تحقيق إصلاحات اجتماعية غير مسبوقة. تقول "الوطن" السعودية إن المشروع "يأتي في إطار التطلعات الطموحة لرؤية 2030 بتحول المملكة إلى أنموذج عالمي رائد في جلب عددٍ من الصناعات والتقانة، داخل مشروع نيوم ستركز على عدة قطاعات استثمارية أبرزها ما يحلم به شباب الوطن في عقلية رائد الشباب الأمير محمد بن سلمان".

أما "الرأي" الأردنية، فرأت في "نيوم" مشروعًا طموحًا سيغير وجه المنطقة وينقلها من حالة اليأس والدمار إلى آفاق رحبة، "وربما سيحتاج المشروع إلى وقت كي تتضح الصورة أكثر خصوصًا في ما يتعلق بالتفاهمات التي سيتم التوصل إليها بين حكومات الدول المعنية في المشروع، وهو ما سيكون على شكل اتفاقيات تحتاج لأن تأخذ صفة خاصة تتجاوز قوانين وأنظمة الدول وربما دساتيرها".

أما الصحفية المعروفة راغدة درغام، فكتبت في صحيفة "القدس" الفلسطينية أن "طرق أبواب الغد بمثل هذه الشراكات المهمة بهدف أن تكون السعودية الدولة السبّاقة عالميًا لاستقبال المستقبل عمليًا وفعليًا في مدينة على البحر الأحمر، هدفها الانفتاح بقفزة نوعية، إنما هو تطور يستحق التمعن عند التدقيق في المسيرة السعودية. إنها وثبة من ماضي السكون إلى مستقبل الاستكشاف والمغامرة".

وكتب الصحافي الللبناني راجح الخوري في "الشرق الأوسط" أن نيوم هو "سيليكون فالي سعودي لكن باختصاصات أشمل، لأنه يشكِّل ورشة لنمط متميِّز في طبيعة الحياة، وهي ورشة ضرورية جدًا لدفع العمل في تسعة قطاعات استثمارية متخصصة، تستهدف مستقبل الحضارة، ليس في المملكة وحدها ولا في المنطقة وحدها؛ بل في العالم كله".

خشية

ربما هذه الشهادات هي ما يحث نصف قراء "إيلاف" على اعتبار نيوم جسرًا للسلام في الإقليم الملتهب. في المقابل، ومع استمرار السكوت الدولي على ما تشكله إيران من خطر إقليمي ومن تهديد حقيقي للسلام في المنطقة بأطماعها التوسعية، وتصديرها الإرهاب من خلال وكلائها المحليين في بلدان عدة، وزرع الخلايا الإرهابية في بلدان الخليج، يبدو أن هذا المشروع، وغيره من المشاريع التنموية المماثلة، في دائرة الخطر، لأنه لا يتلاءم مع أطماع إيران، بل يقف حجر عثرة في وجه مخططاتها.

فهذا المشروع يزرع أملًا كبيرًا في البلدان العربية، خصوصًا أنه ليس محصورًا في الأراضي السعودية وحدها، ولا يقتصر النفع منه على السعودية فحسب، بلا يتجاوزها جغرافيًا إلى مصر والأردن، ومعنويًا واقتصاديًا إلى دول الإقليم كلها.

إن الخشية من تدهور كبير في وضع منطقة الشرق الأوسط، إذا استمرت إيران في تعنتها ودعمها تنظيمات إرهابية عدة في أماكن مختلفة من العالمين العربي والإسلامي، يدفع العديد ن قراء إيلاف إلى التوجس والتريث قبل أن يسير وراء حلم بضخامة مشروع "نيوم".