لا أحد يصدق أن بغداد التي يراها هذه الأيام هي نفسها بغداد قبل عشرة أيام على الأقل، فهذه المدينة الصاخبة المزدحمة والفوضوية بكل شيء أصبحت أكثر المدن هدوءًا ووداعة وفراغًا، فقد غادرها معظم أهلها، فيما لزم الباقون مساكنهم، في وقت تعطلت فيه الدوائر الحكومية والمدارس بشكل عفوي، مثلما تعطلت الحياة، ولم تعد هنالك غير الفراغات تسود الواقع.

إيلاف من بغداد: نهارات بغداد ولياليها هذه الأيام لا تشبه أي نهارات وليالٍ لهذه المدينة، التي ما عرفت الهدوء ولا استكانت للظروف، لكنها حاليًا.. تعيش حالة من السكون والفراغ الغريب العجيب، الذي يتسيد كل شيء فيها، حتى إن زائرها سيعتقد أن المدينة خلت من أهلها، حيث الشوارع الرئيسة والتجارية خالية، ومراكز المدن غاب عنها الناس إلا ما ندر من عابرين فرادى هنا وهناك، والأحياء السكنية، سواء في الكرخ أو الرصافة هادئة تمامًا، وربما موحشة، وصار بإمكان أي شخص أن يقطع أي مسافة يريد داخل بغداد في وقت قياسي جدًا، لن تتوقف فيه السيارة ولا أية لحظة، فالشوارع شبه خالية من المارة والسيارات، وغالبية المحال التجارية مغلقة، والأحياء السكنية يشعر الماشي في طرقاتها بأنها هامدة من دون أية حركة، والأسواق شبه مغلقة، وكأنه حظر غير رسمي للتجوال... أما السبب إزاء هذا كله، فهو توجّه أهالي بغداد صوب مدينة كربلاء لأداء مراسم زيارة أربعينية الإمام الحسين، وسط استنفار حكومي وشعبي للخدمة لنقل أضخم تجمع بشري في العالم.

قلت لصديق لي تعالَ نتجول في أرجاء بغداد، بدأنا، في وقت العصر، من أطراف الكرخ، ليس هنالك إلا بعض سيارات تمر في الشارع العام، بين واحدة وأخرى مساحة عشرات الأمتار، فيما المحال التجارية مغلقة، لا مقهى في المكان ولا مطعم ولا دكان لبيع المواد الغذائية ولا غيره، بل إن الباعة الجوالين من أصحاب العربات و(البسطيات) غابوا عن المشهد. 

بغداد كما لم يشهدها أبناؤها من قبل

قال صاحبي: "لمن يبيعون، إن لم يكن هنالك أحد"، ثم أضاف بعدما تجاوزنا مسافة كبيرة نحو مركز بغداد: "ما أجمل الشارع، فأنا للمرة الأولى أقود السيارة بهذه السرعة، ومن دون أن يوقفني الزحام". 

ثأرًا من الزحام
كانت الأمكنة التي نمر بها في غالبيتها خالية، شاهدنا مخبزًا مفتوحًا، وحتى حين مررنا من المستشفى لم يكن هنالك العدد الكبير من الناس الذين نشاهدهم يوميًا، حتى إن صاحبي علق قائلًا (لا مرضى هذه الأيام). 

انطلقنا إلى نهاية الطريق المؤدي إلى مركز الكرخ، وكانت الحال نفسها، لا زحام ولا باعة جوالين ولا متسولين حتى، خاصة في المكان الذي يشتهر بمثل هذه العلامات، ثم انطلقنا إلى الرصافة، ابتسمنا معًا، ونحن نعبر الجسر من دون توقف، وهو المعروف بزحامه طيلة النهار وإلى وقت متأخر من الليل، ليس هنالك من ناس ولا سيارات إلا قلة قليلة، ربما هي الأخرى تتجول لمجرد التجول، كما قلت لصاحبي، وحين دخلنا منطقة شعبية معروفة بصخبها، لم نجد من المحال إلا بائع خضر، هنا تعمد صاحبي أن يسأل أحدهم: "أين الناس؟"، فأجابه: "كلهم مشوا إلى كربلاء"!.

مررنا في العديد من الأماكن المعروفة باكتظاظها، كانت شبه خالية، ليست هناك سوى الأضواء والهدوء والفراغات الكثيرة التي لم يعتدها المواطن العادي. 

يقول محمد الساعدي: أعتدنا على الزحام من أول النهار إلى آخر الليل، لا نستطيع أن نسير بانسيابية، وكل يوم نتأخر على الدوام، لكن قبل نحو أسبوع الأمور تغيّرت، فأنا أجيء من بيتنا في أطراف بغداد بسهولة، الشوارع خالية تمامًا، حتى إنني أصعد بسيارتي وأسير بها في الشوارع انتقامًا من أيام الزحام.

أضاف: "إنه موسم المشي إلى كربلاء لمعانقة كربلاء واستذكار حادثة إرجاع رؤوس الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه لكي تدفن مع الأجساد التي تركت لمدة 40 يومًا، أنا سأمشي، ولكن في يوم الجمعة، وهو يوم المناسبة – الأربعينية".

سبب فراغ بغداد توجه السكان نحو كربلاء

فيما قال أحمد إبراهيم: منذ أيام، والناس ذهبوا مشيًا على الأقدام إلى مدينة كربلاء، وهذا لا ينطبق على بغداد، بل على غالبية المحافظات، التي إن ذهبت إليها فستجد حالها حال بغداد: هادئة وبلا زحامات. أضاف: أتمنى من الحكومة أن تستفيد من الظاهرة لمعالجة الزحامات، وتعرف أين يمكنها أن تبني المدن للتخفيف عن مدينة بغداد.

تعليقات فايسبوكية
إليكم بعض تعليقات رواد موقع فايسبوك للتواصل الاجتماعي حول إفراغ بغداد من سكانها:

- بغداد.. تخبل، فراغ وهدوء مع طقس معتدل يسوي واهس للطلعة والمشي وأي شيء.

- والله أنا أمشي مشي غير طبيعي، تصور من شارع أبو نؤاس لشارع عدن. ومن ساحة بيروت لكرادة مريم وخاصة بالليل. المشي رياضة رائعة جدًا.

- زيارة قوم عند قوم فوائد!!

- والله يا خويه لعبتها اليوم نطلع ونفرفر غير الشوارع صايره اتخبل اتصور البارحة دخلت سيطرة الكاظمية بالسيارة بدقيقتين والهسه ما مصدگ واعتبرها معجزة.

- الشوارع مبتهجة بهذا الهدوء 
- أين راح الشعب؟
أما أطرف تعليق حول واقع بغداد فهو ما قاله أحدهم بأن صديقه السني قال مازحًا: (بغداد تخبل بدون الشيعة!!).