«إيلاف» من سلا: قال أحمد شحلان، المؤرخ المختص في الأديان المقارنة و الباحث في الديانة اليهودية و الفكر الإسرائيلي، إن الوجه العلمي لليهودية ظهر مع الحضارة الإسلامية، حيث أنها قبل الإسلام لم تكن إلا دين طقوس، لتصبح بعد ذلك يهودية فكر، بفضل الثقافة العربية الإسلامية التي أنشأت في الديانة اليهودية الجانب الفكري، من خلال مبادرة المسلمين باتجاه فتح المدارس والمساجد والزوايا لصالح اليهود.

التأثر بالإسلام

و أضاف شحلان في محاضرة حول مؤلفه"قضايا، من أصول موسى إلى البابا بندكت السادس عشر" أن اليهودية تأثرت بالحضارة الإسلامية، على اعتبار أن الديانات لا تنفصل عن السياق الحضاري و تتأثر بالمحيط الثقافي، مستدلا على ذلك بما مثلته الأندلس من حضن لهذا التلاقح من خلال الإمام ابن حزم، و صلته بابن عزرة وآخرين.

و اعتبر شحلان أن الدراسات اليهودية قبل الإسلام ضعيفة جدا، فابن حزم انتقد التوراة تاريخيا وجغرافيا واجتماعيا، ليصبح ابن خلدون تلميذا له في هذا الباب في نقده للتاريخ.

واوضح شحلان قائلا "ابن حزم كان رجلا مشافها، وكثير من الأخبار التي جاءت في"طوق الحمامة" هي مشافهة بينه وبين اليهود، بعده ظهر أبراهام بن عزرة في قرطبة، أول يهودي في الغرب الإسلامي وضع في مقدمة شروحه لأسفار التوراة، ذكره الفيلسوف اسبينوزا في نقده للتوراة، ليصبح الأخير تلميذا لابن حزم عن طريق بن عزرة".

واعتبر شحلان أن اليهودية ليست المصطلح الذي يطلق على الدين الذي يتبعه اليهود كما هو متعارف عليه، فكلمة اليهودية لم تظهر إلا بعد انقسام مملكة النبي سليمان بين ابنيه، لتصبح مملكة الشمال ومملكة الجنوب . وقال "من أطلقوا مصطلح اليهودية على الدين هم الرومان، فضلا عن كونه غير وارد في التوراة، التي ذكر فيها مصطلح "دين موسى".

جانب من الحضور

 

اللسان اليهودي

و نفى شحلان في المحاضرة التي ألقاها في رحاب مؤسسة أبو بكر القادري للفكر والثقافة بمدينة سلا مساء الجمعة أن يكون نبي الله موسى على دراية باللغة العبرية، لكونه فر من مصر لمدين في الجزيرة العربية ومكث بها نحو 40 سنة.

واضاف قائلا"عاد لمصر على رأس الثمانين، وذهب مباشرة للمكان الذي كان يشتغل فيه العبرانيون بتكسير الحجر، والسياق يبين أنه كان يحادث المشرف على العمل بلغة غير عبرية، وبالتالي لا توجد أي صفة في التوراة للغة العبرية، بل المصطلح المذكور هو اللسان اليهودي".

و حول كيفية تعامل الحضارة الإسلامية مع نصوص التوراة، قال شحلان إن المشارقة اهتموا بالتوراة، لكنهم لم يفهموا بالضبط ماهية التوراة، متسائلا عن ماهية اللغة التي كان يهود الجزيرة العربية يتعاملون بها من خلال النصوص.

وحول ما إذا كانت عربية أم عبرية؟

ويرى شحلان ان اليهود قرؤوا التوراة بالعربية أكثر من العبرية، لأنه وقبل 850 قبل الميلاد لم يبق للعبرية أي استعمال، وبالتالي لم يعودوا يعرفونها، لذا فالتوراة التي كانوا يعتمدونها آنذاك كانت بالآرامية.

اليهود والثقافة العربية الإسلامية

و أكد أن الإسلام هو الديانة الوحيدة التي عانقها اليهود وأقبلوا عليها، لتصبح التوراة بالعربية، وتصبح ثقافتهم عربية إسلامية، خاصة أنهم درسوا في المدارس و الزوايا.

و زاد قائلا "المجتمع اليهودي تأثر بنظيره الإسلامي، خاصة أن هذا الأخير كان يتميز بوجود قطبي للفكر ويتعلق الأمر بكل من الغزالي وابن رشد، لتبرز ظاهرة"القراؤون" في القرن الثامن، إبان الدولة العباسية، والذين تأثروا بعلم الاعتزال الإسلامي، علم مدقق في الفلسفة، و أطلق عليهم هذا الإسم لأنهم كانوا يستخدمون كلمة"قرآن" ويقصدون بها التوراة.

اليهود المغاربة

وعن يهود شمال إفريقيا خاصة المغاربة، قال شحلان إنه ليس هناك دليل على وجود هجرة أو تهجير لليهود من فلسطين نحو شمال إفريقيا، و الثابت أن الفنيقيين الذين هاجروا كان فيهم بعض اليهود، و أشار الى أن اليهودية حينها كانت تبشيرية لا عرقية، وأن معظم يهود المغرب لا علاقة لهم بفلسطين، فاليهود لم يكتبوا تاريخهم القديم إلا بعدما تأثروا بالكتابة الألمانية، لذا يمكن اعتبار اليهودية دعوية بالتبشير وليست بالتهجير أو العرق، مشيرا الى أن أغلب المخطوطات اليهودية في مكتبات العالم ألفها يهود لكن بفكر و ثقافة عربية إسلامية.

و بخصوص تعايش اليهود مع المغاربة، سرد شحلان قصصا لعلاقات إنسانية تجمع بين هذين المكونين للمجتمع المغربي، و أفاد أن شرارة العداء بدأت سنة 1861 حينما أنشأ الاتحاد العالمي الإسرائيلي أول مدرسة نظامية في مدينة تطوان، و لاحقا بمدن مغربية أخرى، كان هدفها تكوين الأطر الأولى لفائدة الدولة الفرنسية آنذاك، مما استفز المغاربة الذين اعتبروا أن اليهود يسيرون في ركب المستعمر الفرنسي، وهو الأمر الذي كان يعارضه الأحبار المغاربة الذين لا يتفقون مع هذا المنهج.

من جهته، اعتبر الكاتب والباحث حسن اوريد أن المؤلف وقف عند كثير من الطقوس والعادات، مع قراءة متأنية لنصوص مضامينها باللغة العبرية، و منها نشأة الحركة الصهيونية والسياق الذي برزت فيه، فضلا عن إبراز الجانب الآخر الذي وقف ضدها داخل العقيدة اليهودية.

و أفاد أوريد أن المؤلف مكتوب بلغة علمية وهو ما نحتاجه اليوم، من طرف شخص مثير للجدل، والذي ينطلق من زاوية علمية، عكس المنظور الإيديولوجي لمعارضيه، مضيفا أن صيته في الخارج فاق الداخل.