مجدي الورفلي من تونس: عادت تونس الى جدل ما يُعرف بمشروع "قانون تجريم الإعتداء على رجال الشرطة"، والذي يوصف من طرف أغلب الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات المحلية والدولية بكونه "مشروع قانون يؤسس لدولة بوليسية".

كما انه في تقديرهم "يمثّل خطرا على ما أتت به ثورة 14 يناير 2011 من حريات فردية وجماعية وخاصة حرية التعبير التي تُصنّف كأكبر مكسب بعد سقوط نظام بن علي المعروف بقمعه للصحفيّين وإعتماد سياسة تكميم الأفواه".

مشروع القانون الذي طرحته وزارة الداخلية التونسية منذ سنة 2015 وتقول ان هدفه توفير الحماية لرجال الشرطة والقوات الحاملة للسلاح ولعائلاتهم من الإعتداءات الإرهابية وعمليات الإنتقام التي يمكن ان تطالهم بسبب عملهم كرجال شرطة، عاد من جديد الى سطح الأحداث بعد حادثة طعن تعرّض لها رجلي شرطة بداية الشهر الجاري قرب مقرّ البرلمان بضواحي العاصمة تونس من طرف متشدد، وادت الى وفاة أحدهما وفق ما أعلنته السلطات.

وإثر حادثة الطعن مباشرة، اعلن البرلمان التونسي ان مشروع قانون تجريم الإعتداء على رجال الشرطة سيكون أولويّته خلال هذه الفترة، ووضع رئيس البرلمان محمد الناصر نهاية شهر نوفمبر الجاري كاجل أقصى لتبينه خلال جلسة عامة، بعد أن كان مشروع القانون يُطرح للنقاش داخل اللجنة البرلمانية المعنية منذ سنة 2015 ومن ثمّ يُترك جانبا نظرا للجدل الكبير الذي يحدثه والمعارضة الشديدة له من طرف الاحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات المحلية والدولية.

حياة المواطنين في خطر

الأمين العام لحزب "حركة الشعب" المعارض والنائب بالبرلمان زهّير المغزاوي، إعتبر في تصريح لـ"إيلاف" ان مشروع قانون تجريم الإعتداء على رجال الشرطة وما يتضمّنه من عقوبات شديدة بتهم فضفاضة، سيمثّل تهديدا حقيقيّا لكل الحريات سواء تلك الفردية او الجماعية ويمكن إستعمال القانون في حال تبينه لقمع المعارضين للسلطة او إسكات الأصوات التي تفضح الممارسات العنيفة لبعض رجال الشرطة وإعتداءاتهم على المواطنين.

ووفق النائب المعارض، فإن القانون الجزائي التونسي يتضمّن فصولا تنصّ على عقوبات كافية لحماية رجال الشرطة بإعتبارهم موظفي دولة مما يجعل إفرادهم بقانون خاصّ بهم غير ضروري، ولكنه في المقابل رأى ان ما يستوجب التدارك هو توفير الحماية الإجتماعية والمادية لهم ولعائلاتهم في حالة إصابتهم او وفاتهم أثناء عملهم وهو ما لا يوفّره مشروع القانون المطروح.

وأشار المغزاوي الى أن مشروع القانون يتضمّن فصولا خطيرة جدّا حتى على حياة المواطنين، واخطرها على الإطلاق ذلك الذي يمنح رجال الشرطة الحقّ في إستعمال القوة التي تصل حدّ القتل في حالة تعرّضهم لتهديد دون الخضوع لأي تتبعات جنائيّة فيما بعد، وحتى ان كان التقدير بالتهديد خاطئا بإعتماد المشروع على صيغ واسعة وفضفاضة من شأنها استيعاب كل الأفعال التي نتج عنها قتل رجل الشرطة لمواطن.

وينصّ الفصل 18 من مشروع قانون تجريم الإعتداء على رجال الشرطة على انه "لا تترتب أية مسؤولية جزائية على عون القوات المسلحة الذي تسبب عند دفعه لأحد الاعتداءات... في إصابة المعتدي أو في موته، إذا كان هذا الفعل ضروريا لبلوغ الهدف المشروع المطلوب تحقيقه حماية للأرواح أو الممتلكات، وكانت الوسائل المستخدمة هي الوحيدة الكفيلة برد الاعتداء وكان الردّ متناسبا مع خطورتـه".

ضرب لحرية الصحافة

عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين في تونس زياد دبار إعتبر في حديثه لـ"إيلاف" ان مشروع القانون المطروح ليس له اي صلة بحماية رجال الشرطة او عائلاتهم، بل هو مشروع خطير ينسف كل ما تحقق في مجال الحريات وحرية الصحافة أساسا، حيث ذكر ان مشروع القانون يتضمن عقوبات سالبة للحرية لأي شخص وان كان صحافيا يقوم بتصوير سيّارة شرطة او توثيق إعتداء جسدي من طرف رجل شرطة على مواطن.

ويفرض الفصلان الخامس والسادس من مشروع القانون أحكامًا بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات، وغرامة بـ 50 ألف دينار (حوالى 21 ألف دولار)، على من يفشي أو ينشر أسرار الأمن الوطني والتي يعرّفها الفصل الرابع من المشروع بـ"جميع المعلومات والمعطيات والوثائق المتعلقة بالأمن الوطني، والتي يجب ألا تكون معلومة إلا ممن له الصفة في استعمالها أو امتلاكها أو تداولها أو حفظها".

فيما ينص الفصل الثامن على أنه "عاقب بالسجن من شهرين إلى سنتين لكل من يقوم بتصوير منشأة امنية او عسكرية او عربة أمنية دون ترخيص مسبق"، اما الفصل 12 فينصّ على عقوبة السجن لمدة عامين كاملين، وغرامة تصل إلى 10 آلاف دينار (حوالى 4000 دولار) لمن يثبت عليه "تعمّد تحقير القوات المسلحة بقصد الإضرار بالأمن العام".

النقابات الأمنية تهدّد

منذ عملية الطعن التي طالت الشرطي ووفاته، نظمت النقابات الأمنية التي ظهرت في تونس إبان سقوط بن علي مظاهرات في كل محافظات البلاد لمطالبة البرلمان بتبني مشروع القانون في أسرع وقت، وهددت النقابات الأمنية في بيان مشترك إطلعت عليه "إيلاف" برفع الحماية عن كل النواب ورؤساء الأحزاب الممثلة في البرلمان بداية من يوم 25 نوفمبر الجاري، في حالة عدم تبني مشروع القانون داخل الجلسة العامة للبرلمان.

الكاتب العام لنقابة الحرس الوطني سامي القناوي أكد في تصريح لـ"إيلاف" ان عائلات رجال الشرطة والدرك الوطني الذين قُتلوا اثناء عملهم أصبحوا يعانون الخصاصة والفقر وهو ما يجعل من الضروري تكفل الدولة بتعويض الضرر المادي الذي يحصل للقوات الحاملة للسلاح خلال أداءهم واجبهم بالإضافة الى توفير الضمانات القانونية لهم للدفاع عن انفسهم وعن المؤسسات والمنشآت العمومية التي يحرسونها دون الخوف من تتبعهم عدليّا.

يرى النقابي الأمني ان القوانين الموجودة والتي تجرم الاعتداء بشتى أنواعه على الموظف العمومي ومن بينهم رجال الشرطة غير كافية، واعتبر انه لا مجال للمقارنة بين الخطر الذي يواجهه عون بريد ورجل شرطة وهو ما يستوجب تشديد العقوبات على الاعتداءات التي قد تطال رجل الشرطة الذي يواجه خطر القتل في كل لحظة.

الخروج بقانون توافقي

رئيس لجنة التشريع العام، وهي اللجنة البرلمانية المكلفة بمناقشة مشروع تجريم الإعتداء على رجال الشرطة، الطيب المدني، اشار في تصريح لـ"إيلاف" ان اللجنة إنطلقت في الإستماع لكل الآراء وخاصة منها المعارضة للمشروع، كما أكد انه لا مجال للمساس بحقوق الإنسان والحريات الفردية التي إكتسبها التونسيون مهما كان التعلّة.

لكنه في المقابل إعتبر ان اللجنة ستعمل على الخروج بقانون توافقي ويحظى برضا كل الأطراف، يضمن من جهة عدم التعدي على الحريات والحقوق الفردية والجماعية، ومن جهة يحمي رجال الشرطة وعائلاتهم ويضمن حقوقهم المادية والإجتماعية ومن ثم إحالته على الجلسة العامة لتبنيه قبل نهاية الشهر الجاري كما أعلن رئيس البرلمان فور العودة لمناقشة المشروع داخل اللجنة.

يُذكر أن مشروع القانون المرفوض من طيف واسع في تونس، طُرح آخرة مرة للنقاش داخل لجنة التشريع العام بالبرلمان الصيف الماضي، وذلك بعد حرق سيارة شرطة بمحافظة سيدي بوزيد من طرف محتجين ووفاة ملازم كان داخلها، ولكن سرعان ما تم تعليق النقاشات بخصوصه بسبب احتدام الجدل، والمعارضة الواسعة له من المجتمع المدني الذي اعتبره مدخلا لانتهاك غير مسبوق للحقوق والحريات.