نصر المجالي: أكد مشاركون في احتفالية أقامها منتدى الفكر العربي في عمّان بالتعاون مع مركز "تعلم واعلم" للأبحاث والدراسات وعقد المؤتمرات والندوات والدورات، بمناسبة يوم الفلسفة العالمي واليوم الدولي للتسامح ،على ضرورة إدخال الفلسفة في المناهج التعليمية وتأكيد مفاهيم التسامح وقبول الآخر.

وفي احتفالية يوم الأحد التي شارك فيها متخصصون وباحثون أكاديميون في الفلسفة والعلوم، أكد الأمين العام للمنتدى والوزير الأسبق الدكتور محمد أبوحمور، الذي أدار الندوة، أن الدولة المدنية والمواطنة المتكافئة والتعددية والعدالة الاجتماعية ضد الفتن والتشرذم. 

كما شدد على ضرورة الربط بين السِّلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والتداخل بين المعارف الإنسانية، وقال إن النهوض يحتاج إلى تشخيص أسباب المشكلات وتأكيد النزعة الإنسانية في الفلسفة.

وقال الدكتور أبو حمور إن الاحتفاء بهاتين المناسبتين يرتبط بصميم محتوى رسالة المنتدى وأهدافه ومشروعاته ومنطلقات خطابه الفكري، منذ تأسيسه قبل (36) عاماً، وخاصة في ما يتعلق بدور الفكر ودوره في ترسيخ الوعي بالقضايا الأساسية في الوطن العربي، ودراستها، وتعزيز الحوار حولها، والتعاون في معالجتها، واقتراح الحلول والخطط والتصورات المناسبة لمشكلاتها؛ مشيراً إلى تأكيد منظمة اليونسكو لدور الفلسفة في إعطاء معنى للحياة والعمل في السياق الدولي.

مشكلات التنمية

 وأضاف أن تكوين نظرة علمية عربية نحو مشكلات التنمية بهدف الإسهام في صياغة نظام عالمي جديد قائم على أسس عادلة ومتكافئة، هو أحد أهداف المنتدى الذي يتمثل في بناء الجسور بين الفكر وصناعة القرار والمجتمع المدني، وتأمين المشاركة الشعبية في تنفيذ السياسات العامة، ضمن نهج قائم على استشراف المستقبل وتحدياته، وهو ما عبَّر عنه الإنتاج الفكري للمنتدى من مؤتمرات وندوات ولقاءات ودراسات ومشاريع فكرية مثل "الميثاق الاجتماعي العربي" (2012)، و"الميثاق الاقتصادي العربي" (2015)، وكذلك "الميثاق الثقافي العربي" المقبل.

وقال د. أبوحمور إن من أهم مرتكزات هذه المواثيق ضرورة الاعتراف بسيادة مفهوم المواطنة المتكافئة، ومفهوم التعددية السياسية والثقافية والاجتماعية في دولة مدنية تحفظ حقوق الجميع وترسخ مبادىء العدالة، بما يضمن القضاء على أسباب الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية التي تهدد مستقبل الأمّة، والربط بين السِّلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، مع ضرورة إدراك أن التداخل بين مكونات المعرفة الإنسانية هي حجر الزاوية في أي مشروع لبناء النهوض الجديد للأمة.

وأكد أن كون التفكير الفلسفي من المصادر المهمة لكل فهم نظري يتعلق بالعالم، فإن ذلك يدعونا إلى مزيد من الجهود كمؤسسات فكرية وثقافية إلى العمل والتعاون لصياغة حلول للتحديات العالمية، وخصوصاً في العالم العربي في هذه المرحلة الانتقالية التي نعيشها. وهو ما دعت إليه اليونسكو كوسيلة للتثقيف والاستنارة ورفض التحيز، والحاجة إلى الفلسفة في مواجهة قضايا السِّلم والتنمية المستدامة من أجل الكرامة الإنسانية.

مقال الامير الحسن

وأشار د. أبوحمور إلى ما جاء في مقال رئيس منتدى الفكر العربي سمو الأمير الحسن بن طلال (بين الإشراق والتنوير؛ أين المصير؟) – جريدة "العرب" اللندنية 4/11/2017 – من ضرورة تحقيق الخير العام الذي يؤسس للحاكمية الرشيدة القائمة على الشورى والحوار، وتجسير الفجوات بين الواقع والطموحات، وبين حرفية الإدارة وروح القيادة ورسالتها، والربط في الدولة المدنية بين التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية، واحترام القانون، وتعزيز المساءلة، وتحفيز القدرة على التخيل والإبداع في التفكير.

وأوضح د. أبوحمور أن إعلان المبادىء بشأن التسامح، الذي أصدرته منظمة اليونسكو (16/11/1995) يتضمن تعهد هذه المنظمة الدولية بتعزيز التسامح واللاعنف باعتبار أن تعزيز التسامح في مجتمعاتنا لا يمثل مبدأً فقط، لكنه ضروري للسلم والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، ويعد واجباً سياسياً وقانونياً، وليس واجباً أخلاقياً فقط.

ودعا إلى إعادة استكشاف تراثنا الفكري العربي والإسلامي والمخزون القيمي الأخلاقي لدينا، وفي ظل الظروف المضطربة التي عانت منها الأمة على مدى سنوات وعقود ماضية، وإلى إعادة النظر في أسباب مشكلاتنا على مختلف الصعد بنظرة مستشرفة لا متقهقرة إلى الوراء حينما نتحدث عن مفهوم النهضة، وإلى إعطاء الفلسفة دورها في فتح الآفاق من جديد لعالم أفضل يقوم على الفهم والتفاهم، وعلى النزعة الإنسانية واستكشاف ثرواتها في بناء الإنسان وتخفيف معاناة المجتمعات العربية.

الفلسفة مطلب

ومن جهته، اعتبر رئيس الوزراء الأسبق ورئيس مجلس أمناء الجامعة الأردنية الدكتور عدنان بدران أن العقل العربي تائه ومنهك في ظل التحديات المصيرية التي تواجه المنطقة، وأنه في خضم الأحداث الجارية في عالمنا العربي تصبح الفلسفة مطلبًا اجتماعيا لقدرتها على التوجيه العقلاني والرؤية السليمة للأمور.

وقال بدران إن وضع الفلسفة والفلاسفة هي في حالة مأزومة، لا تواكب الأزمات المستجدة، والبحث عن أسبابها وآلياتها، والتوصل إلى حلول تنويرية، تعيد الحكمة والعقلانية للعقل العربي التائه والمنهمك في تدبير ذاته، مضيفًا " نحن بحاجة إلى مدرسة فلسفية ونظرة فلسفية نقدية تكشف أسباب الإخفاق، وتنخرط في ثقافة الحداثة .. ثقافة التغيير والتجديد والابتكار، لمواجهة تحديات مصيرية في منطقتنا".

وأشار إلى أن التقدم العلمي والتكنولوجي والنهوض الحضاري الحداثي، أظهر أن الفلسفة يجب أن تعود إلى مكانتها، وأظهرت الحياة الإنسانية العامة أنها بحاجة ماسة لها، معتبرًا أن الفلسفة تحفز العقل والاستقصاء والبحث العلمي، وتكشف الخزعبلات والأوهام والخرافات التي تضلل البحث العلمي والحقيقة، وتوجه مخرجات العلوم للنفع العام على المجتمع، وتربط تقدمنا الحضاري بالأخلاق والسلوكيات بمنع استخدام مخرجات العلوم لتدمير البشر.

جون لوك والتسامح

واشار الدكتور أحمد ماضي المدير العام لمركز "تعلم واعلم" وعضو مجلس أمناء الجامعة الأردنية في ورقته عن (جون لوك والتسامح) : لقد ميز لوك بدقة ووضوح بين مهام الحكم أو الدولة، ومهام الدين، داعيًا إلى تأسيس الحدود الفاصلة والعادلة بينهما. إن للدولة أهدافًا دنيوية، بينما هدف الدين هو خلاص النفوس، ورعاية الأرواح ، ويجب برأي لوك الفصل المطلق بينهما. إن سلطة الحاكم المدني تتعلق بالخيرات المدنية وحسب. "ولا تمت بأية صلة إلى العالم الآخر". ركز لوك على العقل في كلامه على "الدين الحق"، وعزّز رأيه في دور العقل وأهميته.

وأضاف أن التسامح لا ينبغي أن يقوم على أي تمييز مهما يكن. إن الفلسفة تضم أشخاصًا يفكرون على أنحاء مختلفة، وينتمون إلى اتجاهات ومدارس متنوعة، لذللك تمتاز الفلسفة بأنها تعددية لا نلحظها في أي علم من العلوم الإنسانية أو الاجتماعية، إنها تتسع إلى الفلاسفة كافة، سواء أختلفوا أو أتفقوا.

الفلسفة والناشئة

وفي ورقته أوضح المتخصص في تعليم الفلسفة للناشئة والأطفال وأستاذ علم الكيمياء في الجامعة الأردنية سابقاً الدكتور موسى الناظر أن للفلسفة مسؤولية علينا في أن نجعل منها نظاماً تعليمياً تربوياً يحتل منزلة في مسيرتنا التعليمية، ونعد لذلك ما يلزم من كفاءات ومستلزمات، انطلاقاً مما للفلسفة والمنطق من أثر في تنمية مهارات وقيم وسلوكيات نفتقدها في كثير من صغارنا وكبارنا. ودعا إلى تعليم الفلسفة للصغار في مرحلة مبكرة من العمر. 

وأشار إلى أن "تعليم الفلسفة للأطفال" أصبحت حركة عالمية متنامية، وأصبحت لها دوريات متخصصة ومؤسسات، وقد شجعت اليونسكو هذا التوجه بانشاء كرسي اليونسكو في بعض الجامعات لتعليم الفلسفة للأطفال، وتم تطوير مناهج وأساليب لمأسسة هذه العملية، إذ اتضحت آثار ذلك في أداء الطلبة في مختلف المواضيع الدراسية، وعلى أهل الفلسفة مسؤولية مخاطبة الأطفال من خلال تجاربهم وتحفيزهم على التفكير، وتشجيعهم على المعرفة والتجريب والإقدام على الأعمال التي تستدعي عناية تجعل عقولهم تسبق أيديهم.

ثقافة الاختلاف والتسامح

وتناول رئيس قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية د. توفيق شومر دور الفلسفة في بناء ثقافة الاختلاف مع الآخر والاعتراف به، موضحاً أن القرن العشرين هو بداية النهاية لتصور للآخر المختلف أساس الصراعات بين البشر، فخلاله بدأت منظومة حقوق الإنسان تتشكل وبدأ البشر بالتفكير بالقضايا الأساسية المشتركة بينهم، وقد تشكلت على الصعيد الفلسفي نزعة فلسفية إنسانية مناهضة للصراع وداعية للسلم الأهلي.

وقال د. شومر: إنه على الرغم من الكثير من الاعتراضات على مفهوم التسامح كونه يبرز تسامح من أعلى إلى أسفل إلى مفاهيم التسامح الجديدة، لكن هذا الخط يوصلنا إلى المصطلح الجديد في العلاقة بين الأنا والآخر، فالقضية ليست أن يسامح أحدهم شخصاً آخر بقدر ما هي أن يكون هناك قبول وتقبل للآخر المختلف ولما يعبر عنه هذا الآخر إذا لم يكن يمارس أعمالاً عدائية أو إرهابية، ونصل مع هذا القبول والتقبل إلى مرحلة أعلى يعبر عنها بالتساوي الكامل بين الأنا والآخر، فلا استعلاء ولا تمييز وعندها ينتقل المفهوم من التسامح إلى الاعتراف.

وفي الختام، قدم الأكاديمي والباحث المهندس الدكتور أيوب أبو دية ورقة حول التأثير الكنعاني – الفينيقي في الفلسفة اليونانية، محللاً أثر ذلك في اتجاه الكتابة وتطور الفلسفة خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، مشيراً إلى أن تغيير اتجاه الكتابة يمكن أن يؤدي إلى قراءة مختلفة ومحتملة أيضاً للنقوش والآثار القديمة، مما ينتج عنه تأثير هائل في فهم التاريخ.