واشنطن: في سابقة تاريخية، نحج علماء أميركيون بتعديل الكود الوراثي داخل جسم مصاب بمرض مزمن عبر توظيف طريقة القص الجيني، وتستخدم هذه الطريقة الجديدة لمحاولة تغيير التركيبة الجينية داخل الحمض النووي بهدف علاج الأمراض ذات المنشأ الجيني. 

الباحثون نفذوا تجربتهم على المريض برايان مادوكس البالغ من العمر 44 عامًا، بعد أن تسلّم عبر حن في الوريد مليارات من نسخ جين سليم، إضافة إلى وسيلة جينية لتنفيذ عملية القص في نقطة محددة داخل الحمض النووي.

مادوكس يعاني من مرض في الأيض يسمى «مرض هانتر» وقد خضع إلى علاج أسبوعي بحقن الإنزيم، ولهذا يأمل في أن يعزز العلاج الجيني سلامة أجزائه التي لم تتضرر بالمرض، وكان قد أجرى بسبب مرضه 26 نوعاً من الجراحة: جراحات الفتق، وتعديل عظام القدم، وإزالة عظام تضر بعموده الفقري، وفي الأذن، والمرارة.

اضطراب جيني نادر

مرض أو متلازمة هانتر هو اضطراب جيني نادر يحدث عندما يكون إنزيم الجسم مفقودًا أو به خلل، ولأن الجسم ليست لديه إمدادات كافية من الإنزيم الذي يكسر جزيئات معقدة معينة، فإن ذلك يؤدي إلى بناء الجزيئات بكميات ضارة في بعض الخلايا والأنسجة، فيما يقود هذا الحشد الذي يحدث في متلازمة هانتر في نهاية المطاف إلى ضرر تدريجي يؤثر على المظهر، والنمو العقلي.

المرض يظهر لدى أطفال لا تتجاوز أعمارهم السنتين، وقال العلماء إن أولى الإشارات على نجاح الطريقة ستظهر في غضون شهر، بينما يُتوقع أن تبين الاختبارات مدى هذا النجاح فعلاً خلال ثلاثة أشهر. وإن تكللت التجربة بالنجاح، فإنها ستدفع بعمليات العلاج الجيني إلى الأمام بقوة، لأن الأطباء متخوفون من نتائج التدخل الجيني على سلامة الأجيال اللاحقة.

الدكتورة ساندي ماكري، رئيسة شركة «سنغامو ثيرابيوتيكس» التي تشرف على اختبارات لعلاج أمراض الأيض ومرض نزف الدم، قالت إن الجين الجديد «يصبح جزءًا من الحمض النووي لك، ويظل هناك طيلة الحياة»، وهذا يعني طريقًا بلا عودة، لأنه لن يكون بالإمكان تصحيح أي خطأ يحدث نتيجة استخدام هذه الطريقة.

الدكتور أيريك توبول، الخبير في معهد سكريبس للعلوم المتعدية في سان دييغو، قال: «نلعب فعلاً مع الطبيعة ولن نعرف كل جوانب الخطر، إلا أن علينا التقدم لمكافحة الأمراض المستعصية». ومن جهته، قال الدكتور هوارد كاوفمان الباحث العلمي عضو هيئة مراكز المعاهد الصحية الأميركية التي أجازت التجارب، إن خطوات حماية كافية قد اتُخذِت لدرء أية أخطار. أضاف أن عمليات القص الجيني عظيمة الفائدة بحيث لا يمكن إهمالها، وحتى الآن لم تظهر أية دلائل على أنها ستكون خطرة.

لا يوجد حول العالم سوى 10 آلاف مصاب بمثل أمراض الأيض هذه، لأن المصابين يتوفون في ريعان فتوتهم، إلا أن أمثال المريض مادوكس المصابين بمتلازمة «هانتر» يفتقرون إلى جين يصنع إنزيماً مهمته تكسير بعض أنواع الكربوهيدرات، ولذا تتراكم هذه المواد داخل الخلايا مسببة مضاعفات مدمرة في كل الجسم.

انحسار المرض

مضاعفات المرض تظهر على شكل الشعور بالبرد على نحو متكرر، وحدوث عدوى في الأذن، وتشوهات في ملامح الوجه، وفقدان السمع، ومشكلات في التنفس وفي الجلد والعينين وفي العظام والمفاصل والأمعاء والمخ. ويمكن إعطاء المرضى جرعات من الإنزيم المفقود عن طريق الحقن الوريدية لتخفيف بعض الأعراض إلا أن العلاج يكلف ما بين 100 ألف إلى 400 ألف دولار سنويّاً، ولا يمنع مضاعفات المرض على المخ.

طريقة القص الجيني المسماة »كريسبر» تشتهر عالميًا بين العلماء، إلا أن الطريقة الجديدة استخدمت وسيلة أخرى لمجموعة من «نيوكلييز أصبع الزنك» وهي إنزيمات اصطناعية، مشابهة لمقص مكون من جزيئات تنفذ العملية. وتعتمد الطريقة على ثلاثة أجزاء: الجين الجديد، وبروتينين اثنين من «نيوكلييز أصبع الزنك». وزود كل جزء بتعليمات وضعت داخل فيروس معدل بحيث لا يؤدي إلى أية عدوى بل ينقل التعليمات إلى الخلايا.

وأدخلت الملايين من هذه الأجزاء إلى الدم لكي تصل إلى الكبد حيث تستخدم خلاياه التعليمات لصنع «نيوكلييز أصبع الزنك» وتهيئة الجين السليم المصحح للتركيبة الجينية. وبعد زراعة الجين في موقعه يقوم بإصدار التعليمات لإنتاج الإنزيم المفقود ما يؤدي إلى انحسار المرض.

وعلق الدكتور كارل جون البحث بجامعة بنسلفانيا على التجارب بأننا «لا نعرف إن كانت ناجحة تمامًا لأننا لا نزال في مرحلة التعلّم، إلا أن خطوات السلامة تبدو ممتازة».

وكانت مشكلات السلامة رافقت تجارب القص الجينية السابقة، مثل مهاجمة الجهاز المناعي للفيروسات الدخيلة إذ توفِيَت شابة في الثامنة عشرة من عمرها عام 1999 بسبب ذلك. والجانب الآخر المثير للقلق أيضاً هو تأثير الجين الجديد على الجينات الأخرى، إذ أصيب بعض الأطفال باللوكيميا وهو نوع من سرطان الدم لأن الجين المزروع حرض على نشاط جين يحفز على الإصابة بالسرطان. كما تثار مخاوف من احتمال تسلل الفيروسات نحو القلب أو البويضات أو الحيوانات المنوية مسببة الأمراض القاتلة أو الوراثية.