ينتقد محمد عباس ولا يكترث. يصف الصحوة بالحركة السياسية، ويلوم الفن والأدب على انشغالهما بمجابهة التيارات الدينية عن حسن الإنتاج. في هذا اللقاء مع "إيلاف"، يسهب في توصيف الحال، بلا اكتراث. 

اللقاء مع الكاتب محمد عباس لا ينتهي، أو لا تريده أن ينتهي. فهو ناقد أدبي يتابع جميع الأعمال الأدبية، له عديد من الآراء التي ربما لا تعجب البعض. عُرف بصراحته وعدم مجاملته، يقول عن نفسه بأنه متهم بالشعوذة النقدية. له الكثير من الكتب والمقالات نشرها في الصحف.

في حديثه الخاص إلى "إيلاف"، أكد أن الصحوة حركة سياسية، وفي إغلاق ملفها بهذه السرعة تجنّ كبير، وأن الفن والأدب السعوديين انشغلا في مجابهة التيارات الدينية عن الإنتاج ذات المستوى، مشيرًا إلى أن "توافه السوشل ميديا" كما ساهم هم من يتصدرون المشهد حاليًا.

برأيه، رواية "شارع العطايف" رواية مهمة ظلمها كاتبها، والجوائز الأدبية ساهمت في انخفاض المستوى الأدبي، والفنان ناصر القصبي لا يملك وعيًا كاملًا بأهمية الرسالة الفنية.

وتمنى عباس ألا تسيطر "الشللية" في النوادي الأدبي وفي جمعية الثقافة والفنون في الشرقية، وهي النوادي التي ما دعته يومًا إلى رحابها، مؤكدًا أن تصحيح الأخطاء لا يتم بإنتاج خطاب متطرف ضد خطاب متطرف آخر.

في ما يأتي متن الحوار:

ثمة تحول حقيقي يحدث في السعودية. الثقافة والفن حاضران في القرارات الجديدة من خلال الفاعليات الثقافية، سواء من عروض سينمائية أم حفلات غنائية.

الزميل احمد العياد مع الكاتب محمد عباس

لا شك في أن هذا تحول كبير. الفن يتبع ما يتحرك على المستوى السياسي والإجتماعي والتاريخي. نحن نمر في لحظة مفصلية تاريخية، لكن أعتقد أن الفن والأدب في السعودية انشغلا في الفترة الماضية بمجابهة التيارات الدينية، وهذا عطل الخطاب من إنتاج مفرداته الخاصة واشتغالاته الجمالية، فصار يعمل كردة فعل على الثنائيات الحادة ولم يعد مهجوسًا بإنتاج الفن الحقيقي والنصاب الأدبي. وأخشى ما أخشاه في هذه اللحظة مع الإنفتاح أن تتكرر المسألة نفسها، لأن إنتاج الجمال والخطابات المعرفية الفكرية لا يعتمد على الرد على الآخرين أو الدخول في مهاترات فهي مستقلة بذاتها، ونحن الآن نلمس من الفنانين والمبدعين والأدباء أنهم ما زالوا يمارسون الممارسات السابقة نفسها من ناحية افتعال المماحكات أو الدخول في الثنائيات الحادة، حتى يؤخروا لحظة الاستحقاق في إنتاج خطاب جمالي حقيقي. وأتمنى بالفعل البعد عن هذه المشاحنات، والبدء بممارسة أدبية حقيقة تجوهر ما نحن بصدده.

نَصُّنا ضعيف

تهاجم الأفلام السعودية وتنتقدها. أذكر رأيًا تقول فيه إنك شاهدت العديد من الأفلام ولم يعجبك منها شيء.

ليست كل الأفلام سيئة. هناك أفلام سعودية قليلة جدًا يمكن الاعتداد بها وتستحق الجوائز والإشادة. لكن في العموم، أغلب التجارب ما زالت في طورها الأولي. الجوائز لا تعني الكثير، فالكثير من الجوائز هي للترضية ولرفع منسوب الأداء بالنسبة للسينمائيين السعوديين وتشجيعهم على الالتحاق بالصناعة السينمائية على مستوى العالم.

النص غائب، ليس على مستوى السعودية وحدها بل على مستوى العالم. نعاني موت النص ومن يتأمل ما يوجد في السينما العالمية، يجد أن النص هو من يرفع الفعل ومن يسقطه. هناك مقولة للمخرج الأميركي ألفريد هيتشكوك: "السيناريو ثم السيناريو ثم السيناريو". هذا هو العمود الفقري للفيلم، ثم تتكامل باقي العناصر. 

في السعودية، يوجد لدينا شباب متمكنون من التقنيات الفنية والتصوير ومخرجون مميزون ولدينا أداء تمثيلي رائع، لكن كل هذا لا يمكن أن يتحرك من دون نص فالنص ماء الفيلم. وأعتقد أن سبب هذا هو عدم وجود مرجعيات حيث أن مجمل السينمائيين في السعودية يمارسون السينما باجتهادات فردية من دون خبرات ومن دون دراسة في المعاهد.

في إحدى مقابلاتك، تلوم رصد الجوائز للأعمال الأدبية. تراها تساهم في انخفاض مستوى الكاتب، إذ يكون هدفه الأساسي هو الفوز بالجوائز؟

في المقام الأول، يلام الكاتب لأنه هو من يحدد الخطوة القادمة بعد نجاحه السابق، لكن الجوائز الأدبية أسهمت في حرف مسار الكتابة الإبداعية لأن كثيراً من المبدعين والكتاب يعتقدون أن الجوائز تتجه في اتجاه معين، يذهب الكاتب تجاهه، وبالتالي صار الكثير من الكتاب يذهبون لشروط ومستلزمات وضرورات الجوائز، وهذا الأمر الذي يحتم النظر في فكرة الجوائز.

هناك حراك ثقافي مهم في السينما والأدب في المنطقة الشرقية، مع ذلك لا نشاهد حضورًا لمحمد عباس في هذه الأنشطة. هل تقاطع هذه الفاعليات؟

أنا أمارس الحضور الثقافي على المستوى العربي أكثر من المستوى الداخلي. لا يمكن أن تحضر في مكان من دون أن توجه إليك الدعوة، هذا إذا تحدثنا على النشاط المنبري. النادي الأدبي في الشرقية في كل تاريخه تلقيت دعوة واحدة منه واستجبت لها. لا أستطيع أن أفرض اسمي على هذا المنبر، وأطالب باستضافتي وبأن يعترفوا بوجودي. هذا حقهم؛ يدعون من يريدون، فطوال تاريخ جمعية الثقافة والفنون، وجهت لي دعوة واحدة وأجبتها، لكن باقي الإدارات لم توجه إليّ الدعوة. في ما يخص الصالونات الأدبية الأهلية، أقمت في التي دعتني عددًا من الورش والندوات للصالونات. لا أستطيع أن أفرض اسمي على هذه المنتديات، فلكل منبر من هذه المنابر وجهة نظر وأنا أحترمها. أتمنى أن أكون فاعلًا وحاضرًا لأن المثقف لا يتحرك في الفراغ ولا في برجه العاجي.
برأيي أن محمد عباس من الأسماء القليلة التي تفاعلت مع المنتج المحلي على مستوى الشعر والرواية وعلى مستوى المسرح. كل الجهود التي تبذل في المنطقة الشرقية وغيرها هي محل احترام وتقدير. هناك العديد من الأسماء التي لاتحضر، ليس محمد العباس وحده. أتمنى ألا تكون المسألة "شللية " أو دائرة مغلقة يتم تبادل الأدوار فيها.

دور المثقف

الكاتب توفيق السيف يقول في دور المثقف :"قد أكون رجعيًا بعض الشيء. فأنا لا أرى أن المثقف صاحب رسالة، ولا عليه مسؤولية تجاه المجتمع، بل هو صاحب حرفة كالطبيب والتاجر والمهندس. دور المثقف هو انتاج الثقافة والتعبير عن رأيه، وليس من واجباته أن يكون مرشدًا للحكومة ولا للجمهور". ما دور المثقف الحقيقي؟

أعتقد أن الموضوع مختلف، هذه المقولات ولدت في ما عرف بالنهايات: نهاية الشعر، نهاية الأدب، نهاية النقد... ونهاية المثقف. يختلف المثقف في الغرب عنه عند العرب. نحن ما زلنا في المجتمع نحتاج للنخبة، ونسمع اليوم بمن ينادي بموت النخبة. لا يوجد مجتمع بلا نخبة، ولا أبالغ في توصيف دور المثقف إلى درجة القول إنه المحرك، لكنه في الأقل يبلور قضايا ويثير الأسئلة.

تم التخلي عن البُعد الوظيفي للثقافة منذ زمن، لكنني أعتقد في مجتمع كمجتمعنا نحتاج دائمًا إلى وجود مثقف يطرح رأيه بحيث يمكن المتلقي والجمهور أن يتحركا ضمن أُطر مفهومة في الأقل. عندما ينتج المثقف أفكاره بالكتابة يجب أن يحدد لمن يكتب: للمثقف؟ للقارئ؟ للأديب؟ هذا هو ما يمكن أن ينتج عنه موضع المثقفة وموقعه من العملية التغييرية.

في مقالتك "المثقفون الطبالون مجرمو السلم" تقول: "مثقف المطبّل قد لا يمتلك قوة ومهارة الإقناع، لكنه يمتلك لسانًا منقوعًا في ماء الكذب، ووجهًا أشبه ما يكون بالقناع المضاد لأي نظرة استنكار أو تعجب من الآخرين، وهذا هو ما يمكنّه من الظهور الإعلامي من دون خجل ولا ارتباك ولا تردد، ليبرر ويجمّل ويسوّف، وربما تمادى في الظهور الإعلامي إبان الأزمات، ليبدد أي رأي مضاد".

المثقفون الطبالون ينتشرون في كل مجتمع. القول إنهم مجرمو السلم فكرة تبناها جان بول سارتر عندما قال إن هنالك فصيلا من مجرمي الحرب وهم القادة الذين يمارسون الحرب بوسائل عنيفة أي العسكر والجنود والطائرات والدبابات وهكذا، أما المثقفون فهم من يتحدثون بعد انتهاء الحروب أو مرحلة السلم، فهم يجملون القبيح ويقبحون السليم، ويمارسون نوعًا من قلب المعادلات، فالتطبيل مفردة متداولة بشكل كبير في العالم العربي لأنها نتيجة مرض حقيقي يعانيه المثقف في التموضع حيال الحوادث ومجريات الأمور.

المجتمع العربي يمر بلحظة مفصلية على مستوى التاريخ. لا يريد أن يلتحق بفكرة التنوير وهذا الأمر بالتحديد هو الذي ولد فصيلًا طويلًا من المثقفين الذين لا يعتنقون فكرة التنوير ولا فكرة إحداث ذلك التوتر الخلاق في المجتمع، فاتجهوا إلى فكرة الانسياق خلف ما يقرره صانع القرار السياسي في أي جهة أو حتى ما يطلبه الجمهور، لذلك نجد الثقافة تتحرك في إطار البعد الواحد وليس في إطارات متعددة ومتنوعة وهذا أمر يخالف التعريف الحديث للثقافة. نحن في مجتمعات منفجرة ومتشظية وأفترض أن المثقف يراعي هذا التشظي فلا يكون أسيرًا لبعث واحد للثقافة.

في مقالتك "الصحوة رصاصة عدم الرحمة" تقول: "أي قراءة تؤرخ للصحوة بالقضاء على حركة جهيمان ستكون ناقصة، كما أن التفكير فيها كردة فعل اجتماعية ضد الحداثة يجردها من قيمتها الأيديولوجية العنيدة الضاربة في أعماق المعتقد، ولا ينبغي النظر لها كتيار ديني فقط لأنها كانت محصنة بغطاء سياسي سميك ". ما رأيك في الجدل بشأن حركة الصحوة؟

كان الأمر واضحًا. كلنا نعرف ما هي محركات الصحوة. هناك من ينظر إليها على انها تيار ديني لكنها في المقام الأول حركة سياسية ربما خرجت عن خطها المرسوم لها فوقعت في فخ التاريخ. طالبت بأن تقرأ الصحوة في المختبرات ومراكز البحوث لأنها حركة حكمت الدولة الحديثة في أهم فتراتها. لذلك، يجب ألا توضع على مائدة المغردين في تويتر بحيث يتحدثون عن بعبع الصحوة وكأنهم يخافون منها ومن تداعياتها، وهم في الواقع لم يستوعبوا حتى الآن الدرس التاريخي لحركة من هذا النوع. إنها حركة مارست الإعاقة الحقيقية للتنمية على المستويات كلها: الأطراف الملامة في الصحوة كثيرة جدًا، ونحن بحاجة إلى مقاربة على درجة من الشفافية والمواجهة الصريحة لنعرف من يتحمل مسؤولية هذه الحركة، ولن نستطيع أن نتحرك لاحقًا إذا لم نعرف ما حدث من قبل. لماذا؟ وما هي الخطط التي كانت معتمدة؟ لأن في إغلاق هذه الصفحة بهذه السرعة تجنيًا كبيرًا، وكأننا لا نريد أن نتعلم شيئًا من دروس التاريخ، ونريد أن نقفز إلى الصفحة التالية من دون أن نعرف ماذا حدث.

كان واضحًا

قبل الأزمة الخليجية الأخيرة، كان لك موقف من قطر... من أيام الربيع العربي. ما سر تحفظك على سياسة قطر منذ زمن طويل؟

كانت الأمور واضحة جدًا ومعلنة لا تحتاج إلى تنظير أو شعوذة. قطر أعلنت منذ فترة نيتها تنفيذ برنامج معين، وكان هذا البرنامج واضحًا من خلال قنواتهم الفضائية ومن خلال رموزهم السياسية بشكل صريح، وبالتالي قراءة المشهد كانت من واقع ما يمارسونه ويعلنونه.

من المسؤول عمّا يسمى "الربيع العربي"؟

العملية معقدة جدًا. برأيي معظم الأنظمة العربية متهمة باللاعدالة وبعدم إرضاء الشعوب بالطريق الصحيحة. لكن هذا لا يبرر لأي نظام التقدم في اتجاه نظام آخر بزعم أنه يريد أن يحقق الحرية للشعب الآخر لأنه لا يمتلك الأدوات اللازمة.
الأنظمة التي حاولت أن تغيّر في العالم العربي هي أنظمة مطعونة في الظهر، مطعون في شرعيتها وقوتها ونزاهتها. يجب أن ننظر إلى الأمر من منظور ثقافي لأن المنظور الثقافي منظور أشمل وأعمق من المنظور السياسي. هنالك بُعد لا أحد يريد التكلم عنه وهو البعد الإستراتيجي، فأنا شخصيًا لا أعرف ما هي استراتيجيات هذه الدول التي تحاربت، وبالتالي لا أستطيع أن أدلي برأيي حول هذه الأحداث لأن العالم أكبر من أن يحتوي مقالا أو رأيا أو وجهة نظر، لأن من لا يمتلك المعلومة لا يستطيع أن يحلل، وكل ما نشاهده اليوم من تحليلات هي اجتهادات سطحية لا تلامس الجرح العميق الغائر في العالم العربي.

الكاتب يوسف زيدان أثار العديد من القضايا عندما تكلم عن الجزيرة العربية وعدم وجود عالم لغة فيها. النقطة الأخرى، وهذا حديث يوسف زيدان، في كل فترة عن رمز تاريخي سواء مسلم كصلاح الدين الأيوبي أو مصري كأحمد عرابي وقول العديد من الآراء المثيرة للجدل حوله. هل هناك خلل بقراءتنا التاريخ؟

تكلم يوسف زيدان "عن الحتة" الوسطانية. كان يقصد وسط الجزيرة العربية. قال إن هذا الجزء من العالم لم ينتج أي عالم لغة، وهذا كلام دقيق وتمنيت رد المتخصصين عليه. وبالنسبة إلى آراء يوسف زيدان التاريخية، هذه لحظة عالمية كونية تسمى بالشعبوانية، وأعلى تجليات هذه اللحظة هي الرئيس الأميركي دونالد ترمب فهو يطلق تصريحات سوقية وشعبية ويتداولها الإعلام وتتحرك على هذا الأساس، وتفسيرها معروف فثقافة ما بعد الحداثة أسست لهذا المفهوم بحيث صار لكل فرد صوت، وبإمكانه أن يتحدث.

نحن بالفعل لا نقرأ التاريخ، هناك اشتغال من وسائل الإعلام على تدمير الذاكرة وإبطال مفاعيل الوعي، لذلك تمر الأيام والمناسبات ولا نجد قراءات تاريخية، ولو أجرينا إحصاء مبسطًا لعدد الكتب التي تتحدث عن التاريخ بشكل سردي أو بشكل تحليلي في مقابل ما ننتجه من نصوص روائية شعرية لا يقاس، وبالتالي هذه النزعة التاريخية لدينا شبه معطلة، ومن الصعب أن نستولدها في مواقع نيئة ومن ذوات سريعة التفاعل اليومي. التاريخ يختلف عن الصحافة، فالصحافة حركة سريعة يومية، أما المؤرخ يمارس التأريخ بهدوء وروية وبحث واستقصاء. هذه الكائنات يصعب وجودها في هذا الوقت، هناك قلة من المتنسكين ولكن قلة جدًا مقارنة بالهياج العام نحو الثقافة السريعة وما يسمون المفكرين المستعجلين.

حفلة تفاهة كونية 

تقول إن هناك توجهًا لإماتة النخب. ألا ترى أن النخب هي من تبتعد عن العامة؟

النخب في الواقع مطرودة من الفضاء العام. نحن نعيش حفلة تفاهة كونية كما يسميها ميلان كونديرا، وضرب النخبة لا يكون من خلال مفاعيل السلطة وحدها. لكن حتى الجمهور لا يريد حضور النخبة، لأن الجمهور تعرض لعملية غسيل دماغ وعملية تشويه في التلقي، وعملية إعطاب لأدوات الاستقبال لديه، لذلك لم يعد يؤمن بأي شيء جاد وجمالي له علاقة بالأفكار الخلاقة، وهذا الأمر هو الذي طرد النخبة من الواجهة وصار المشهد متسيد بمجموعة من توافه الميديا. فتوافه الميديا الآن تقود العالم اليوم، تتحرك على كل المستويات وتتصدر المشهد.

تقول إن هناك حملة لتغييب الكتاب التنويريين. من المستفيد من ذلك خصوصًا أن معارض الكتاب، وأعني معرض الرياض في آخر دورتين، تعتبر كتب الفلسفة والتاريخ أكثر الكتب مبيعًا؟

في العالم العربي، توجد لكل حكومة مجموعة من الكتاب. هم كتاب الحكومة، يشكلون امتدادًا لمرئيات السلطة الحاكمة. هذا ملموس في العالم العربي، ومع صعود الطائفية استطاعت البؤر أن تجتذب مجموعة من الكتاب لتدافع عن المذهب والطائفة، هي تعتقد أنها تنتج المعرفة. لكن في الواقع يمارسون الارتكاس التاريخي عندما يتحدثون عن أفكار تعزز قيمة الطائفة والجماعة. إن القراء منصرفون عن الأفكار الجادة إلى هوجة الرواية إلى الأفكار التي تقترب من الخواطر. مجموعة آليات وشروط هي التي تقلص مساحة الكاتب التنويري، وبحسب الأرقام الإحصائية، إنتاج الكتاب الفكري في العالم العربي لا يتعدى 4 في المئة، خلافًا لكتب الطبخ وكتب الجن والشعوذة فهي الكتب التي تلقى رواجًا كبيرًا والناشر يتفاعل معها بسبب الربح المادي 

لك رأي معين في مناقشة قضايانا في تويتر. وتقول: "أحلنا مواقع التواصل الاجتماعي إلى مواقع تكاره إجتماعي"!

أغلب من يحضر في تويتر محمل بإرثه ومعتقداته ورواسبه ضد الآخر. أن تستخدم موقعًا كتويتر يعني أن تتحدث بأعلى طاقة إنسانية ومعرفية، وأن تستفز القيم الخيرة فيك، لا أن تستدعي الرواسب الطائفية والقبلية. لذلك نلاحظ أن أغلب المقيمين في غرائزهم هم الذين يحضرون في الموقع، فتحول إلى موقع تكاره اجتماعي.

تغريدة ناصر القصبي حول المثقفين الشيعة 

لي مقالة وصفت فيها ما يحدث: أنشأنا المجتمع المدني الطائفي، فالمجتمع المدني فكرة إنسانية عادلة وراقية لكن عندما تبناها الطائفيون تحدثوا عن مجتمع مدني طائفي، يريد تحقيق العدالة والمكاسب والمساواة داخل طائفته وليس مجتمعه، وهذا ما ولد ما يسمى بالمواطنة المرتبكة المواطنة التي تقوم على الهيجان العاطفي . 

تويتر جزء من مكتسبات إنسانية كبيرة لا ينبغي التفريط فيها، لكن لا تناقش قضايانا من التوافه، يوجد في تويتر كل النخب السعودية والنماذج الحية لكن هؤلاء عندما يتحدثون عن قضايانا المفصلية كالصحوة مثلًا يتحدثون كالعوام لا يستحضرون أدواته كي يحلل قضاياه. المطلوب من مغرد تويتري من توافه الميديا يختلف كثيرًا عن المطلوب من أكاديمي يمتلك رؤية وبصيرة وخبرة، وهذا الأمر سينعكس حتمًا على الأدب والإبداع. قضينا شوطًا طويلًا مع طفرة الرواية. كانت فكرة الإصطدام بالمؤسسة الدينية حاضرة بشكل كبير في مجمل المنجز، كل من كتب رواية لا بد من أن يتطرق إلى هذا الموضوع من استدعاء موضوع الهيئة مثلًا. وهذه الكتابة غير صحيحة. الاشتباك لا يكون مع الهياكل المتمثلة ماديًا، بل يكون مع الوعي. الآن سيتكرر الحديث عن سقوط الصحوة وتفتت الصحوة وهزيمة الصحوة وبنفس الطريقة وكأننا نكرر نفس الحديث ونجتر نفس القضايا.

أطالب من المثقفين الحضور في تويتر كمثقف لا كإنسان ساذج لا يمتلك رؤية معينة عما يحدث، ليس بمعنى الإنعزال عن مجريات الشأن العام، ولكن بمعنى التفاعل على قاعدة التضايف بمعنى أن يضيف شيئًا مثمرًا بمعلومة أو برؤية أو بفكرة، لا أن تسلم قضايانا المهمة والحيوية إلى نجوم السوشل ميديا. فنحن نمر بلحظة انعطاف تاريخية مهمة. وأغلب من يناقشون قضايانا هم نجوم السوشل ميديا وهم باعترافهم لا يقرأون الكتب ولا يملكون الخبرة، ويحتقرون فكرة المعرفة. فكيف سيكون حالنا؟

سعار اجتماعي حقيقي

كتبت أن المكارثية لحظة سياسية معتمة، طقس سلطوي جامع مزاج اجتماعي خامل موت معلن للحريات. وتحدث الكاتب عبدالله العقيل عن محاكم التفتيش التي يتبناها أفراد، ليس لهم أي صفة اعتبارية في الدولة، يستغلون الحوادث لتصفية حساباتهم مع أي مختلف عنهم. هل نحن الآن في زمن مكارثي؟.

المكارثية كحركة سلبية جدًا ظهرت في أميركا ومواصفاتها: منع الحريات والحكم على النوايا. استخدمها العالم من كل الاتجاهات ولكن بمسميات مختلفة. ما يحدث الآن في المشهد هو نوع من إنتاج خطاب متطرف مقابل خطاب متطرف آخر. نحن في حالة سعار اجتماعي حقيقي ضد فئة يتراءى للبعض أنها فريسة ويجب الإجهاز عليها، وهذا أمر مربك وقد يؤدي إلى ارتباكات اجتماعية خطيرة جدًا لأن تصحيح الأخطاء لا يتم بإنتاج خطاب متطرف ومتشدد ضد خطاب متطرف آخر، الظالم لا نعالجه بظلم ولكن بالعدالة، وحتى من يظلم يستحق محاكمة عادلة. في مجتمعنا للأسف لا توجد لدينا لحظة استحقاق، كل من يمارس ممارسة تمر الأيام ويستطيع أن يتنصل من آرائه وجناياته ومواقفه من دون أن يمثل أمام مساءلة اجتماعية تاريخية.

قدم القصبي في "سيلفي" حلقة تتحدث عن الطائفية، وغرد بعد الحلقة أنه يجب على المثقفين والفنانين الشيعة أن تكون مواقفهم أكثر وضوح. اختلفت الآراء في ذلك. ما رأيك؟

لا أتذكر أني قرأت لفنان أنه أدى دورة كفنان ارثودوكسي ويطالب ممن يخالفه المذهب أن يؤدي دوره تجاه المجتمع. للأسف، هذه انتكاسة كبيرة تدل على وعي منخفض بالرسالة الفنية. الفن لا يعترف بهذا التصنيف، المجتمع الكويتي أنتج حركة فنية لم يكن يعرف فيها مذهب منتج هذا العمل أي أنها كانت حركة فنية محضة، لذلك سواء "سيلفي" أو ما تلاه من تداعيات كانت خطيرة جدًا، وللأسف تجسدت في ما بعد في أزمة قطر، وظهرت المشادات والتجاذبات من جميع الأطراف وخسرنا الصنعة الفنية لصالح الخطاب المسيس أو "المطأفن" والذي يجعل من الفنان مجرد أداة أو صوت لجهة ولايمكن أن يصل برسالته الإنسانية العادلة المنفتحة إلى الآخرين . 

تصف رواية "شارع العطايف" بأنها علامة من علامات الرواية في السعودية، وتصفها بأنها رواية عظيمة ظلمها كاتبها. لماذا؟

من أفضل ما أصدر من الروايات السعودية، وأنا شخصيًا أقترحها على كل من يريد على أن يتعرف على المنجز الروائي في السعودية. للأسف الرواية ظلمت ولم تقرأ لأسباب أخلاقية، وبرأيي عبدالله بن بخيت ظلم روايته كثيرًا بالتشاغل عن الحديث عن روايته، وبرأيي يجب أن يتحدث الروائي في لقاءاته عن فلسفته الروائية. يجب أن يحضر في المشهد كروائي، عبدالله بن بخيت ترك ذلك وعاد إلى الثنائيات الحادة يتهاتر مع المتدين ورجل الهيئة والصحوة الدينية، وبالتالي لم يكن يُتخيل أن هذا الكاتب يستطيع أن يكتب رواية بصبغة أدبية لأنه القارئ قولب عبدالله بن بخيت المنافح عن عقيدة معينة. الرواية ستنصف مع التاريخ عندما يقرأها الباحثون.

شارع العطايف أهم رواية سعودية