انشأت مؤسسة "ماكس ريان يد بيد" غير الربحية، وتدعو إلى التعايش بين اليهود والفلسطينيين، مدرسة ثنائية القومية واللغة في مدينة القدس هي الأولى من نوعها ليس فقط في القدس بل في البلاد.

واختار القائمون عليها أن يشيدوها عند الخط الفاصل بين القدس الشرقية والغربية، تحديدا بين الحي اليهودي بات وبيت صفافا الفلسطيني عند الخط الأخضر الذي يشير إلى الأراضي التي احتلتها اسرائيل بعد عام 1967.

وتلقت مدرسة "يداً بيد" أيضا دعما من مؤسسات وشخصيات بريطانية والمانية وأمريكية كما دعمها الصندوق اليهودي الجديد برعاية رئيس بلدية القدس الأسبق تيدي كوليك.

وتوفر مؤسسة بريطانية، سميت على اسم البارون ماكس رايان، غالبية الميزانية إلى جانب الأقساط التي يدفعها أهالي الطلبة.

وقد اعترفت وزارة التعليم الإسرائيلية (المعارف) بها بعد استقطابها لأعداد كبيرة من الطلبة. حين سألت والدتين إحداهما يهودية والأخرى فلسطينية عن سبب إرسالهما لأبنائهن لمثل هذه المدرسة كان رد فعل الوالدة اليهودية دانيا اضحا أنه "يتناسب مع فكري الايديولوجي فأنا أؤمن أن علينا العيش معا".

أم اجابة الأم الفلسطينية فقد كانت تتعلق بضرورة التعامل مع اليهود على المستوى الانساني وليس السياسي "نحن نعيش معا ويجب التعامل مع بعضنا على أساس انساني "، واضافت ماجدة أن "هذه المدرسة من افضل المدارس في القدس، وبالفعل تشكل المدرسة حلا عمليا لمشاكل التعليم في الشق الفلسطيني ولربما يفسر هذا ارتفاع اعداد الفلسطينيين في المدرسة عن الطلبة اليهود بعض الشئ".

ثلث سكان القدس من المراهقين

لافتة على الحائط
BBC

يشكل المراهقون من تلاميذ المدارس الفلسطينيين واليهود في القدس أكثر من ثلث سكان المدينة. ويتعلم الطلبة اليهود والفلسطينيون في مدارس منفصلة وبينما يتمتع الطلبة اليهود في أحيائهم بمدارس مجهزة بأحدث الامكانات يعاني قطاع التعليم الفلسطيني في القدس الشرقية وضعا شديد التعقيد.

وحسب إحصائيات الجهاز الإسرائيلي المركزي للمحاسبات، هناك حاجة إلى قرابة ألف صف مدرسي في القدس الشرقية فقرابة نصف الصفوف الموجودة غير مستوفاه لأبسط الشروط المطلوبة، كما أن عدد تلاميذها يزيد بنسبة الثلث عن مثيلاتها في الاحياء اليهودية في المدينة ويضطر التلاميذ الفلسطينيون إلى حضور فترتين صباحية ومسائية في بعض الحالات.

كما يشكو الفلسطينيون في القدس الشرقية من أن وزارة التعليم الإسرائيلية تعمل على فرض مناهج تتجاهل الرواية الفلسطينية.

"على هذه الأرض ما يستحق الحياة"

عند اقترابك من المدرسة التي بنيت ربما خصيصا في شارع فرعي منعزل عند تلة القطمون تلاحظ الاجراءات الامنية المشددة على مدخلها الذي يتكون من باب حديدي Hصغر من المداخل الواسعة التقليدية للمدارس.

وما أن يسمح حراسها لك بالدخول حتى تشعر أنك دخلت عالما يتناقض مع أجواء المدينة المتصارع سكانها، فترى طلابا فلسطينيين ويهود من جميع المراحل التعليمية يلعبون معا، يتحدثون العربية احيانا والعبرية احيانا اخرى .

هؤلاء يتلقون تعليمهم من مدرسين فلسطينيين ومدرسيين يهود .

وتتحدث "نواه يامير" مسؤولة الاتصال والزيارات بإسهاب عن الهدف الرئيسي للمدرسة ويتمثل في "بناء مستقبل جيد للجانبين عن طريق الربط بين المدرسة والمجتمع العربي واليهودي في جميع أنحاء البلاد ".

وحين سألتها عن الرواية المتناقضة لحق الطرفين في هذا البلد، أشارت إلي ما علق على الجدران " عدالة، مساواة " وغيرها من عبارات التآخي. وفي الواقع ما لفت انتباهي أكثر من أي شعار آخر هو عبارات محمود درويش، الشاعر الفلسطيني الثوري، التي كتبت على الحائط " على هذه الارض ما يستحق الحياة".

ولم تجد نواه يامير حرجا في مناقشة كيفية التعامل مع حدث مهم كالنكبة للفلسطينيين وهو ما يعتبره اليهود عيد استقلالهم "كل شيء مفتوح للنقاش الحر".

لغة العدو الصديق

طالبتان
BBC

التقيت في مكتبة المدرسة بطالبتين، حداهما يهودية وتدعى دانا وفلسطينية تدعى سورات. تأملت الكتب على الرفوف وكانت بالعبرية والعربية.

ولاحظت حرص الفتاتين على بعضهما البعض، فهما تتبادلان النكات وتتحدثان عن تجارب مشتركة لهما بالعبرية بشكل رئيسي ولكن أحيانا بالعربية ايضا.

ولكن ما أن جلسنا وطلبت منهما أن تسالا بعضهما عما يجول في خاطرهما سرعان ما سارعت المقدسية ابنة الخامسة عشر زميلتها بالسؤال عن أمر لابد يقلقها " هل ستنضمين للجيش الاسرائيلي عند تخرجك من المدرسة ؟"، فهي تعلم أن التجنيد اجباري في اسرائيل.

فحاولت دانا أن تشرح صعوبة محاولاتها عدم الانضمام الجيش، فقالت "لا أريد الانضمام للجيش لكن الأمر صعب للغاية فعلى الجميع الخدمة في الجيش".

ثم وجهت دانا اللوم لسرات على عدم الانضمام إلى المظاهرات التي تشارك فيها ضد الاحتلال الاسرائيلي والرافضة للعنصرية، وسرعان ما تحول الحديث بينهما إلى حديث يستحضر واقع الصراع إلى قلب المدرسة وعلاقتهما, لكن وبعد انتهاء اللقاء أسرعت دانا وسورات للحاق بصفهما وقد تشابكت يديهما فقد درستا معا في نفس الصف منذ نعومة أظفارهما.

خوف دائم

كثير من الطلبة الفلسطينيين يأتون من أحياء عربية تشهد اشتباكات بين السكان والشرطة الاسرائيلية بشكل يومي، ويخشى القائمون على المدرسة على سلامة الطلاب.

فإلى جانب لغة التحريض التي يتعرض لها الطلاب من جهات يهودية عنصرية متطرفة، تعرضت المدرسة لهجومين كان أعنفهما عام 2014 حين تسللت مجموعة إلى داخل المدرسة عن طريق إحدى النوافذ وقاموا بكتابة شعارات "الموت للعرب" وصدق كاهانا " في اشارة الى الحاخام مئير كاهانا الاب الروحي للحركات اليهودية المتطرفة ثم قاموا باشعال الحرائق في عدد من فصول الدرس في المدرسة.

قمت انذاك بزيارة المدرسة وكان الجو مشحونا ولم يكن من السهل على أي شخص دخولها. وقامت شخصيات يهودية وعربية معروفة بزيارتها ورحبت ادارة المدرسة ببعض هذه الشخصيات ولم يرق لها زيارة اخرين، فللقائمين على المدرسة آراء يسارية تتناقض مع التوجهات السياسية لكثير من القيادات الاسرائيلية.

وقد زرت المدرسة بعد ثلاثة اعوام من وقوع الهجوم، وراقبت شبانا يهودا وفلسطينيين يلعبون كرة القدم، ولم أستطع تحديد الفلسطيني من الإسرائيلي فاللغة كانت واحدة، العربية، وسريعا بادر إلى ذهني سؤال: كيف سيلتقي هؤلاء بعد تخرجهم فمعظم الطلبة اليهود سيصبحون جنودا في الجيش الاسرائيلي ومعظم الفلسطينيين سيعانون من الاحتلال الاسرائيلي وسيحاربون ضده، لكن يبدو أن للقائمين على المدرسة رؤية مختلفة ملؤها التفاؤل بأن غالبية الطلبة سيعملون معا لتغيير الوضع القائم.