«إيلاف» من الرباط: انتشرت في المدة الأخيرة ظاهرة باتت تشكل مصدر قلق كبير في المجتمع المغربي، لنسفها لقيم التربية والتعليم، المتعارف عليها، وذلك أمام تزايد عدد حالات الاعتداء على أفراد الأسرة التعليمية داخل الأقسام من طرف تلاميذ قاصرين، أغلبهم لم يتجاوز بعد سن المراهقة.
الكثيرون من المتتبعين رأوا في ذلك عنوانا بارزا ومؤشرا حقيقيا على فشل منظومة التربية والتعليم، من الأساس، سواء على مستوى الأسرة أو المدرسة، بما يعني ضرورة مراجعتها وإصلاحها ضمن مشروع مجتمعي حداثي، ووفق مفاهيم عصرية، تقطع مع أساليب الماضي، المرفوضة من طرف الجيل الجديد.
ورغم السخط المعبر عنه، ضمن ردود الفعل في كثير من وسائل التواصل،فإن الظاهرة تتسع يوما بعد يوم، والدليل على ذلك أن "الضحايا" يتزايدون باستمرار، وكأنما هناك إصرارا من طرف التلاميذ على "ملاحقة"أساتذتهم، بغرض "الانتقام" منهم، عن طريق العنف الجسدي واللفظي معا، بدل احترامهم وتقديرهم والثناء على جهودهم في تعليمهم.

جروح عميقة

لا يكاد يمر يوم واحد دون أن تنقل أجهزة الإعلام، من صحف يومية ومواقع الكترونية وغيرها، أخبارا عن حوادث مماثلة، تقع في هذه المدينة أو تلك، ولعل آخرها هو تلك الأستاذة العاملة في إحدى مدارس الحي المحمدي بمدينة الدار البيضاء، التي تعرضت للهجوم بالسلاح الأبيض من طرف تلميذها، ما ترك جرحا عميقا أسفل ذقنها، ولربما خلف ندوبا أخرى في أعماق نفسها قد لايمحوها الزمن.
وفي غالب الأحيان يتعرض الأستاذ للتعنيف في المدرسة لأي سبب، كأن يطلب من التلميذ نزع طاقية على رأسه، أو إنجاز أحد فروضه، أو "يلتمس " من تلميذة في عمر ابنته، الكف عن مضغ العلك بصوت عال، لما يشكله من تشويش يشتت تركيز زملائها، مثلما وقع أخيرا حين اعتدت تلميذة على أستاذها بقنينة زجاج مكسورة، لأنه توجه إليها بهذا "الطلب"، حسب بعض الأخبار.
ونظرا لطولها، فإنه من الصعب جدا استحضار قائمة الأستاذات والأساتذة الذين سقطوا "ضحايا" تلاميذهم على امتداد مدن المملكة، في خط بياني تصاعدي، رغم المقاربة الأمنية والزجرية التي تنهجها السلطات بإصدار أحكام قضائية في حق المعتدين، وضمنهم تلميذ بمدينة ورزازات (جنوب المغرب)، ظهر في شريط فيديو على قناة "يوتوب"، وهو يعنف أستاذه داخل القسم في منتهى القسوة.

 

انهيار الأخلاق

هذه الظاهرة، بما تشكله من تردي في الأخلاق والتربية والتعليم، أثارت غضب واستياء رسامي الكاريكاتير في الصحافة المغربية، فتناولوها بريشاتهم اللاذعة من خلال رؤى ولمسات فنية ساخرة قفزت إلى الصفحات الأولى، منددة بهذه التصرفات التي تضرب كرامة أسرة التعليم في الصميم.
وانطلاقا من البيت الشعري الشهير للشاعر أحمد شوقي، القائل:" قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا"، وضع رسامو الكاريكاتير صيغة أخرى لتحويره على الشكل التالي:" كاد المعلم أن يكون مقتولا"، في إشارة واضحة إلى ما يلاقيه من تعنيف يعرض حياته للخطر، نتيجة السلوك العدواني لهؤلاء "المشاغبين" من ذوي تسريحات الشعر المثيرة، الذين تجاوزوا كل الحدود، غير آبهين بنظرة المجتمع إليهم، كخارجين على القانون.

 

انقلاب الآية

هناك إجماع في هذه الرسوم الساخرة المستلهمة من قلب الواقع على أن الوضع كاد أن يخرج على السيطرة في ظل تمادي بعض التلاميذ في استعمال العنف في حق الأسرة التعليمية، دون أن ينجح المجتمع في تطويق الظاهرة أو الحد منها على الأقل.
ومن الأفكار التي تم تداولها في هذه الرسوم الساخرة، أن الآية انقلبت وأصبح الأستاذ، المختفي وراء السبورة بفعل الخوف، هو الذي يطلب الإذن من التلاميذ للذهاب إلى المراحيض، وليس العكس.
وللدلالة على "تشبع" بعض التلاميذ بالعنف، تورد الرسومات بشكل كاريكاتيري، كيف أنهم باتوا يستعملون الأسلحة البيضاء في الكتابة على السبورة، بدل الطباشير وغيرها، في تحول خطير ينذر بأوخم العواقب مستقبلا حين تكبر قاماتهم ويخرجون إلى الشارع، في حالة عدم استكمال دروسهم.

الذبح والسلخ
وبما أن بعض الأسر قد لا تعي الدور الموكول إليها في تربية أبنائها وتوجيههم نحو الوجهة الصحيحة، تبدو إحدى الأمهات، في رسم معبر، وهي تشحن طفلها المسلح بالسكين، باستعمال "الذبح" في حق أستاذه إذا "تكلم" معه، مستفسرا عن حفظه لدروسه، على أن تقوم هي بالباقي، أي ب"السلخ"، في إحالة بشكل معكوس على قول شعبي قديم، كان الآباء يرددونه على مسامع "فقيه المسجد"، لحفظ أبنائهم للقرآن الكريم :"أنت تذبح وأنا نسلخ" .
وفي رسم آخر يحمل بين طياته نقدا لأسلوب التربية في المغرب، تبدو والدة تلميذ "مدجج" بالسلاح الأبيض في حقيبته، وهي تحذر إدارة المدرسة ومسؤوليها من مغبة إثارته، تفاديا لردة فعله،لأنه "عصبي المزاج".
وأمام تفاقم الظاهرة، واتقاء لشر بعض التلاميذ المشاغبين، تقترح رسومات أخرى على رجل التعليم مظهرا جديدا، بارتدائه لبذلة واقية تحميه من ضربات السكاكين وغيرها من الأسلحة البيضاء.


عنف المدارس

وارتباطا أيضا ب"عنف المدارس" السائد حاليا، يبدو تلميذ في أحد الرسومات وهو يستل سيفه، مخاطبا أستاذه، بلهجة صارمة:" كفى من التنظير، لنمر الآن إلى التطبيق".
هي رسومات لا يدعو مبدعوها إلى الضحك بل إلى التأمل، وتحث على استخلاص الدروس والعبر، قبل فوات الآوان، وذلك بمواجهة الظاهرة بما يلزم من الحكمة والتبصر، بعد التشخيص، ومعالجة الدواعي والحيثيات، لأن ما وقع في مدينة ورزازات وغيرها من المدن المغربية، حسب جواد مبروكي، المحلل والطبيب الفساني، هو "من أعراض مرض مجتمعي خطير يتطلب تحليلا دقيقا، والبحث عن الأسباب وبرمجة مشروع علاجي ووقائي طارئ".