يبدو أن مايكل فلين متورط بشكل عميق مع الروس، الذين يبتزونه. وهو من درج من شبابه على تجاوز الحدود وخرق القواعد، ها هو يدفع ثمن ذلك غاليًا.

واشنطن: أشار الجنرال المتقاعد مايكل فلين في كتابه "ميدان المعركة" الذي كان من الكتب الأكثر مبيعًا في عام 2016 إلى أنه نشأ عازمًا على كسر القواعد المتبعة من دون أن يهتم بالنتائج. وفي يوم الجمعة، اصبح واضحًا انه تمادى في كسر القواعد؛ إذ اعترف أمام محكمة فيدرالية بالكذب على المحققين بشأن اتصالاته مع السفير الروسي في ديسمبر الماضي، بعد أن عينه ترمب مستشارًا لشؤون الأمن القومي. 

قال فلين إنه وافق على التعاون مع المحقق الخاص روبرت مولر في سعيه إلى التوثق مما إذا كان أي أحد في حملة ترمب ساعد موسكو للتدخل في الانتخابات الاميركية، في مؤشر إلى أن مسؤولين على مستوى رفيع في البيت الأبيض يمكن أن يتعرضوا للملاحقة القضائية.

اعتراف فلين بذنبه هو أحدث انتكاسة في حياة فلين المهنية التي شهدت الكثير من حالات المد والجزر: ضابط استخبارات ميداني في العراق وافغانستان، رقي إلى جنرال بثلاثة نجوم وعين رئيسًا لوكالة الاستخبارات الدفاعية ثم أُقيل في عام 2014 بعد أن اتهمه البيت الأبيض بسوء الادارة. وحين عُين فلين مستشار ترمب للأمن القومي، أُقيل بعد 24 يومًا فقط لتضليله نائب الرئيس بينس وآخرين بشأن أحاديثه مع السفير الروسي في واشنطن وقتذاك سيرغي كيسلياك عن تخفيف العقوبات الأميركية على روسيا.

لا يكلّ

كانت طبيعة فلين الصدامية جزءًا من شخصيته. في أفغانستان، قال آمر وحدته إنه ضابط "يهدم جدرانًا" لإنجاز المهمة. لكن هذا الاندفاع كان أحيانًا ينتقص من قدرته على اتخاذ قرارات مدروسة.

كان فلين الذي نشأ في عائلة عمالية دائمًا يذهب أبعد من الحدود المقبولة سواء بركوب الأمواج خلال اعصار أو القفز من جسور أو ممارسة الرياضة. واعترف في كتابه أنه كان صعب المراس وشارك في "نشاطات خطيرة وممنوعة" أدت إلى اعتقاله وقضاء "ليلة بغيضة جدًا" في إصلاحية للأحداث.

لكنه عاد إلى جادة الصواب وتزوج من زميلته في المدرسة الإعدادية، ونال منحة من الجيش للدراسة في جامعة رود آيلاند. وكانت تلك خطوة منطقية من شاب خدم والده في الجيش 20 سنة.

بمرور السنين، رُقي فلين إلى ضابط استخبارات في الجيش. وقال عنه قائد عسكري سابق إنه "لا يكل". وفي العراق عمل مع الجنرال ستانلي ماكريستال واصبح أحد مساعديه الكبار في افغانستان، حيث خطط ماكريستال لتشكيل قوة عسكرية سريعة تركز على جمع المعلومات عن المتمردين في غارات ليلية ثم تحليلها لشن مزيد من الهجمات. 

طبيعة مشاكسة

تبدت طبيعة فلين المشاكسة بشكل واضح في البنتاغون، حيث ساهم في إعداد تقرير في عام 2010 جاء فيه: "إن جهاز الاستخبارات الضخم عاجز عن الاجابة عن اسئلة اساسية تتعلق بالبيئة التي تعمل فيها القوات الاميركية والحليفة والأشخاص الذين تريد اقناعهم".

لكن فلين حرق أصابعه بعد أن عينه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما رئيس وكالة الاستخبارات الدفاعية، الذراع التجسسية للبنتاغون، في صيف 2012. وقال منتقدون في البنتاغون والأجهزة الاستخباراتية والكونغرس إن فلين ليس مؤهلًا لقيادة وكالة استخباراتية يعمل فيها 17 ألف شخص. واشار البعض إلى أنه يطرح نظريات غير موثوقة ويميل إلى صنع حقائق خاصة به ويطلب من الآخرين أن يبحثوا عن أدلة تثبتها.

أُقيل في اغسطس 2014 بعد أن اختلف مع جيمس كلابر، رئيس الاستخبارات الوطنية وقتذاك، ومسؤولين آخرين. واتهم فلين لاحقًا البيت الأبيض بالمسؤولية قائلًا إن أوباما استهان بالقوة المتنامية للإرهابيين الاسلاميين. 

حين أطلق ترمب حملته الانتخابية في عام 2015، قام احد مساعديه بترتيب لقاء بينه وبين فلين الذي كان ينتقد إدارة أوباما في كل مناسبة وفرصة تتاح له. وتعززت العلاقة في مؤتمر الحزب الجمهوري حين القى فلين خطابًا ناريًا ضد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلنتون وحرض الحاضرين على المطالبة بسجنها.

مال روسي

قال مستشار سابق في حملة ترمب إن فلين كان قريبًا من المرشح الجمهوري، حتى أن ترمب كان نادرًا ما يتفاعل مع أعضاء طاقمه لشؤون الأمن القومي. ونقلت صحيفة لوس أنجيليس تايمز عن المستشار السابق قوله إن كليهما كانا يشتركان بنظرة واحدة إلى العالم. وعلى غرار ترمب، عمل فلين على تأجيج المخاوف من خطر "الإسلام المتطرف" في الداخل والخارج.

لكن فلين بنى أكثر من رؤية يمينية محافظة في عام 2016، وقام بتوسيع نشاطه التجاري من خلال الشركة التي تحمل اسمه "فلين إنتل غروب"، وكانت مصالحه المالية لا تُكشف دائمًا بحسب الأصول. ويبين الكشف المالي الأول في مطلع العام أن دخله في 2016 بلغ 1.3 مليون دولار بعضها من شركات معروفة وبعضها من مجموعات مشبوهة اتُهمت احداها بالإسلاموفوبيا.

كشف التقرير المالي الثاني في مارس عن مدفوعات من شركة روسية للشحن الجوي وشركة روسية للأمن الإلكتروني، وعن خطابات ألقاها فلين في واشنطن. ولم يكشف فلين إلا في تقريره المالي الثالث في أغسطس عن عمله مستشارًا لشركة أي سي يو ستراتيجيك بارتنرز التي تعمل لبناء محطات طاقة نووية في الشرق الأوسط. واظهر التقرير أن دخله السنوي كان 1.8 مليون دولار على الأقل.

قبل الانتخابات، وقع فلين عقدًا مع شركة تركية تعمل ضد فتح الله غولن، خصم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. ولم يسجل فلين علاقته هذه بوصفه عميلاً لجهة اجنبية إلا في مارس حين كشف عن مدفوعات تبلغ 530 ألف دولار.

متورط!

قال جيمس وولسي، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الذي حضر أحد لقاءات فلين مع مسؤولين أتراك، إنهم بحثوا في ترحيل غولن عن الولايات المتحدة في خطوة اعرب وولسي عن خشيته من أن تكون غير قانونية.

لم يتردد ترمب في تعيين فلين بعد فوزه غير المتوقع مستشارًا للأمن القومي، وهو منصب يتمتع صاحبه بنفوذ واسع في البيت الأبيض. وعلى الفور تقريبًا، كان تعيين فلين موضع جدال؛ ذلك أن أجهزة المخابرات التي تراقب تحركات السفير الروسي التقطت أحاديث فلين معه.

وشهدت سالي ييتس، المدعية العامة بالوكالة سابقًا، أمام الكونغرس قائلة إنها حذرت محامي البيت الأبيض من أن فلين "متورط"، وان الروس "يمكن أن يبتزوه". 

بعد إقالته، عاد فلين إلى بلدته في رود آيلاند حيث أمضى الصيف في ركوب الأمواج واللهو مع أفراد العائلة. وسجل شركة جديدة باسم ريزيلينت باتريوت في ولاية فرجينيا، لكن طبيعة عملها ليست معروفة.

استحدث أشقاء فلين وشقيقاته صندوقًا لتمويل الدفاع عنه قائلين إنه يحتاج إلى مساعدة على الرغم من دخله السنوي البالغ 1.8 مليون دولار، كما يبين الكشف الذي قدمه في اغسطس الماضي. وقال جو فلين، شقيقه الأصغر، إن الصندوق ما زال مفتوحًا، "وما زلنا نتلقى كثيرًا من الدعم"، مشيرًا إلى أن امكانات فلين لا تكفي لتحمل "هذا النوع من الأعباء المالية".

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "لوس أنجيليس تايمز". الأصل منشور على الرابط التالي:

http://www.latimes.com/politics/la-na-pol-flynn-profile-20171201-story.html