الرباط: "انتهى ابن كيران .. ابن كيران لم ينته" بين هاتين الجملتين المتضاربتين، ظل مستقبل أمين عام حزب العدالة والتنمية المغربي، عبد الإله ابن كيران، يتأرجح منذ إعفائه من مهمة تشكيل الحكومة وتعيين سعد الدين العثماني خلفا له في أبريل الماضي، بعدما تعذر عليه جمع الغالبية المطلوبة، الأمر الذي أدخل الحزب في حالة انقسام غير مسبوقة بين متمسك بابن كيران ومطالب بإنهاء مرحلته بما لها وما عليها.

وعلى امتداد الأشهر الماضية، كان ابن كيران وموضوع "الولاية الثالثة" حديث الساعة، وخاض فيه "الإخوة المختلفون" معارك شرسة تخلوا في عديد منها عن اللياقة المطلوبة، منتظرين بشكل متعصب لموقفهم سواء المؤيدين لاستمرار ابن كيران على رأس الحزب لولاية جديد أو الرافضين لذلك.

وعلى الرغم من تصويت المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (برلمان الحزب) ضد مقترح تعديل المادة 16 بما يسمح لابن كيران الترشح لولاية ثالثة، لم ييأس الفريق المؤيد لاستمرار ابن كيران، وانخرط عدد من المؤتمرين في حملة جمع توقيعات من أجل المطالبة بإدراج الولاية الثالثة في جدول أعمال المؤتمر الوطني الثامن المزمع عقده نهاية الأسبوع الجاري.

تحركات الفريق المدافع عن استمرار ابن كيران أمينا عاما للحزب، بعد الهزيمة التي تلقاها في الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني، لم تهدأ واجتهدت في البحث والتنقيب في النظام الأساسي للحزب عن النصوص التي يمكن أن تدعم موقفهم، وهو ما واجهته الأمانة العامة للحزب في بيان رسمي أعلنت فيه رفضها إدراج موضوع الولاية الثالثة ضمن جدول أعمال المؤتمر، وهو ما رد عليه مؤتمرون بالطعن وطلب رأي هيئة التحكيم.

وفي حمأة هذا الصراع الذي ازداد اشتعالاً مع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر، تفطن أعضاء الحزب من المؤيدين لابن كيران، إلى مادة غفل عنها الإخوة المنقسمون طيلة الأسابيع الماضية، حيث تقول المادة 105 من النظام الأساسي للحزب، الذي جرى تعديله في المؤتمر السابع سنة 2012: "يدخل هذا النظام حيز التنفيذ بعد مصادقة المؤتمر الوطني عليه ولا يُعمل به بأثر رجعي، وينسخ جميع المقتضيات المخالفة".

ويرى أنصار "الولاية الثالة" بأن المادة 105 من النظام الأساسي للحزب تجعل المادة 16 من النظام الذي اعتمد سنة 2012، وحددت تولي منصب الأمين العام في ولايتين فقط، رفعت الحرج ولم يعد هناك أي مبرر يمنع ابن كيران من الترشح لولاية جديدة، لأن النص "واضح وابن كيران لم يمضِ إلا ولاية واحدة على رأس الحزب فقط".

وقال حسن حمورو، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية إن المادة 105 من النظام الأساسي التي لم ينتبه لها حسمت الأمر والجدل بشكل نهائي، معتبرًا أن عبد الإله ابن كيران بموجب هذه المادة أصبح من حقه الترشح لولاية جديدة على رأس الحزب، بغض النظر عن طرح تعديل المادة 16 في المؤتمر، لأن حسابيا واستنادا للنظام الأساسي فإن ابن كيران تولى قيادة الحزب لولاية واحدة فقط.

وأكد حمورو، وهو أحد أشد المدافعين عن استمرار ابن كيران أمينا عاما للحزب، في تصريح لـ"إيلاف المغرب"، أن المعركة أصبحت قانونية ، وأن من يرى أن ابن كيران ليس من حقه الترشح ما عليه إلا التوجه للقضاء والطعن في انتخابه إذا ما جرى في المؤتمر.

من جانبه، عد عبد العزيز أفتاتي، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية وأحد القياديين الذين أعلنوا دعمهم للولاية الثالثة، أن ما أثير حول المادة 105 "نقاش ليست فيه أي مشكلة إذا كان لمصلحة وحدة الحزب"، لافتا إلى أن الحزب في حاجة إلى "نقاش هادئ من أجل التوصل إلى توليفة تمكننا من الخروج من هذه الوضعية".

وقال أفتاتي في اتصال هاتفي مع "إيلاف المغرب" إن ظهور هذا المعطى الجديد "في الغالب لم يكن تدقيق المادة 105 والإخوان كلهم يتذكرون السياقات التي دفعتنا لإقرار هذا التعديل وشروط تلك المرحلة"، ودعا المتحدث ذاته إلى "الاطلاع على أرشيف الحزب ومراجعة النقاش المحفوظ في التقارير والمحاضر لحسم الموضوع".

وقال افتاتي" كنا نستحضر أن الحزب منطلق وإلا لماذا ظهر هذا النقاش ؟"، وذلك في إشارة إلى أن ابن كيران قضى ولايتين على رأس الحزب، مقرا في الآن ذاته، بأن نص المادة 105 "يفيد عدم الرجعية بشكل صريح لكن يجب أن نرى أين المشكل؟ هل في النص الذي لم ندققه أم ماذا؟". 

وأكد أفتاتي على ضرورة "الملاءمة والاتفاق على مقاربة موحدة للموضوع"، وأضاف موضحًا "هل الأمانة العامة تشرح الموضوع أم مكتب المجلس الوطني؟ وما يهمني هو وحدة الحزب وسبل الاستمرار جميعا موحدين، لأن الحزب لا يمكن أو يكون من دون ابن كيران أو من دون الرميد والعثماني وغيرهم من الرواد، الحزب لا يمكن أن يكون بابن كيران لوحده ولا يمكن أن يكون من دونه"، وهو ما يفيد بأن الحزب يواجه تحديا كبيرا في الخروج موحد من محطة المؤتمر الوطني الثامن التي تنبئ كل المؤشرات بأنه سيكون "عاصفا".

ويلتزم رموز تيار الوزراء المعارض لاستمرار ابن كيران على رأس الحزب الصمت إزاء هذه التطورات الأخيرة، حيث قال أحد الوزراء المحسوبين إن النقاش المثار "صحي وليس لنا أي مانع في النقاش داخل المؤسسات".

وأضاف الوزير الذي لم يرغب في ذكر اسمه، في اتصال هاتفي مع "إيلاف المغرب"، أن مسألة الولاية الثالثة حسمها المجلس الوطني بالتصويت ضدها، مؤكدا أن ما يتداوله أنصار هذا الموضوع بخصوص المادة 105 "غير صحيح وينطوي على مغالطات تخدم موقفهم"، مقللاً من تأثير ذلك على المؤتمر.

وبين هذه المواقف التي تتجاذب حزب العدالة والتنمية المغربي على بعد يوم واحد من انعقاد المؤتمر، يبقى موقف الأمين العام للحزب عبد الإله ابن كيران، الذي يلتزم الصمت إزاء التطورات الأخيرة، هو الفيصل في الموضوع، إذ يراهن عليه الطرفان المتصارعان من أجل إنهاء الجدل، إما برفض الترشح لولاية ثالثة سيكون من شأنه تجنيب الحزب شبح الانقسام الذي يتهدده، أو تأييده للدفوعات التي يطرحها المتمسكون باستمراره ويرفع التحدي مجددًا لمواصلة قيادة سفينة الحزب وسط أمواج عاتية تهدد سلامتها.

من جهة اخرى ، ألقى ابن كيران اليوم خطابًا مؤثرًا أمام قبر عبد الله بها، وزير الدولة الذي توفي في حادث قطار، قبل ثلاث سنوات.

وتحدث ابن كيران بحسرة شديدة على فراق بها، وقال : “نحن الآن نمر من امتحان، لا اعتراض لنا على قدر الله ، ولكن كنا سنكون مسرورين لو حضر معنا بها وساعدنا برأيه الراجح”.

واضاف ابن كيران : “ما أزال حتى الساعة أتساءل لفهم هذا القدر، الذي أخذ هذا الأخ الذي عاش إلى جواري وشاء الله أن أتم هذا المشوار من دونه”، معتبرا وفاة بها، من أكبر المصائب التي لحقت به.

ودعا ابن كيران مؤتمري الحزب، وأعضاءه والمتعاطفين معه، إلى الصبر والتمسك بالباقيات الصالحات، والأخلاق، والصبر حفاظًا على القواعد التي جمعت المناضلين، مهما كان الواقع.