الرباط : خرج حزب العدالة والتنمية المغربي من محطة المؤتمر الوطني الثامن الذي انتخب فيه رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أمينًا عامًا جديدًا للحزب خلفًا لعبد الإله ابن كيران، بأضرار بسيطة لم تؤثر على وحدة الحزب وتماسكه، مغالطًا بذلك القراءات التي توقعت هذا السيناريو إثر حالة الانقسام التي برزت بين قيادات الحزب عقب إعفاء أمينه العام من تشكيل الحكومة في مارس الماضي.

عودة الانقسام

سعد الدين العثماني الأمين العام الجديد لحزب العدالة والتنمية المغربي 

ولم يكد ينهي المؤتمر أشغاله، حتى عادت حالة الإنقسام لتلقي بظلالها على سماء بيت الحزب ( مرجعية إسلامية) ، بعدما قرر الأمين العام الجديد ومن ورائه ما بات يعرف بـ"تيار الوزراء" القطع النهائي مع التيار المخالف لهم، وذلك من خلال إعلان أسماء فريق الأمانة العامة للحزب الذي سيدير شؤون الحزب في مرحلة ما بعد ابن كيران، والتي كانت مفاجئة للبعض بخلوها شبه التام من الأصوات المعارضة له.

ومن أبرز الأسماء التي أقصاها العثماني من الأمانة العامة في تركيبتها الجديدة، عبد العزيز أفتاتي، القيادي المثير للجدل والذي تصدر قائمة انتخاب أعضاء المجلس الوطني بحصوله على 914 صوتاً، بالإضافة إلى كل من بلال التليدي، وأمينة ماء العينين، وعبد الصمد السكال، وعبد العلي حامي الدين، عضو الأمانة العامة السابق، ومحمد خيي، وهؤلاء كلهم معروفون بموقفهم المؤيد للولاية الثالثة لابن كيران، وعبروا في المداولات عن تأييدهم لإدريس الأزمي الإدريسي الذي تغلب عليه العثماني بفارق بسيط. 

واعتبر ميلود بلقاضي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن قرار إبعاد مجموعة من المناوئين لخلافة العثماني لابن كيران في الأمانة العامة، سيدفع "أعضاء شبيبة الحزب وآخرين إلى الاستمرار في التمرد على الحكومة". 

وأضاف بلقاضي في تصريح لـ"إيلاف المغرب" أن حزب العدالة والتنمية خرج من "وضعية الحزب المنضبط والموحد إلى حزب سيعرف تصدعات داخلية ومجموعة خلافات بين المجلس الوطني الذي يرأسه الأزمي، الموالي لابن كيران، وبين العثماني رئيس الحكومة". 

ميلود بلقاضي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء

الملكية والمشهد السياسي

وفي قراءته لنتائج المؤتمر الوطني الثامن لحزب العدالة والتنمية، يرى المحلل السياسي، محمد شقير، أن ما حدث في مؤتمر حزب الإسلاميين المغاربة يؤكد أن المؤسسة الملكية هي التي "تتحكم في مجريات المشهد السياسي بالبلاد"، معتبراً أن إعفاء الملك محمد السادس لعبد الإله ابن كيران من تشكيل الحكومة كانت له تداعيات "هي بشكل أساسي ما سبق وما راج في المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية". 

 وقال شقير في تصريح ل"إيلاف المغرب"، إن نتيجة المؤتمر حسمتها إقالة الملك لابن كيران من قبل , وذلك ما كرسته مجريات المحطة التي سبقها جدال واسع بين التيارين المختلفين، 

وأفاد المحلل السياسي المغربي بأنه على الرغم من كل الجدل المثار في الحزب حول الإعفاء، استطاع في النهاية "تيار الوزراء" حسم المعركة لصالحهم، مرجعًا ذلك إلى امتلاك أنصار هذا التيار لوسائل مكنتهم من فرض توجههم في المؤتمر.

ومضى شقير موضحًا أن المواقع التي يحتلها عدد من رموز "تيار الوزراء" في الحكومة والمجالس المنتخبة بمختلف مدن المملكة، منحتهم "القوة والقدرة على فرض رأيهم على المؤتمر بخلاف أنصار ابن كيران الذين ليست لهم أنياب سياسية والقدرة على فرض رأيهم".

المحلل السياسي محمد شقير 

بين الوحدة والانشقاق 

وإذا كانت نتيجة المؤتمر متوقعة بالنظر لتأثير قرار إعفاء ابن كيران، حسب شقير، فإن التداعيات كان يتوقع أن تؤدي أيضا في آخر المطاف إلى "انقسام داخل الحزب وهم ما لم يحصل حتى الآن"، وذلك في إشارة منه إلى أن هذا السيناريو يظل قائمًا.

غير أن هذا الرأي، لا يتفق معه المؤرخ والمحلل السياسي، المعطي منجب، الذي استبعد حدوث أي انشقاق في حزب العدالة والتنمية، حيث قال: "لا أظن أن الحزب مهدد بالانشقاق وإنما أتوقع تجميد بعض المناضلين لعملهم داخل الحزب، خصوصًا الذين انخرطوا في الحزب على أساس أنه توجه إصلاحي قوي يناهض الفساد والاستبداد"، معتبرًا أن ذلك سيكون مشابها لما حدث داخل الاتحاد الاشتراكي خلال سنة 2002.

وأشار شقير ذاته، إلى أن خروج الحزب موحدا بعد المؤتمر ساهم فيه ابن كيران بشكل كبير عندما "أعلن تراجعه وانسحابه بشكل واضح ومؤطر من الأمانة العامة وتركها حفاظا على تماسك الحزب ووحدته التنظيمية"، وعاد شقير ليؤكد مرة أخرى أن "قرار الإعفاء الملكي هو الذي كان وراء هذا المسار".

وأوضح شقير أن تجربة حزب العدالة والتنمية يستخلص منها أن هذا "الحزب دائمًا يتأقلم مع إملاءات السلطة ويخضع لها"، مبرزا أن هذا المنطق المرن ليس "مسألة جديدة بالنسبة للحزب لأنه حزب ملكي وهذا السلوك جزء من الثقافة الداخلية للعدالة والتنمية وقيادته"، معتبرا أن توظيف معارضي ابن كيران لورقة للمواجهة والصدام مع السلطة "يدخل في إطار المزايدات والاستهلاك السياسي".

تراجع شعبي وانتخابي

وتوقع منجب، في تصريح لـ"إيلاف المغرب" أن تهميش التيار الإصلاحي داخل قيادة حزب العدالة والتنمية سيؤدي إلى إضعاف الحزب على المستوى الامتداد الشعبي، مبرزًا أن هذا الوضع سيؤثر على نتائجه في الانتخابات المقبلة.

وقال منجب: "أتوقع أن يحصل حزب العدالة والتنمية على عدد أصوات أقل في الانتخابات المقبلة، وقد تتغير سوسيولوجيا الحزب كما وقع لحزب الاتحاد الاشتراكي سنة 2002"، لافتًا الى أنه يمكن أن يعود ويحقق نتائج انتخابية جيدة على المستوى البعيد، لكن بـ"الأعيان وتغيير سوسيولوجيا الحزب سيؤدي إلى تراجع المناضلين شيئا فشيئا"، وذلك في حالة ما إذا "ظل "تيار الوزراء" مسيطرًا على الحزب في ظل حكومة ضعيفة"، وفق تعبيره.

المؤرخ والمحلل السياسي المعطي منجب 

بدوره، يرى بلقاضي أن العدالة والتنمية بعد المؤتمر الوطني الثامن ليس بالشكل الذي كان قبله، معتبرًا الأرقام التي سجلتها عملية انتخاب الأمين العام الجديد كانت دالة وتشير إلى دخوله مرحلة جديدة.

وقال بلقاضي إن الحزب خسر "الكثير من خصائصه"، مؤكدًا أن التكلفة "ستكون باهظة سياسيًا وشعبيًا"، حيث ستعرف الانتخابات المقبلة "تراجعات كبرى لهذا الحزب"، وذلك في تناغم واضح مع رأي منجب.