نصر المجالي: في أول مواجهة منذ خمس سنوات، شهدت موسكو، يوم الجمعة، لقاء بين وزيري الخارجية الروسي والبريطاني لم يخل من الانتقادات وكلمات المجاملة، وتسعى لندن وموسكو لترتيب الأجواء بينهما بعد سنوات من اشكوك والقطيعة.

أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه على الرغم من توجيه اتهامات لروسيا بأنها تدخلت في شؤون دول أخرى، لم يقدم أحد أدلة تؤكد ذلك.

وتواجه لافروف ونظيره البريطاني بوريس جونسون أمام الصحافيين الانتقادات والتصريحات اللاذعة حول كل شيء بدءا من التدخل المزعوم في السياسات البريطانية الى تدخل موسكو في اوكرانيا وسوريا، وبرز توتر احيانا في الاجواء خلال مؤتمرهما الصحافي، حسب (سويس إنفو).
ووصل جونسون المعروف بصراحته الكبيرة الى موسكو سعيا لفتح قنوات تواصل، وحاول في تصريحاته مع لافروف أن يثبتا ان دولتيهما مستعدتان لاتخاذ خطوات للتقارب.

الغاء زيارة

وكان جونسون الغى زيارته لموسكو في ابريل الماضي في اللحظة الاخيرة بسبب دعم روسيا لنظام الرئيس السوري بشار الاسد، ومعروف أن بريطانيا كانت ايضا من المؤيدين المتحمسين لفرض عقوبات غربية على روسيا لدورها في النزاع الاوكراني وضم القرم في 2014.

وقال لافروف خلال المؤتمر الصحفي المشترك تعليقا على اتهامات جونسون لروسيا بأنها حاولت التدخل في شؤون بريطانيا: "حتى الآن لم نر أي وقائع. ولو كان هناك عدد كبير منها، لكان سيتسرب شيء على الأرجح. ولكن حتى الآن لم نسمع شيئا سوى ادعاءات لا أساس لها بأن أحدا نشر إعلانات دعائية على شبكات التواصل الاجتماعي بثمن ضئيل".

تدخل روسي

من جانبه قال جونسون بهذا الخصوص: "للأسف كانت هناك أدلة كثيرة على تدخل روسيا في الانتخابات في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة، ولكن كما قلت لا توجد أدلة على تدخل روسي ناجح بالانتخابات في بريطانيا".

وقال لافروف للصحافيين انه يرحب بتصريح أدلى به جونسون في نوفمبر بانه لا توجد أدلة على تدخل روسيا، "ولا حتى قطعة نقانق" في استفتاء بريكست. لكن جونسون قاطعه بالقول "دون تحقيق نجاح".

ورد لافروف "أرأيتم، عليه ان يقول هذا كي لا يتعرض للانتقاد في بريطانيا، حفاظاً على سمعته". ورد الوزير البريطاني مبتسما "ما يقلقني هو سمعتك انت يا سيرغي".

واشتكى لافروف من ان بريطانيا رفضت تسليم موسكو معلومات سرية حول قضية الكسندر ليتفننكو الجاسوس السابق والمعارض للكرملين الذي قتل بجرعة اشعاع سامة في لندن في 2006 وسبب مقتله توترا في العلاقات.

وفي الوقت ذاته أعرب جونسون عن أمله "بطي هذه الصفحة، والتحرك إلى الأمام".

ودعا جونسون نظيره الروسي إلى الاعتراف بأن روسيا حاولت التدخل في الشؤون المتعلقة بالاستفتاء حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ورد عليه لافروف أنه "من الصعب جدا الحديث عن ذلك في غياب الوقائع"، مضيفا أن هذه الأمور افتعلتها الدول الغربية، وأنها أصبحت "رهينة" لهذا الموضوع.

محاربة الارهاب

ودعا لافروف بريطانيا إلى عدم وضع عوائق مفتعلة أمام التعاون في مجال محاربة الإرهاب، وقال إن "هذا موضوع مهم جدا، حيث لا يجب أن تكون أي عوائق مفتعلة أمام التعاون على المستوى العالمي بين كافة الدول".

وتابع قائلا: "لا يجب أن تكون هناك أي محاولات لوضع أي شروط لهذا التعاون"، مشيرا إلى أن ما يعيق التعاون الحقيقي في مجال مكافحة الإرهاب هو قرار الحكومة البريطانية بتجميد الاتصالات مع جهاز الأمن الفدرالي الروسي بسبب قضية اغتيال الضابط السابق في جهاز الأمن، الكسندر ليتفينينكو، الذي هرب إلى لندن، وتوفي نتيجة التسمم بمادة البولونيوم عام 2006.

وأعرب لافروف عن قلقه إزاء عدم تقديم الأجهزة الأمنية البريطانية لروسيا معلومات حول الملابسات المتعلقة بهذه القضية.

ومع ذلك أشار لافروف إلى أن هناك اتصالات بين أجهزة الأمن الروسية والبريطانية بشأن ضمان الأمن خلال مباريات كأس العالم لكرة القدم في روسيا العام المقبل، مضيفا أنه كانت هناك لقاءات على مستوى وزارتي الداخلية، وعلى الأرجح سيشارك جهاز الأمن الفدرالي الروسي في هذا العمل أيضا.

وفي اعقاب الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي (بريكست) في 2016 والذي أيد فيه جونسون المغادرة، انضمت بريطانيا الى العدد المتزايد من الدول الغربية التي تتهم روسيا بالتدخل في انظمتها السياسية.

لا عدائية

وفي نفس الوقت أشاد لافروف بمحادثاته مع جونسون قائلا انه لم يشعر بأي "عدائية" مضيفا ان موسكو على استعداد للحوار مع لندن على قدم المساواة. وقال: "نحن على استعداد لتطوير حوار في عدد كبير من الملفات على اساس المساواة (مع) الاخذ بعين الاعتبار مصالح كل منا واحترامها".

وأضاف ان موسكو أرادت من محادثات الجمعة ان تؤدي الى "خطوات ملموسة" تساعد في انعاش العلاقات. "علاقاتنا - وهذا ليس سرا - هي في أدنى مستوى"، قال لافروف: - ملتزم بالعمل معا -.

من جهته وصف جونسون نفسه بأنه "من الملتزمين بالصداقة مع روسيا". وقال "علينا ان نجد طريقة للمضي قدما وحتى ذلك الوقت اعتقد انه علينا التعاون في المجالات التي يمكننا فيها بناء مستقبل أفضل".

وأشار جونسون الى التعاون الاقتصادي بما في ذلك "تنمية صادرات رقائق البطاطس الى روسيا" وبيع 300 سيارة بنتلي هذه السنة.

أجواء مرح 

وأشاع الوزيران جوا من المرح وتبادلا النكات عندما قال لافروف انه يثق في جونسون "بما يكفي ليناديه باسمه بالروسي باريس". وقال جونسون من جانبه ان ثقته بلافروف من العمق بحيث انه سلمه معطفه.

فرد لافروف على الفور "يمكنني القول ان جيوب معطف بوريس كانت فارغة تماما"، فرد بوريس "إذن كان لديك الوقت لتفتيشها؟".

وقال جونسون لنظيره الروسي سيرغي لافروف في مستهل المحادثات ان على روسيا وبريطانيا التعاون من أجل الامن العالمي وان مجالات التعاون بين الدولتين أهم بكثير من مسائل الخلاف.

وقال للافروف "المسائل صعبة لكننا نريد العمل سويا حول بعض القضايا، سيرغي ونحن، نريد العمل من أجل مستقبل أفضل. لدينا واجب العمل سويا من أجل السلام والامن".

وقبل الزيارة قال جونسون نفسه ان لديه أمل ضئيل في تحول كلي للعلاقات مع موسكو، وفي مقابلة مع وكالة الانباء البولندية بي.ايه.بي قبيل الزيارة الى روسيا قال جونسون انه "ليس من أنصار الحرب الباردة" لكنه "لا يعتقد ولا للحظة بأن العلاقات يمكن اعادة اطلاقها من الصفر".