غاندي المهتار، إيلاف من بيروت: ها قد حلّت الذكرى الخامسة عشرة على انطلاقة "إيلاف" وإعلام اليوم غير إعلام أمس، والصحافة الإلكترونية اليوم غير الصحافة الإلكترونية أمس، بعدما تسارع التطور التقني فأوصلنا بغفلة منا إلى عصر الديجيتال، وعصر أبطال الديجيتال، أي الاختراعات التي سخّرها العلم الحديث لخدمة الإنسان في حياته ومهنته. 

ولمن قال إن الصحافة والإعلام المهن التي لا غناء فيها عن الإنسان، أثبت الزمن شيئًا فشيئًا أن التقانة الحديثة تتسلل إلى أدق تفصيلات مهننا نحن البشر، لتركننا يومًا ما على الرف. فإلى جانب ما تميز به عالم التواصل والاعلام من اكتشافات تبدو لنا اليوم بدائية، على الرغم من لزوميتها، كالهاتف الذكي الذي يزيد ذكاءً جيلًا بعد جيل، والانترنت الذي هو أساس كل ما يتفتق عنه العقل البشري من اكتشافات، وتقنيات البث بالجيل الثالث والرابع... هناك ما ذهب أبعد من مجرد أفكار، أبعد مما تحده العقول.​

إنه عصر الديجيتال، وعصر أبطال الديجيتال ألا وهي الاختراعات التي سخّرها العلم الحديث لخدمة الإنسان في حياته ومهنته. لكن، ثمة من يقول إن هناك العديد من المهن التي لا غناء فيها عن الإنسان، كالصحافة والإعلام. 

إلا أن الزمن يثبت شيئًا فشيئًا أن التقانة الحديثة تتسلل إلى أدق تفصيلات مهننا نحن البشر لتركننا يومًا ما على الرف.

إلى ما تميز به عالم التواصل والاعلام من اكتشافات تبدو لنا اليوم بدائية، على الرغم من لزوميتها، كالهاتف الذكي الذي يزيد ذكاءً جيلًا بعد جيل، والانترنت الذي هو أساس كل ما يتفتق عنه العقل البشري من اكتشافات، وتقنيات البث بالجيل الثالث والرابع، هناك ما ذهب أبعد من مجرد الأفكار.

نعم.. الرجل الآلي الصحافي

ربما أول ما يتبادر إلى الذهن في هذا السياق أن الصحافة، أو الإعلام في عامته، لا يمكنه أن يستغني عن العامل الإنساني. علينا أن نغير رأينا. فمن المعتاد عندما نشاهد صالة التحرير الخاصة بإحدى الصحف أن نرى مجموعة من الصحافيين منهمكين في كتابة الأخبار ومتابعة الحوادث، لكن يبدو أن هذا المشهد على وشك أن يتغير إذ استعانت العديد من الصحف ووسائل الإعلام بـ"روبوتات ذكيَّة" لمساعدتها في تنفيذ بعض مهام الصحافيين.

فبواسطة تطبيق «Periscope» للبث الحي التابع لتويتر، يمكن الروبوت تقديم خدمة تفاعلية حيّة لمساعدة المشاهدين في منازلهم على طرح أسئلة على السياسيين، ليشعروا بأنهم متواجدون في الحدث، ويتابعون كل جديد.

وفي ظل الأحوال الاقتصادية السيئة التي تمر بها بعض المؤسسات الصحافية، واتجاهها للإغلاق أو تقليل عدد العاملين فيها، ربما سيكون الاستعانة بالروبوت الصحافي هو الحل خصوصًا مع انخفاض تكلفة عمله. لكن تظل فكرة قيام روبوت بأعمال صحيفة غير مفهومة لدى الكثيرين.

حقق سبقًا صحافيًا

يرجع اختراع الروبوت إلى مدرس سويدي يُدعى سفيركير جوهانسون، حاول تصنيع برنامج كمبيوتر سماه "Lsjbot"، يعيد صوغ المحتويات المكتوبة عن طريق إدخال البيانات عليه، منتجًا أكثر من 2.7 مليون نص مكتوب على موقع ويكيبيديا، مستخدمًا برنامجًا يعتمد على الحسابات الخوارزمية، وبإجراء بعض التعديلات المتقدمة عليها يمكن إنتاج قصص إخبارية أكثر تعاطفًا مع فريق ضد آخر. وأصبح في إمكان الروبوت الواحد إعداد تقارير اقتصادية تصل إلى 20 صفحة.

وبحسب تقارير صحافية، بعد مرور ثلاث دقائق فقط على ضرب زلازل ولاية كاليفورنيا الأميركية في 12 مارس 2014، نجحت صحيفة لوس أنجليس تايمز في تحقيق سبق صحافي بنشرها تفاصيل ما حدث على موقعها باستخدام روبوت ابتكره الصحافي والمبرمج كين شوينكي، تتمثل مهمته في كتابة القصة الخبرية بشكل آلي عند وقوع الزلازل، بالاعتماد على مصادر موثوقة مثل الهيئة الأميركية للمسح الجيولوجي تضع المعلومات في قوالب جاهزة لمساعدة الروبوت على إنتاج الأخبار في صورتها النهائية. ويستخدم هذا الابتكار أيضًا في إنتاج قصص إخبارية أخرى، إضافة إلى الزلازل مثل الجرائم.

الجريدة الإلكترونية الجديدة مفتوحة

 

المنصات الرقمية

إن كان الصحافي الآلي مسألة رؤيوية أكثر منها يومية، ولو صار الروبوت المحرر آليًا، فثمة إختراعات رقمية لا تقل شأنًا عنه لكنها أكثر تداولًا لأنها صارت في متناول اليد. إنها منصات النشر الحديث، التي تتجاوز مسألة التواصل الاجتماعي، ولو أن هذا التواصل جزء منه لا يتجزأ. فهذه المنصات تقوم على التقانة المتقدمة في صناعة الأخبار. 

فعندما ينظر الصحافي، أو أي مواطن عادي، إلى منصة النشر مثل "تامبلر"، ويبدو أحيانًا أن الطريقة الوحيدة التي لا يمكن نشر خبر على الإنترنت هي طي الرسالة في زجاجة مقفولة ورميها في البحر، علّها تصل يومًا إلى غايتها. ففي هذا التطبيق ما تحتاجه فعليًا: البريد الإلكتروني والهاتف الصوتي، وتطبيق سطح المكتب، وتطبيقات آيفون، ومنصة تدوين يقدم خدمات تسمح للمستخدم أن ينشر ما يريد نشره في الشبكة العالمية من خلال خيارات عدة. تقول صحيفة "غارديان" البريطانية إنه لا سبب يمنع الصحافي من استخدام "تامبلر" أو "يوتيوب" أو "ديبيتي" لرواية ما يريد روايته. ففي الواقع، أنشأ بول ماسون أول "مدونة" خاصة بهيئة أخبار الإذاعة البريطانية لأجل "نيوزنايت" على "تيايباد"، وليس على "بي بي سي أونلاين"، أي ليس على الموقع الإلكتروني الخاص بـ "بي بي سي". تم دمج المدونات بعد ذلك في موقع بي بي سي عندما أثبت ماسون أن لهذه الوسيلة قيمة صحافية عالية.

مع هذا التطور، انخفض عدد من المعدات اللازمة لتغطية الحوادث. فلا حاجة اليوم إلا لهاتف ذكي واحد يحل محل الكاميرا وأجهزة التسجيل الصوتية وأجهزة الكمبيوتر المحمول اللازمة لتقديم تقرير عن الحوادث.

أدوات خوارزمية

إلى جانب هذه المنصات، ثمة أدوات رقمية حديثة تساهم في تسريع عملية نشر الخبر الصحافي، مثل الـ"بوتس" (Bots)، التي لم تتوصل العربية بعد إلى صوغ مرادف لها. ينقل موقع Journalism.co.uk البريطاني عن أيمي ويب، الرئيسة التنفيذية لمجموعة ويب ميديا الإعلامية، قولها: "من المثير للاهتمام فعليًا أن الكثير من وكالات الأنباء يستخدم الـ ’بوتس‘ من دون أن تدرك". وقد بدأ بعض وكالات الأنباء استخدام هذه الأداة الإعلامية الرقمية الجديدة وسيلة لأتمتة عمليات غرفة الأخبار من خلال خوارزميات معينة، لتحرير الصحافيين من قيود كثيرة، ما يتيح لهم فعل أشياء أخرى.

وبحسب الموقع البريطاني نفسه، أنشأت صحيفة نيويورك تايمز أداة مشابهة سمتها "بلوسوم"، يمكنها التكهن بأداء محتوى تشاركه وسيلة إعلامية ما على وسائل التواصل الاجتماعي، وبضرورة ترويج بعض الأخبار على منصات خلافًا لمنصات أخرى، وفقًا لنوع المحتوى نفسه.

تقول ويب إن هذه الأداة قادرة على جمع البيانات المنشورة لتواكب المادة الصحافية، ما يسهل أمر نشرها أكثر من خلال وسومات معينة، تعرف هذه الأداة كيف تدبرها. ومن شأن هذا، بحسب ويب، أن يسمح لغرف الأخبار وضع معايير محددة لتخزين بيانات التعريف بطريقة متسقة لأغراض البحث الداخلي والخارجي.

الجريدة الإلكترونية الجديدة مقفلة

 

الأشهر والأقدر

لكن، بعد كل هذه المصطلحات الصعبة، إن سألت أحدًا عن الاختراع الذي قلب موازين الإعلام، وجعله "عرضة" للتعميم، فيجيبك بكل بدهية: "فايسبوك".

إنه موقع مارك زوكربرغ الذي صار في عقد من الزمان مالئ الدنيا وشاغل الناس. فهذا الموقع الذي تأسس جامعيًا في 2004، وصار أكبر دولة في العالم من حيث عدد المنتسبين إليه في عام 2015، يقدم للاعلام منصة تواصلية تتفرع في كل أنحاء العالم، لتصل إلى نحو 87 في المئة من البشر.

وفي عام 2016، يدخل 50.3 في المئة من الاميركيين، من كل الأعمار، على فايسبوك مرة واحدة على الأقل شهريًا، علمًا أنه ابتداء من 2015، كان لنحو 70 في المئة من سكان الولايات المتحدة "بروفايل" على إحدى شبكات تواصل الاجتماعي. والمهم أيضًا أن نحو 30 في المئة من الأميركيين يحصلون على الأخبار من فايسبوك حصرًا، أي تحول موقع التواصل الاجتماعي هذا مصدرًا مهمًا للأخبار. 

درون التصوير

أحيانًا، تكون القصة متاحة، وعدة إنتاجها كمحتوى خبري موجودة، لكن يحتاج الصحافي إلى صورة كي يدعم بها قصته. صار التصوير متاحًا حتى لو كان الوصول إلى مكان الحدث مستحيلًا بالطائرات الجديدة من دون طيار، المحملة بكاميرات تصوير والموجهة بجهاز للتحكم عن بعد. فهذه الطائرات هي آخر بدعة يلجأ إليها الصحافيون للحصول على سبق صحافي وعلى تفاصيل الحوادث من دون أن تطردهم الشرطة من موقع الجريمة مثلًا.

اليوم، في الولايات المتحدة أو في دول كثيرة اخرى، ما تلبث سيارة الشرطة أن تنطلق للاستجابة لنداء استغاثة أو بلاغ حتى تلاحقها طائرة بلا طيار. وعلى الرغم من أن هذه الوسيلة الحديثة مميزة في تقديم خبر موثق بالصورة مهما كان الثمن، فإن هيئة الطيران الفدرالي الأميركي وضعت قواعد جديدة لتنظيم استخدامها.

بقي استخدام الطائرات من دون طيار عسكريًا مدة طويلة قبل أن تدخل في الخدمة المدنية، والصحافية تحديدًا. ويقبل الصحافيون كثيرًا على هذه الطائرات لأنها تتيح لهم فرصة أفضل لتغطية الأخبار في مناطق يصعب الوصول إليها بالمروحيات، أو تعرض حياتهم للخطر.

الصحيفة الإلكترونية مطوية

لمن أعجبه الكتاب الإلكتروني الحالي... ما رأيك يا ترى بما يعده لك المستقبل؟ إن "إي رول" وسلية جديدة في النشر الإلكتروني تعتبر مستقبل الكتب الإلكترونية، بفضل تصميم فريد يعتمد على تقنية حديثة مستقبلية.

يتميز "إي رول" بشاشة مرنة تسمح بطيها وإعادتها إلى مكانها بسلاسة. إلا أن شركة التصميم محتارة بين تقنية اللمس أو شاشة مع لوحة مفاتيح عملية وسهلة التحكم. هذا لا يهم، فالقاسم المشترك بين الأمرين أنهما رائعان وعمليان وسهلي الاستخدام، وهذا ما يطمح إليه كثير من الناس والمصممين.

صمم دراغان ترينسيفسكي هذا الاختراع أو هذا الكتاب لكل شخص لتعزيز جاذبية القراءة أكثر فأكثر.

طائرات من دون طيار للتصوير الصحافي

 

أي دور؟

لا حدود للاختراعات الجديدة في هذا المضمار إلا الخيال. لكن: أي دور تلعب في تعزيز الإعلام؟ لا شك في أن الجواب عن هذا السؤال يحتمل قسمًا بديهيًا، وقسمًا يحتاج إلى شيء من التبصر. أما البدهية في الموضوع فأن نجيب، نحن قراء المحتوى الخبري، بأنها تعزز الإعلام من حيث تسهيل وصول الخبر في وقته الأمثل إلى المتلقي المنتظر، أو حتى إلى المتلقي الساهي أصلًا عن أي خبر. وهذا صحيح، بحسب إجماع الخبراء. فبانتشار الهاتف الذكي، صار الفرد يعرف ماذا يجري في هذا الكون من دون صعوبات تذكر، أللهم إلا "تنزيل" تطبيق ما يجرّ عليه الأخبار في لحظة حصولها.

وأما ما يحتاج إلى تبصر فيكمن في أن هذه الاختراعات تحرم المحتوى الخبري نفسه من إنسانيته. يقول الخبراء في هذا المجال إن لكل محرر صيغة، ولكل صحافي أسلوبا، ولكل كاتب طريقة، وفي هذه الصيغة أو الأسلوب أو الطريقة من نفس المحرر أو الصحافي أو الكاتب ومن إنسانيته ذاتها. فالروبوت يروي الخبر بلا روح، فيصير خبرًا بلا أبعاد، حتى لو حقق سبقًا صحافيًا بسرعة النشر.

وأما الاكتشافات الرقمية الأخرى، من منصات وأدوات خبرية فلها قيمتها "التيسيرية"، ويبقى الجهد البشري هو الأساس لا غيره.