إيلاف من واشنطن: كانت أيام لا تنسى تلك التي قضتها المسلمة رمانا أحمد مع الرئيس باراك أوباما، فهي انضمت للعمل تحت إدارته بعدما تخرجت مباشرة من جامعة جورج تاون في واشنطن عام 2011، وكانت حينها في الثانية والعشرين من عمرها.

في اليوم الأول الذي دخلت فيه أحمد، وهي ابنة لمهاجرين من بنغلاديش، البيت الأبيض، شعرت من العاملين هناك أنه مرحب بها على الدوام، وأنها جزء منهم، وهو ما لمست نقيضه تمامًا بعد ست سنوات حينما تولى دونالد ترامب رئاسة البلاد، كما كشفت في مقالة نشرتها في مجلة "ذا اتلانتيك" الخميس.

تولت الفتاة، التي قتل والدها في حادث سيارة عام 1996، وظائف عدة داخل المقر الرئاسي، قبل أن تنتقل إلى الجناح الغربي من البيت الأبيض عام 2012، حيث صارت قريبة من الرئيس أوباما، وبعدها بعامين انضمت إلى مجلس الأمن القومي، لتعمل كبيرة مستشاري نائب رئيس المجلس، الأمر الذي زاد من اتصالها المباشر بأوباما، حيث كانت تزوده بتقارير حول بعض القضايا التي كلفت بها، مثل لقاءاتها بقيادات جاليات مختلفة، لا سيما الإسلامية منها، إضافة الى إعادة العلاقات مع كوبا بعد قطيعة استمرت لعقود طويلة.

صدمة

لم تتخيّل رمانا أنها ستعمل في خدمة بلادها مع الرئيس مباشرة، وهي من قررت ارتداء الحجاب في الثانية عشرة من عمرها، وتعرضت بسبب ذلك إلى الكثير من الاعتداءات العنصرية، خصوصاً في الأشهر التي أعقبت أحداث سبتمبر 2001، فقد صرخ عليها رجل في محطة القطار بالقول "اللعنة على الإسلام.. اللعنة على حجابك، عودي إلى بلدك".

"مناخ أحداث سبتمبر" عاد مرة أخرى خلال حملة ترامب الانتخابية، ففي مواقف السيارات أمام متجر "كاسكو" مر بجانبها شخص وهو يقود مركبته ووجه إليها الشتائم وللحجاب الذي ترتديه، قبل أن يقول لها "إن ترامب سيعيدها إلى بلادها".

وتقول المسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي في مقالتها: "أصبت بحالة من الصدمة بعد فوز ترامب الذي يتبنى خطابًا عدائيًا ضد المسلمين، وكانت تداهمني نوبات من البكاء".

بعد فوز ترامب، قررت الاستقالة من منصبها في البيت الأبيض، لكن قادة مجتمع طلبوا منها الاستمرار بخدمة بلادها، فهي تستطيع البقاء في وظيفتها لأنها حصلت عليها بالتعيين المباشر، لا عبر التنصيب السياسي، لكن أول يوم عمل بعد تولي ترامب، في الثالث والعشرين من يناير الماضي، كان مختلفاً، فهي للمرة الأولى تشعر "بأنه غير مرحب بها، فزملاؤها الجدد في مجلس الأمن القومي استقبلوها باستغراب وبرودة بسبب حجابها".

وذكرت رمانا "أن الجناح الغربي تحول إلى معقل لرجال من لون واحد، ومجلس قومي يعتقد أعضاؤه أن التنوع العرقي يضعف الولايات المتحدة".

فوضى وتهميش

وأشارت إلى أن "البيت الأبيض أصبح مكانًا غريبًا ومروعًا وانقلب رأسًا على عقب، وانتشرت به الفوضى". ونقلت عن أحد الموظفين الذين يعملون هناك منذ عهد الرئيس دونالد ريغان "أنه لم يرَ المقر الرئاسي بهذا السوء والفوضى، فهذه مستحيل أن تكون نتاج إدارة جمهورية، أو حتى إدارة رجل أعمال".

ولاحظت "أن القرار صار بيد قلة في الجناح الغربي، وهُمش الموظفون والوكالات الفيدرالية والأمنية والخبراء، وصارت تصدر قرارات مشكوك بصحتها القانونية، وتبنى المسؤولون الجدد خطاباً يعتمد على الكذب ومهاجمة وسائل الإعلام".

وقالت: "لم تكن هناك هيكلية أو توجيهات واضحة، وكانت الممرات داخل البيت الأبيض فارغة، فيما تُركت الكثير من الوظائف المسؤولة عن إدارة الأمن القومي والتواصل مع الأميركيين شاغرة".

وأكدت أنها قررت الاستقالة في الثلاثين من يناير الماضي، بعدما أصدر ترامب مرسوماً بحظر دخول مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة، "في الوقت الذي يضم فيه فريق البيت الأبيض شخصاً (ستيف بانون كبير مستشاري ترامب) يقول إن هناك حرباً بين الغرب والإسلام".

أشعر بالإهانة..

ورأت المستشارة السابقة في مجلس الأمن القومي أن قرار "الحظر" لم يجعل أميركا أكثر أمناً، بل أعطى داعش مبررات لدعم مزاعمها بأن الولايات المتحدة عدو للإسلام والمسلمين.

وقالت إنه في مساء يوم عملها الأخير، ذهبت لتودع زملاءها، ثم عادت إلى مكتبها الذي يشاركها فيه مايكل أنتون، كبير مستشاري ترامب للاتصالات في مجلس الأمن القومي.

وذكرت أنه لم يسألها عن سبب استقالتها، بل اكتفى بالاستفسار عمّا إذا كانت ستترك العمل الحكومي كلياً.

وأضافت: أردت أن أخطره بسبب مغادرتي حتى لو لم يسأل، وقلت: "إنني أشعر بالإهانة كلما أمشي في المبنى الأهم في البلاد، الذي تقوده إدارة تسيء لكل شيء أدعمه كأميركية وكمسلمة".

وتابعت: "إن الإدارة الجديدة تهاجم كل أسس الديمقراطية، وأتمنى أن يكون الكونغرس مستعداً للقيام بمسؤولياته لمواجهة نتائج قرارات هذه الإدارة".