«إيلاف» من القاهرة: بعد مضي ست سنوات على اندلاع ثورات الربيع العربي، التي تزامن معها تفجر موجة جديدة من التطرف والإرهاب، بات من الواضح أن العالم العربي فشل فشلًا ذريعًا في المواجهة الفكرية مع الجماعات المتطرفة.

انتهت نتائج الاستفتاء الأسبوعي لـ"إيلاف" إلى أن المواجهة الفكرية مع الإرهاب في العالم العربي فشلت.

وطرحت "إيلاف" على القراء السؤال التالي: هل تعتقد أن جهود مواجهة التطرف فكرياً نجحت في العالم العربي؟ "نعم أم لا؟"

وشارك القراء في الاستفتاء، وأكدت الأغلبية العظمى، وتقدر بـ 1017 قارئًا، بنسبة 93 بالمائة، أن العالم العربي فشل في المواجهة الفكرية مع المتطرفين، بينما قالت الأقلية وتقدر بـ 76 قارئًا، بنسبة 7 بالمائة، إن تلك الجهود لها نتائج جيدة.

تزامنت الموجة الجديدة للإرهاب في المنطقة العربية ودول العالم، مع تعثر ما يسمى بـ"ثورات الربيع العربي" في سوريا وليبيا واليمن، واسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر.

وشهدت الموجة ولادة جماعة عنقودية هي "تنظيم الدولة الإسلامية" المعروف بـ"داعش". وسيطر التنظيم على مساحات شاسعة من الأراضي السورية والعراقية، وانتشر بطريقة "التجنيد الذاتي" في مختلف دول المنطقة، فصارت له أفرع في ليبيا ومصر والسعودية، كما انتشر أعضاؤه الذين يعتنقون أفكاره في مختلف الدول الأوروبية وأميركا، وعرفوا باسم "الذئاب المنفردة"، ونفذوا عمليات مؤلمة في فرنسا وأميركا والنمسا وألمانيا.

ورغم أن عشرات الدول الغربية والعربية اجتمعت معًا وكونت تحالفًا عسكريًا يعرف بـ"التحالف الدولي ضد الإرهاب"، منذ أكثر من عامين، إلا أنها جميعًا لم تستطع القضاء على التنظيم في العراق وسوريا، بل إنه صار يتمدد في دول أخرى ويكتسب أراضيَ جديدة.

وعلى الصعيد الفكري، تقول الحكومات العربية إنها تقود مواجهة مع التطرف، لكن الأمر لا يعدو كما يقول المثل العربي "أسمع ضجيجًا ولا أرى طحنًا"، لاسيما أن أعداد المتطرفين في ازدياد، والدليل هو تنفيذ عمليات انتحارية من حين لآخر في العراق وسوريا ومصر، ولعل آخرها تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة تزامنًا مع احتفال المسلمين بذكرى المولد النبوي في 11 يناير الماضي، وقتل الانتحاري 29 شخصًا غالبيتهم من الأطفال والنساء، الذين كانوا يؤدون الصلاة بالكنيسة.

تنقية الكتب

المواجهة الفكرية مع التطرف تحتاج إرادة سياسية ومجتمعية قوية، وتحتاج أيضًا إلى الصبر. وقال الدكتور حسن عبيد، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة، لـ"إيلاف"، إن فشل المواجهة الفكرية للتطرف يرجع إلى أن غالبية أعضاء المؤسسات الدينية في العالم العربي، يعتنقون أفكارًا تلامس أفكار المتطرفين، وليست هناك جدية في تطوير الخطاب الديني.

وأوضح أن المتطرفين يستقون أفكارهم من كتب التراث الإسلامي التي يتم تدريسها في غالبية المدارس والجامعات الإسلامية في الدول العربية والإسلامية، ويجب تنقية تلك الكتب مما علق بها من أفكار تدعو إلى العنف والتشدد.

وأشار إلى أن مواجهة التطرف فكريًا تحتاج إلى تخريج أجيال من المفكرين الإسلاميين، لا يعتنقون أفكارًا ضد الآخر، ولا تكفر الحكام والأنظمة السياسية والمجتمعات الحالية، لافتاً إلى أن ذلك يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وتكلفة كبيرة.

ونبه إلى أن ثمار مواجهة التطرف فكريًا لن تظهر آثارها بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى سنوات، وبالتالي يجب العمل عليها بصبر ودأب.

وحسب دراسة للدكتور السيد ياسين، مدير المركز العربي للبحوث والدراسات، فإن هناك عدة عوامل وراء فشل المواجهة الفكرية مع المتشددين، منها: "التأويل الإرهابي للنصوص الإسلامية"، وأوضحت الدراسة أن "هناك طرقًا متعددة للتأويل الإرهابي للنصوص الإسلامية، والوظيفة الأساسية لهذا التأويل هو إضفاء الشرعية الإسلامية على أساليب العنف التي تتبعها الجماعات الدينية المتشددة التي تتبنى اتجاهًا عدائيًا إزاء غير المسلمين، بل وإزاء المسلمين أنفسهم لو كانوا حكامًا باعتبارهم من الطواغيت الذين يحق شرعًا الخروج عليهم وقتالهم، أو من عوام المسلمين الذين لا يؤمنون بأفكارهم المتطرفة".

وأضافت الدراسة: "استندت جماعة الإخوان المسلمين التي أنشأها الشيخ "حسن البنا" في مصر عام 1928، الى تقليد التأويل الإرهابي للنصوص الإسلامية حين اختارت شعارًا لها سيفين متقاطعين وتكتب تحتهما كلمة "وأعدوا"، وهي اختصار للآية القرآنية الكريمة "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ترهبون بها عدو الله وعدوكم"، مشيرًا إلى أن "جماعة الإخوان المسلمين -وتبعها بعد ذلك كافة الجماعات التكفيرية الإرهابية- هي التي تحدد من هم أعداء اللـه ومن هم أعداء المسلمين الذين ينبغي "إرهابهم" بقوة السيف. وهؤلاء الأعداء قد يكونون أجانب غير مسلمين، أو مسلمين لا يتوافقون مع فكر هذه الجماعات".

وأوضحت الدراسة أن "فكر الأصوليين دار خارج إشكالية الحداثة، ويعتبرها تغريبًا بالإسلام إذ يصبح غريبًا بين أهله، كما أنها اقتداء بالغرب، حسب وجهة نظره".

الفكر الأصولي المتجدد

وأشارت إلى أن "الفكر الأصولي المتشدد، يرفض أي حوار بين الحضارات، بل إنه ينضم للأصوات العنصرية في الغرب التي تدعو للصراع بين الحضارات. والإسلام، وفقًا لهذا الفكر الأصولي أيضًا، ينبغي أن يسود ليس بالدعوة فحسب، وإنما بالجهاد أيضًا والذي يعنى فرض فكرة الدين بالعنف والإرهاب".

ولفتت الدراسة إلى أن "العالم العربي في مواجهة الإرهاب أمام ظاهرة بالغة التعقيد. ومن هنا فالتفسيرات الاختزالية التي تذهب إلى أن السبب هو الفقر المدقع للناس، والذين يخرج من صفوفهم الإرهابيون، ليست صحيحة"، وساق الدليل على ذلك بـ"حالة زعيمي القاعدة المشهورين أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. وأسامة بن لادن من أكبر الأثرياء، وبالتالي فالزعم بأن الفقر دفعه لارتكاب جرائم الإرهاب أو التخطيط لها لا يستقيم، وكذلك الظواهري الطبيب الذي ينتمي إلى أسرة مهنية ثرية. وهناك عشرات الأمثلة من أعضاء الجماعات الإرهابية سواء في الغرب أو لدينا لا علاقة لسلوكهم الإرهابي بالفقر".

وخلصت الدراسة إلى أن الأزمة الحقيقية في المواجهة الفكرية مع التطرف تكمن في "رؤى العالم التي يتبناها أعضاء الجماعات الإرهابية، وقد تكون هذه الرؤى ماركسية تحلم بعالم يسوده العدل وينتفي فيه الظلم الطبقي، وقد تكون إسلامية متشددة تحلم باستعادة الفردوس المفقود الذي يتمثل في إعادة نظام الخلافة من جديد، أو على الأقل قلب الدول العلمانية التي تحكم بالدستور والقوانين الوضعية، وتأسيس الدولة الدينية التي تقوم على الفتوى".

في مصر يخوض الأزهر مواجهة مع الأفكار المتطرفة، ونظم العديد من المؤتمرات الدولية، وقال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن "الإرهاب هو الحلقة الأخيرة من الفكر المتطرف وأنه لابد من مواجهته فكريًا بجانب المواجهة الأمنية لأن الأخيرة لا تكفي وحدها."

ووصف المفتي في تصريحات له، الإرهاب بـ"جرثومة تنخر في جميع المجتمعات وليس في مصر وحدها". وأوضح أن "دار الإفتاء رصدت وحللت فتاوى متشددة كثيرة من تلك التي تؤثر في نفوس الشباب، وأيضا تم إصدار 90 تقريرًا على مدار 3 سنوات بمعدل 30 تقريرًا في العام لمواجهة الفكر المتطرف".

ولفت علام إلى أن "مراكز البحوث الأجنبية تعتمد على تلك التقارير بشكل كبير، وأنه يجب بذل المزيد من الجهد الفكري لتفنيد الفكر المتطرف ومواجهته وحصاره".

وأشار إلى أن "الدار تستقبل مواطنين من أوروبا وأفريقيا وجميع القارات لاستصدار الفتاوى".