«إيلاف» من بيروت: لا يزال الجليد البحري في القطب الشمالي يعاني انخفاضاً قياسياً في المستويات، أما حجمه وسماكته فهما على المسار لتحطيم أدنى المستويات المسجّلة على الإطلاق في فصل الشتاء خلال الأسابيع القادمة، فقد صار من النادر رؤية الجليد السميك والقديم. لذلك، نشر فريق من العلماء فكرة جديدة جذرية لعكس هذا التراجع في الجليد البحري: إعادة تجميد القطب الشمالي باستخدام مضخات تعمل على الهواء لرش مياه البحر فوق الغطاء الجليدي. &

زيادة السماكة&

في& مجلة الاتحاد الجيوفيزيائي الأميركي Earth's Future،& كتب فريق يقوده ستيفن ديش من جامعة ولاية أريزونا ، اقتراحاً مفاده وضع الملايين من المضخات التي تعمل على طاقة الرياح في القطب الشمالي، لكي تقوم برشّ مياه البحر على سطح الجليد، حيث ستتجمد وبالتالي تجعل الغطاء الجليدي أكثف وأسمك. ويتوقع الفريق أنه مع عدد مناسب من المضخات، من الممكن أن يضيف مشروعه متراً واحداً (3.25 أقدام) من الثلج على مدار فصل الشتاء. "والجدير بالذكر أن نصف جليد البحر القطبي الشمالي يبلغ معدل سماكته السنوي حالياً 1.5 متر لا غير. وتشكّل إضافة متر واحد من الجليد إليه خلال فصل الشتاء تغييراً كبيراً."&

ويفسّر ديش جزءًا من الدافع، معتبراً أنّ الخطط والمشاريع الحالية& للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري لا تبدو كافية. وشرح في هذا السياق قائلاً لموقع الغارديان: "يبدو أنّ استراتيجيتنا الوحيدة في الوقت الحاضر هي أن نطلب من الناس التوقف عن حرق الوقود الأحفوري". واضاف "انها فكرة جيدة لكنها ستحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير من أجل وضع حدّ لزوال الجليد البحري في القطب الشمالي".

حلول مقترحة&

إنّ اقتراح فريقه هو الأحدث في مجال الهندسة الجيولوجية، المتمحورة حول التلاعب بالبيئة على نطاق واسع بشكل متعمّد للتأثير على مناخ الأرض وتخفيف الاحتباس الحراري. ومعظم هذه المقترحات اليوم تتمركز حول مجالين محدّدين: الأول، نشر طبقة رقيقة من جزيئات الكبريتات في الستراتوسفير لتعكس جزءًا من أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض؛ والثاني، ما يعرف باسم الطاقة الحيوية لالتقاط الكربون وتخزينه، أو BECCS – القائم على استمداد الطاقة من الوقود الحيوي (الذي يكون مثل بالوعات الكربون عندما يتزايد) والتقاط ثاني أكسيد الكربون المنبعث أثناء الحرق ودفنه تحت الأرض. ولكن تمّ تقديم اقتراحات أخرى كثيرة، بعضها غريب ومثير للجدل، ابتداء من إنشاء "أشجار اصطناعية" ، إلى بناء مظلة شمسية عملاقة.&

والجدير بالذكر أنّ الجدل المتعلّق ببعض مقترحات الهندسة الجيولوجية يدور حول مسألة العواقب غير المقصودة: نعم، قد يساهم التدخل الواسع النطاق في تخفيف كمية ضوء الشمس التي تصل إلى سطح الكوكب، ولكن بأي ثمن؟ كما علّق غافين شميت عالم في الناسا عام 2009، "فكوكب فيه كمية زائدة من& ثاني أكسيد الكربون ومستويات متزايدة من الكبريتات في الستراتوسفير لن يكون مطابقاً لكوكب لا يحتوي أياً منها. والمشكلة هي& أننا لا نملك إلا تقديراً تقريبياً عن شكل هذا الكوكب".&

وتمّت مناقشة اقتراح واحد بشكل موسّع - "إخصاب" المحيط بالحديد، وبالتالي تعزيز نمو العوالق النباتية التي تعتبر بمثابة بالوعات الكربون - لكنّه تعرّض لانتقادات شديدة، لعدّة أسباب منها الآثار المحتملة على البيئة البحرية.&

وعمليًا، إنّ جميع مقترحات الهندسة الجيولوجية مكلفة للغاية، فـديش وفريقه على سبيل المثال، اعترفوا أن خطتهم ستكلف حوالى 500 مليار دولار، وتتطلب ما يصل إلى 100 مليون طن من الفولاذ سنويًا – أي أكثر مما تنتج الولايات المتحدة سنويًا في الوقت الحاضر. ويرى النقاد أن هذا الإنفاق هو المسار الخاطئ ، نظراً إلى أن الطاقة البديلة وتقنيات الحفاظ على الطاقة متاحة وهي تتطور لتصبح ميسورة التكلفة وفعّالة على نحو متزايد. (ولا يخضع اقتراح& BECCS للدرجة نفسها من الانتقادات، على الرغم من طرح تساؤلات حول حجم فسحة الأراضي التي قد يُطلب استخدامها، وفعاليتها في أمور أخرى غير تلك المتعلّقة بالمدى الطويل).

هل هذا يهدّد تكييف السلوك البشري؟

كما أشارت جنيفر مورغان، المديرة التنفيذية لمنظمة السلام الأخضر الدولية: "من الواضح أننا في أزمة مناخية ونحن نعرف ما المطلوب - خفض الإنبعاثات – وما ينقصنا ليس تقنياً، بل سياسي."

بشكل أكثر عموما، هناك أيضا مخاوف من أن السعي وراء مخططات الهندسة الجيولوجية ينتقص أو يقلل من الحوافز نحو اعتماد التكنولوجيات القائمة أو تكييف السلوك البشري في مواجهة التغيّر المناخي.

ولكن، يقول دوغلاس مك مارتن من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، إننا "إذا قمنا بخفض انبعاثات الكربون بالدرجة اللازمة، فنحن لسنا بحاجة إلى هذه التدابير الأخرى"، يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه التخفيضات هي حقًا معقولة وقابلة للنقاش. وهناك إجماع واسع على أنّه ينبغي إبقاء الاحترار الكوكبي، في أسوأ الأحوال، دون درجتين مئويتين، أو حتى جدلياً 1.5 درجة؛ غير أنّ مك مارتن تابع قائلاً: "اذا نظرتم إلى جميع الالتزامات [إلى اتفاق التغيّر المناخي في باريس عام 2015] فأنتم لا تزالون في عالم أحرّ بنسبة 3 درجات."&

التدخّل ضروري

وتذهب جين لونغ، الرئيسة المشاركة لفريق العمل المعني بالهندسة الجيولوجية لمركز سياسة الحزبين، إلى أبعد من ذلك لتقول إنّ "النماذج تشير إلى عدم وجود وسيلة للبقاء دون درجتين مئويتين بدون نوع من التدخل."

لهذا السبب، فإن برنامج الولايات المتحدة لبحوث التغيّر العالمي (USGCRP)& قد ذكر في تقرير تخطيطي لعلوم المناخ أرسله إلى الكونغرس في يناير، ما يلي: "في حين أنّ التدخل في المناخ لا يمكن أن يشكّل بديلاً عن الحد من انبعاثات غازات الدفيئة والتكيّف مع التغييرات المناخية التي تحدث، فبعض أنواع التدخل في المناخ المثيرة للجدل قد تصبح يوماً ما جزءاً من مجموعة أدوات مستخدمة في إدارة تغيير المناخ". وكذلك، أوصى التقرير ببرنامج بحث يوفر "التبصر في العلوم اللازمة لفهم المسارات المحتملة للتدخل في المناخ أو الهندسة الجيولوجية والنتائج المحتملة لمثل هذه التدابير، سواء مقصودة أوغير مقصودة".

بالإضافة إلى ذلك، شهد يوم الخميس الإطلاق الرسمي لمبادرة إدارة هندسة المناخ الجيولوجية& (C2G2)، التي تهدف إلى تشجيع الحوار حول هذا الموضوع وتطوير أطر إدارة الهندسة الجيولوجية للمناخ. وقد تكلّم مورغان، ومك مارتن ولونغ في أحد المنتديات بمناسبة هذا الاطلاق.

وفي هذا الإطار، قال جانوس باستور، المدير التنفيذي لـ C2G2: "ينبغي إعطاء الأولوية للحد من الانبعاثات. لكننا لا نستطيع أن نعلم على وجه اليقين إلى& أي مدى سيقودنا&هذا التخفيف المكثف الذي التزمت به البلدان." وفي الوقت عينه، نحن "لا نعرف ما يكفي لتحديد جدوى [خطط الهندسة الجيولوجية]. حتى أنّنا بالكاد نعرف عن أطر الإدارة التي نحتاج إليها للتأكد من أن البحوث تتخذ اتّجاهاً معيناً، وأنّه عند الحاجة إلى اتخاذ القرارات، سيُسمح لجميع الجهات الفاعلة أن تشارك".

أما أوليفر مورتون، مدير تحرير مجلة الإيكونوميست، ومؤلف كتاب "صنع الكوكب من جديد: كيف يمكن أن تغيّر الهندسة الجيولوجية العالم"، فقد صرّح في المنتدى قائلاً: "عدد قليل جداً من الناس في هذا المجال يرى الهندسة الجيولوجية كبديل لخفض الإنبعاثات، وقد أعتبر ذلك إطراء: ففي أثناء العمل على خفض الانبعاثات، يمكننا القيام بأشياء أخرى تقلل من الضرر الفعلي". ومن وجهة نظره، إنّ المفتاح هو تطوير هياكل العلوم والحكم قبل فوات الأوان. وأضاف أننا بالتأكيد لا ينبغي أن نفكر في هذه الحالة على أنّها استجابة لحالة طوارئ. فأوقات الطوارئ هي فترات من الحكم المريع: "إنها حالة طارئة، إذاً فلنرمِ القواعد كلّها".

مشكلة عالمية تفرض تعاوناً شاملاً&

واعتبرت لونغ أن الأحداث ستقوم في النهاية بفرض التعاون الجماعي العالمي. "سيبدأ الناس بالشعور بالتوتر من المناخ، مثل موجات الحرّ، وسيتساءلون:" ماذا يمكننا أن نفعل؟ " وسيبادر الناس بالتدخل على الصعيد المحلي ثم الإقليمي ثم على مستويات متزايدة إلى أن تبدأ الأمور التي يقومون بها بالتأثير على المناخ العالمي ".

وفي هذا السياق، قال مك كارتن إنّ قرار متابعة الهندسة الجيولوجية باعتبارها عاملاً مهماً في التصدي لتغيّر المناخ، سوف يتطلب معالجة أسئلة صعبة ومزعجة والإجابة عليها. ويلفت قائلاً: "لا شكّ في قدرتنا على تبريد كوكب الأرض من خلال إدخال الجزيئات في طبقة الستراتوسفير، غير أنّ القدرة على القيام بذلك لا تعني أنه واجب علينا. ولكن ثمة حجة مقنعة بأنّ خطر تطبيق ذلك، أقل من خطر السماح بارتفاع حرارة كوكب الأرض& بنسبة 3 إلى 4 درجات ".

وتجدر الإشارة إلى أنّ لونغ سلّطت الضوء على أنّ احتمال إيجاد حل ممكن لمشكلة المناخ يتطلب بعض القرارات الصعبة. وقالت: "يجب ألّا ننسى أن ثاني أكسيد الكبريت الذي ستنشره محطات توليد الطاقة في الجو، والذي يُعتبر سيئاً جدًا لصحة الإنسان، سيبرّد الأرض وهذا أمر بالغ التعقيد".

&

أعدّت «إيلاف»&هذا التقرير نقلاً عن "سيكر". المادة الأصلية منشورة على الرابط التالي:

http://www.seeker.com/scientists-hatch-a-plan-to-refreeze-the-arctic-saying-cutting-co2-isnt-2266197173.html