تتسم العلاقات السعودية الإيرانية بتعقيدات تتعدى الجانب المذهبي، ولا تقتصر على المناحي العقائدية الدينية فحسب، كما يحاول الغرب تصويرها.

انطلاقًا من تاريخ البلدين الحديثين، يتضح للمراقب أن الصورة التي يحصرها الغرب في خلاف عقائدي يجب تصحيحها.

إذ أن البلدين، ولدى تأسيسهما عام 1920، كان هدف حاكميهما، الشاه رضا بهلوي والملك ابن سعود، العمل على عصرنة بلديهما، رغم اعتراض رجال الدين.

وهذا ما ساهم في التقريب بين زعيمي البلدين. حتى إنه وفي عام 1929 أبرم الجانبان اتفاقية صداقة. وزادت العلاقات متانة عندما تم - بنفوذ أميركي - في طهران تنصيب محمد رضا بهلوي شاهًا على إيران عام 1941، أي بعد مرور 10 أعوام على التنصيب نفسه بالنسبة لملك السعودية في الرياض. 

كان هدف كلا الطرفين حينها العمل مع الولايات المتحدة لإضعاف توجهات القومية العربية ذات الصبغة الاشتراكية والحدّ من النفوذ الشيوعي للاتحاد السوفياتي في المنطقة.

علاقات معقدة

عندما أطيح بشاه إيران عام 1979، عقب ثورة دينية، وتأسست على إثرها الجمهورية الإسلامية، اعترفت السعودية سريعًا بالنظام الجديد. 

وكانت المملكة تأمل في أن تستمر تلك العلاقات، لكن ذلك لم يتحقق. ففي وقت كان الخميني يحمل رؤية بعيدة الأمد لنشر الثورة الإسلامية في الخارج، لم تكن السعودية متحمسة لهذا الأمر. 

قيادة الثورة الإسلامية في إيران قرأت الموقف السعودي هذا عامل كبح لمشاريعها، ما نحا بالخميني إلى تحريض الجالية الشيعية في السعودية. لم تكن الخلافات الفقهية السنية - الشيعية منطلقًا لذلك بقدر ما كان الخلاف سياسيًا عبر انتهاج طهران والإسلاميين السنة خطابًا تعبويًا عنوانه "تحرير المستضعفين".

الخلاف المذهبي لم يكن مغيبًا تمامًا، بل كان قائمًا كأحد العناصر في النزاع، وظهر عندما طالب الخميني بالمشاركة في إدارة شؤون الحج في مكة المكرمة، والتي يتظاهر فيها الحجاج الإيرانيون من وقت إلى آخر، ما يؤثر على مسار فعاليات مناسك الحج. 

هذا التطور والتصعيد هو ما جعل الملك فهد يعود إلى استخدام لقب "خادم الحرمين الشريفين"، الذي لم يكن يُستخدم كثيرًا من قبل. وأصبح واضحًا أن السعودية لا تود أن تتسامح مع أي تدخل لطهران في شؤونها الداخلية.

وفاة الخميني

من مبدأ الرد بالمثل، قررت إيران قطع علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية، في وقت كانت العلاقات بين البلدين قد وصلت إلى أدنى مستوياتها. فالسعودية كانت قد ساعدت صدام حسين في الحرب العراقية الإيرانية منذ عام 1980. 

لاحقًا خلال تسعينات القرن الماضي، تغيّرت الأوضاع السياسية في المنطقة، وبات صدام حسين محل تشكك بعد قيامه باجتياح الكويت عام 1990، ما بدأ يثير مخاوف لدى السعودية. 

أثرت وفاة خميني عام 1989 كذلك في إرجاع العلاقات كالسابق، وحصل تقارب مجددًا بين طهران والرياض، واستئناف الحركة الدبلوماسية بين البلدين. كان للرئيس الإيراني الراحل أكبر رفسنجاني دور كبير في هذا التقارب، وذلك على خلفية تراجع إيران عن مواقفها بنشر الثورة الإسلامية في العالم، وانتقالها في سياساتها الخارجية إلى التركيز على المنطقة المحيطة بها.

تقارب لم يدم

مشاكل أخرى سرعان ما ظهرت إلى العلن، بعد التحول في أولويات البلدين، والتوقيع على اتفاقية التعاون الأمني بينهما عام 2001. 

تمثلت تلك المشاكل في تسليح إيران لحزب الله، مما أقلق الرياض، التي ردت على الخطوة الإيرانية بتقديم مساعدات للمعسكر السني - المسيحي في لبنان. 

وضاعف إصرار إيران على برنامجها النووي مخاوف المملكة. لم تكن الخلافات الدينية التاريخية ما يباعد بين البلدين، اللذين كانا معاديين للشيوعية، وإنما شعور الكراهية الذي كان نظام طهران يكنّه لواشنطن، خاصة بعد قيام واشنطن باجتياح العراق عام 2003. وعندما بدأت طهران تتدخل في شؤون العراق الداخلية لدى انسحاب القوات الأميركية منه، بدأت السعودية التقارب مع الأسد عام 2010.

إلا أن الود السعودي - السوري الرسمي لم يدم طويلًا، وكانت رياح الثورات العربية ووقوف المملكة إلى جانب الشعب السوري نقطة التباعد.

التحالف بين طهران والنخبة العلوية الحاكمة في دمشق لم يكن قائمًا أساسًا على الجانب الديني، لكن بسبب عدائهما المشترك لإسرائيل وصدام حسين. وحتى الآن هناك صراعات ميدانية بين مجموعات سنية في سوريا، كما إن هناك عداء تكنه عناصر داعش للشيعة و"للمجاهدين" السنة.

خطر داعش

وبما أن السعودية وإيران تعتبران داعش خطرًا إرهابيًا داهمًا ومقلقًا، فإنهما تسعيان قدر الإمكان لتبادل التصريحات الدينية المعادية بينهما في الخطابات المتبادلة، خاصة وأنهما واقعتان تحت ضغوط مطالب داخلية. 

تفاوت الخطابات المتبادلة بين الاتهام بالإرهاب ومساندة الإرهاب والعمل على التوسع، مثل هذه التصريحات لا تعكس النظرة الغربية بشأن خلفية المنافسات والخصومات القائمة بين البلدين. 

وكان وزير الخارجية السعودي اعتبر خلال مؤتمر الأمن، الذي انعقد أخيرًا في ميونيخ، بأن إيران تحالفت بشكل سري مع داعش. ونفس التهمة توجهها طهران للرياض وواشنطن.