&دبي: ردود الفعل الحزبية التي جاءت من الجزائر إزاء حديث موجز للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة عن الجزائر كانت مفاجأة غير سارة. فكان منطلق حديثه دور المثقف في لعب دور إيجابي عظيم في مسار الحياة السياسية، ذكر في هذا السياق الدور الرائد للأديب المفكر وزير الثقافة الفرنسي الأسبق اندريه مالرو، الذي تولى وزارة الثقافة طوال 12 عامًا حكم فيها شارل ديغول الجمهورية الفرنسية. وكان صديق الرئيس أسريا وشريكه في الفكر ثقافة وسياسة.
&
ديغول ومالرو&

ولشرح هذا الدور، ذكر حاكم الشارقة حوارًا دار بين ديغول ووزيره مالرو قائلا: "سُئِلَ شارل ديغول الرئيس الأسبق لفرنسا، لماذا كلما أردت اتخاذ قرار هام وعقدت له اجتماعًا مع كافة الوزراء، تحرص دائماً على أن يجلس بجوارك وزير الثقافة مالرو، بينما كل الوزراء متواجدون؟ فأجاب ديغول: لأن وزير الثقافة يذكرني بإنسانيتي". حيث كان يقصد ديغول أن وزيره كان دائمًا يذكره بأنه ليس سياسياً فقط&بل إنسان أيضا وعليه اتخاذ قرارات إنسانية.

وتابع القاسمي: "ديغول سأل وزير ثقافته كيف أستطيع أن أكسب ود العرب الذين تُمَجِد فيهم؟ فأجابه بأن ترضي الزعيم العربي جمال عبد الناصر، فإذا كسبت الزعيم العربي جمال عبد الناصر فإنك ستكسب العالم العربي بأكمله. فسأله ديغول: كيف يمكنني أن أكسب جمال عبد الناصر؟ فأجابه: عليك أن تعطي الجزائر استقلالها". واستطرد: "لذلك عمل ديغول على استقلال الجزائر".
&
حادثة تاريخية بعيدة عن المليون شهيد

منطقيًا تبدو ردود الفعل الجزائرية غريبة لأن ما ذكره الشيخ سلطان القاسمي هو مجرد رواية لحادثة وقعت تاريخيًا وليس فيها أي دليل على إبداء رأيه الشخصي، وكان يمكن أن ترد هذه الحادثة على لسان أي شخص آخر بصرف النظر عن مكانته أو منصبه، فكيف استطاع الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر جمال ولد عباس أن يستنبط الانتقاص من كفاح الجزائر طوال 132 عامًا ضد الاستعمار الفرنسي وتقديمها تضحيات بلغت مليوناً ونصف المليون شهيد؟!.

فالشيخ سلطان لم ينتقص من نضال هؤلاء الشهداء، ولم يقصد بحديثه انتفاء دورهم المؤثر من أجل حصول الجزائر على استقلالها، وإنما كل ما ذكره هو نقل واقعة تاريخية تمت بين ديغول ووزيره مالرو. وكان يقصد بذلك طرح مدى تأثير الثقافة على السياسة وفكر السياسيين.
&
دور إيجابي للمثقف

الجانب المهم الذي غاب عن ذهن هذا الحزبي الجزائري هو أن دور المثقف إيجابي حتى في ظروف الاستعمار تمامًا مثل ما هو بالغ الأهمية في المشهد الجزائري طوال أكثر من قرن من الزمان من الاحتلال والاضطهاد، فقد لعب المفكرون والأدباء ورموز الدين والسياسة والنضال أدوارًا سجلها التاريخ بحروف من ذهب في الحقبة الاستعمارية، وإذا كان مفكر أديب مثل اندريه مالرو يستطيع أن يغيّر نظرة رئيس الدولة المستعمرة في مجرى حياة الجزائر، فإنما ذلك يعني أن الثقافة تستطيع ان تغيّر مجرى السياسة وهذا هو صلب الموضوع الذي كان يقصده حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي، ولم يقصد الإساءة للجزائر وشعبها، فهو الحاكم المثقف والعارف بالتاريخ الذي جعل الشارقة عاصمة للثقافة العربية.
&
على الأحزاب التحلي بالأمانة التاريخية

أقل ما كان ينتظر من الحزبي جمال ولد عباس التحلي باحترام الأمانة التاريخية إزاء رواية لا يمكن إلغاؤها من سجل التاريخ، فحاكم الشارقة لم يبدِ أي وجهة نظر إزاء الحادثة، وإنما نقل واقعة تاريخية للبرهنة على أن المثقف الحقيقي يظل صادق الائتمان على الثقافة الإنسانية حتى وهو ينتمي إلى دولة استعمارية.