نيروبي: أكد محللون ان قادة جنوب السودان وحدهم مسؤولون عن المجاعة التي يشهدها هذا البلد، لافتين الى ان المساعدات الانسانية التي تنقذ حياة كثيرين لا تكفي، ووحده السلام سينهي معاناتهم.

غير ان السلام يبدو بعيدا اكثر من اي وقت وسط شلل المجتمع الدولي ازاء الذين اغرقوا البلاد في كارثة ولا يتجاوبون مع الدعوات لالقاء السلاح.

لا يشهد جنوب السودان جفافا كارثيا ولا أي ظاهرة طبيعية اخرى تفسر المجاعة التي تطال 100 الف شخص وتهدد ملايين آخرين. لكنه يشهد حربا أهلية مستمرة منذ ثلاث سنوات تخللتها أعمال انتقامية مريعة على نطاق واسع اعتمد فيها تجويع السكان بمثابة تكتيك عسكري.

واوضح المحلل الان بوسويل المتخصص في شؤون هذا البلد لوكالة فرانس برس "ليست المساعدات الغذائية ما سينتشل الجنوب سودانيين فعلا من المجاعة، بل مشروع سياسي لانهاء الازمة الوطنية في جنوب السودان".

كما اعتبر ان المجاعة "ليست عرضية، بل متعمدة" فيما تستخدم الحكومة "الحصار الغذائي كسلاح حرب".

بالتالي لا تبدو مصادفة ان المناطق التي تعاني من المجاعة بحسب تحقيق للأمم المتحدة موالية للمعارضة ويقطنها بشكل أساسي سكان من اتنية النوير التي ينتمي إليها رياك مشار زعيم القوات المتواجهة مع الرئيس سلفا كير الذي ينتمي الى اتنية الدنكا، وتخضع بشكل واسع لقوات مشار.

وذكر التقرير من 48 صفحة ان "مجموعة الادلة تدل على ان المجاعة في ولاية الوحدة (شمال) ناجمة عن النزاع المستمر وخصوصا الكلفة المتراكمة للعمليات العسكرية المتكررة التي خاضتها الحكومة في جنوب الوحدة منذ 2014".

ومنع جيش جنوب السودان والميليشيات المتحالفة معه الدخول الى المنطقة، كما هاجم عناصره احيانا عمال وكالات الاغاثة الانسانية ونهبوا المساعدات الغذائية.

مؤخرا حذرت مساعدة سفيرة الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة ميشال سيسون مجلس الامن الدولي من ان العراقيل التي تضعها حكومة جنوب السودان امام الاعمال الانسانية في مناطق المجاعة "قد تندرج ضمن تكتيك متعمد لتجويع" السكان.

وكررت واشنطن ولندن وباريس الخميس فكرة فرض عقوبات على قادة جنوب السودان او حظر للسلاح، وهي اجراءات تعذر تبنيها في كانون الاول/ديسمبر لامتناع 8 من 15 عضوا في المجلس عن التصويت.

فظاعات مروعة

نشأت دولة جنوب السودان في 2011 على ركام عقود من حروب الاستقلال، لكنها سرعان ما غرقت في حرب أهلية في كانون الأول/ديسمبر 2013 نتيجة صراعات على السلطة مطبوعة بخصومات اتنية بين كير ومشار الذي تولى سابقا منصب نائب الرئيس.

تحول النزاع إلى فظاعات متبادلة بلا نهاية استهدفت مدنيي المعسكرين تخللتها مجازر اتنية وتجنيد أطفال واغتصابات جماعية وعبودية جنسية وأعمال قتل وتعذيب وخطف وحتى حالات إرغام على أكل لحوم البشر تحدث عنها محققون في الاتحاد الافريقي.

وفي النتيجة نزح حوالى 2,5 مليون شخص يساوون نحو ثلث السكان من منازلهم، فيما يعتمد 5,5 ملايين على المساعدات الغذائية للبقاء على قيد الحياة.

في 2015 أدت مفاوضات شاقة استغرقت أكثر من 18 شهرا إلى اتفاق للسلام وتقاسم السلطة، لم يطبق منه الا القليل وسط استمرار العنف، قبل ان ينسف تماما بتجدد المعارك في العاصمة جوبا في تموز/يوليو 2016 ثم في الداخل.

مذاك بدت جهود السلام الاقليمية عقيمة فيما تعجز الامم المتحدة عن فرض حظر للسلاح او إزالة العقبات أمام نشر قوة عسكرية إقليمية.

حرب مربحة

الخميس دان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "رفض سلطات (جنوب السودان) الاقرار بوجود ازمة وتحمل مسؤولياتها لإنهائها".

فبعد أيام من إعلان حالة المجاعة في جنوب السودان في 20 كانون الثاني/يناير الذي أدى الى تسارع العمل الانساني، قررت جوبا زيادة تعرفة تأشيرة العمل للأجانب مئة ضعف لتبلغ عشرة آلاف دولار.

وقال جون بريندرغاست مؤسس مشروع "إناف" (كفاية) لتجنب النزاعات ان رهان النزاع يكمن "في السيطرة على دولة تنهب الموارد تتم قيادتها بانفراد وذات مؤسسات مرتهنة لدى سياسيين ومقربين منهم في قطاع الاعمال بغرض الاثراء الشخصي والقمع الوحشي لأي اعتراض".

وكشف عدد من التقارير بعضها صادر عن "إناف" اختلاس اموال واستملاك سياسيين واتباعهم من المعسكرين لممتلكات وعقارات فخمة.

وتابع بريندرغاست ان "الحرب جحيم لأهل جنوب السودان، لكنها مربحة جدا لقادة البلاد".