عودة ابو ردينة: دعا وليام بيري، وزير الدفاع الأميركي في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، الإدارة الأميركية إلى استنفاذ كل المساعي الدبلوماسية المتاحة قبل التفكير في توجيه ضربة عسكرية إلى كوريا الشمالية، مستندًا إلى حوادث سابقة مع الكوريين الذين يعرفهم جيدًا.

على وقع طبول الحرب في شبه الجزيرة الكورية، ومع التلويح الأميركي بتوجيه ضربة عسكرية قاصمة للقدرات الحربية الكورية الشمالية، يخرج وليام بيري، وزير الدفاع الأميركي في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، ليدس بعض العقلانية في فائض القوة، الذي يشعر به الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فيقول إن الأوان ليس أوان حرب بعد، داعيًا إلى أن تأخذ الدبلوماسية مجراها في مقال نشرته الصحافة الأميركية.

ليس هذا الكلام خارج من شخص عادي، بل من مسؤول أميركي يعدّ من أفضل العارفين في الشأن الكوري وتداعياته. وهو لا يستبعد خيار الحرب بشكل نهائي، بل يقول بتقديم المساعي الدبلوماسية، ومتى فشلت كلها، فالقوة موجودة.

النفس الأخير!

يكتب بيري قائلًا إن التهديد الكوري الشمالي باستخدام السلاح النووي يفاقم الوضع في شمال شرق آسيا، خصوصًا بعد التجربة الصاروخية الأخيرة التي نفذتها بيونغ يانغ، "إلا أن العوامل المصعّة نفسها مهدت الطريق أمام حل دبلوماسي، وكلي أمل أن تتنبه الإدارة الأميركية إلى هذه الفرصة السانحة فتنتهزها"، مؤكدًا أن القيادة الكورية الشمالية صعبة المراس وشريرة ومسترعة في قراراتها، لكنها ليست مجنونة ولا إنتحارية، بل جل همّها أن تحفظ نفوذ كيم جونغ إيل، وهذا ما نجحت فيه في السنوات الماضية، على الرغم من التحديات الكثيرة التي واجهتها. وهذه القيادة تدرك تمامًا أن أي هجوم تقوم به على الولايات المتحدة، سيأتي الرد الأميركي ليقضي على عهد كيم وعلى بلده كلها.

ينبه بيري، وهو ذو الرأي المسموع في أروقة الإدارة الأميركية كما في الأوساط الأميركية العامة، إلى أن الخطر الفعلي يكمن في جرّ كوريا الشمالية جارتها كوريا الجنوبية إلى الرد، "ما يوسع الأزمة إلى حرب تقليدية واسعة النطاق، تتورط فيها الولايات المتحدة خصوصًا أن 30 ألف جندي أميركي موجودون في كوريا الجنوبية. ستخسر كوريا الشمالية هذه الحرب، لكن حين ترى القيادة في بيونغ يانغ دولتها تنهار، ستلجأ للخيار النووي في ضربة النفس الأخير، فيحصل الأرماغيدون الكوري. على جهودنا الدبلوماسية أن تمنع هذه الكارثة من الحصول، بأي ثمن".

حادثتان من أيام كلينتون

يروي بيري حادثتين شهدهما، تدفعانه إلى قول ما قاله. في عام 1994، حين كان وزيرًا للدفاع في إدارة كلينتون، اتخذ القرار بضرب مفاعل يونغبيون الكوري الشمالي لمنع بونغ يانغ من تخصيب البوتونيوم الذي تستخدمه في بناء سلاحها النووي. كان الأميركيون جادين&في ذلك، وأدرك الكوريون الشماليون ذلك، فأدت الدبلوماسية القاسية إلى توقيع اتفاقية توقفت بموجبها كوريا الشمالية عن بناء سلاحها النووي بشمل كامل.

في أثناء ولاية كلينتون الثانية، كان بيري قد غادر البنتاغون، لكنه قاد الجهود الدبلوماسية لوضع حد تام ونهائي لبرنامج كوريا الشمالية النووي، بمشاركة كوريا الجنوبية واليابان، فأثمرت اتفاقًا يقضي بتطبيع العلاقات الدولية مع كوريا الشمالية مقابل وقفها برنامجها للتسلح النووي.

يقول بيري: "لم يتابع الرئيس جورج بوش مساعي كلينتون في هذا الاتجاه، وأنا مقتنع بأنه ضيع فرصة ثمينة. اليوم، تملك كوريا الشمالية بين 10 قنابل و20 قنبلة نووية، ولهذا أرى أن الدبلوماسية اليوم أفضل كثيرًا من الحرب".

إن لم تستخدمها!

لكن، ما الذي يضمن نجاح الجهود الدبلوماسية اليوم فيما كانت غير فاعلة في أثناء 16 عامًا مضت؟ يقول بيري: "استندت استراتيجيتنا التفاوضية في السابق إلى محفزات اقتصادية نعرضها أو نوقفها، وهذه الاستراتيجية&لم تنفع، فبينما تريد القيادة الكورية الشمالية إنعاش اقتصادها المتهافت، يرتبط هذا الهدف دائمًا بدعم قيادة كيم جونغ إيل، علمًا أن هذه القيادة على يقين أنها ستبقى قوية بقدراتها النووية. هذا صحيح، لكن إذا لم تستخدمها فحسب".

هذا الإدراك، بحسب بيري، يؤدي إلى صوغ استراتيجية&تفاوضية جديدة، تتيح لكوريا الشمالية أن ترى طريقة للحياة غير الاحتماء الدائم برؤوسها النووية، كالسعي إلى تقوية الاقتصاد من خلال طريقين: الأول، التعاون الممكن والكامل مع الصين، من خلال شراكة بلا تفرد، لأن الصين هو البلد الوحيد القادر على تهديد الاقتصاد الكوري الشمالي بوقف إمداد الغذاء والنفط عنه.&

والصين اليوم في موقع يدفعها المساهمة في هذا الجهد بعدما تصاعدت خشيتها من استمرار بيونغ يانغ في تجاربها النووية في بحر الصين؛ والثاني، اقتناع القيادة في كوريا الشمالية أن الولايات المتحدة استنفذت كل مساعيها الدبلوماسية، وهي تستعد لتوجيه ضربة إلى القدرات العسكرية الكورية الشمالية.&

فالتهديدات السابقة لم تكن جادة، وقد أهملتها بونغ يانغ وما استجابت لها. إلا أن انهمار صواريخ توماهوك الأميركية على سوريا، ووصول حاملات طائرات تكتيكية إلى قبالة&السواحل الكورية، عاملان غيّرا الكثير من الحسابات.

ويختم بيري: "إن البديل عن الدبلوماسية هو العمل العسكري، من دون أي شك، والولايات المتحدة قادرة على ضرب المنشآت العسكرية في كوريا الشمالية تمامًا كما ضربنا القاعدة العسكرية في سوريا، إلا أن التداعيات ستكون أكبر وأخطر. فأظن أن ردة الفعل الكورية الشمالية ستستهدف كوريا الجنوبية، فتشتعل الحرب وتتسع. ربما علينا أن نستخدم القوة ضد بيونغ يانغ في لحظة ما، لكن ليس الآن، والسؤال: هل سنتمكن من انتهاز هذه الفرصة؟ فربما تكون الأخيرة".