يدلي الفرنسيون بأصواتهم الأحد، وسط تدابير أمنية مشددة، بعد اعتداء جديد وقع في باريس، في الدورة الأولى من انتخابات رئاسية حاسمة لمستقبل الاتحاد الأوروبي، وسط ترقب شديد حيال الغموض الذي يلفّ نتائجها.

إيلاف - متابعة: بعد ثلاثة أيام على الاعتداء على جادة الشانزيليزيه في قلب باريس، والذي أدى إلى مقتل شرطي، ينتشر خمسون ألف شرطي وسبعة آلاف عسكري لضمان حسن سير عمليات التصويت.

أيقظ هذا الهجوم الذي تبناه تنظيم داعش الخوف من الإرهاب في بلد عانى سلسلة من الاعتداءات "الجهادية" أوقعت 239 قتيلًا منذ مطلع 2015.

أربعة متنافسين
في نيويورك، تم إخلاء القنصلية الفرنسية، حيث كان مئات الفرنسيين يصوّتون السبت، لفترة وجيزة، إثر إنذار بوجود قنبلة، قبل أن يعود الوضع إلى طبيعته.

ومن أصل 11 مرشحاً يتواجهون في هذه الدورة الأولى، تشتد المنافسة بين أربعة منهم، يتصدرون نوايا الأصوات، وفي طليعتهم الوسطي الشاب إيمانويل ماكرون، ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، يتبعهما بفارق طفيف المحافظ فرنسوا فيون وزعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون.

وسيتواجه المرشحان اللذان يحلان في طليعة نتائج الدورة الأولى مساء الأحد في الدورة الثانية في 7 مايو. وتراهن لوبن (48 عامًا)، رئيسة حزب الجبهة الوطنية، على الموجة الشعبوية التي حملت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ودفعت بريطانيا إلى اختيار الخروج من الاتحاد الأوروبي، للفوز في الانتخابات.

بريكست والاقتصاد
تصف هذه المحامية نفسها بأنها "وطنية: قبل أي شيء، ترغب في سحب بلادها من اليورو ومن نظام التنقل الحر في فضاء شينغن الأوروبي، وفق برنامج قد يسدد برأي المراقبين الضربة القاضية إلى اتحاد أوروبي بات في وضع هش بعد بريكست. في المقابل، يعرض ماكرون (39 عامًا)، أصغر المرشحين سنًا، برنامجًا ليبراليًا، سواء في الاقتصاد أو المسائل الاجتماعية، وهو بنى حملته على خط مؤيد لأوروبا.

حقق وزير الاقتصاد السابق (2014-2016) الحديث العهد في العمل السياسي، شعبيته على أساس رفض الأحزاب التقليدية والرغبة في التجديد التي عبر عنها الفرنسيون، محددًا توجه حركته "إلى الأمام!" بأنه "ليس من اليمين ولا من اليسار".

مفاجآت وتقلبات
وكانت الحملة الانتخابية حافلة بالمفاجآت والتقلبات في المواقف، فشهدت سقوط المرشحين الرئيسيين، الذين كانوا يشغلون الساحة السياسية منذ عقد الواحد تلو الآخر، ومن أبرزهم الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي خرج من السباق منذ الانتخابات التمهيدية لليمين.

أرغم الرئيس المنتهية ولايته الاشتراكي فرنسوا هولاند إلى التخلي عن الترشح لولاية ثانية، في ظل شعبية متدنية أضعفت موقعه، في سابقة في فرنسا منذ أكثر من ستين عامًا.

وفشل رئيس وزرائه مانويل فالس في الفوز بالترشيح الاشتراكي، وقد هزم في الانتخابات التمهيدية أمام مرشح أكثر اتجاهًا إلى اليسار هو بونوا آمون.

وفي مفاجأة أخرى من جانب اليمين، تراجع المحافظ فرنسوا فيون، الذي كان الأوفر حظًا بعد فوزه الكبير في الانتخابات التمهيدية لحزبه، في استطلاعات الرأي، بعد الكشف في نهاية يناير عن فضيحة وظائف وهمية في البرلمان استفادت منها زوجته واثنان من أولاده.

وعلى الرغم من توجيه التهمة إليه في مارس باختلاس أموال عامة، رفض سحب ترشيحه، مراهنًا على خبرته في السياسة وصموده في وجه هذه القضية من أجل الوصول إلى الدورة الثانية.

شهد الشوط الأخير من السباق مفاجأة أخيرة، كانت تقدم مرشح آخر "من خارج الأحزاب"، هو جان لوك ميلانشون، الاشتراكي السابق، الذي أصبح ممثلًا لـ"فرنسا المتمردة"، والذي نجح في تخطي الفارق مع فيون في استطلاعات الرأي.

تأثير الهجوم
ومع تقدم هذا الخطيب المفوه المعجب بفيدل كاسترو، والمستعد لإخراج بلاده من الاتحاد الأوروبي، إن لم يصلح التكتل أنظمته، ووصوله إلى المربع الأول، تعززت الشكوك بشأن نتيجة هذه الانتخابات، التي تلقى متابعة حثيثة في الخارج.

وفي مؤشر إلى الأهمية المتزايدة التي تثيرها الانتخابات الفرنسية في الخارج، تطرق الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الموضوع قائلًا إن الهجوم سيكون له "تأثير كبير" على الانتخابات، وإنه "سيساعد على الأرجح" لوبن، التي لا تخفي إعجابها به.

أما سلفه باراك أوباما، ففضل إجراء اتصال مع إيمانويل ماكرون. وإن كان امتنع عن تقديم دعمه رسميًا للمرشح الطامح إلى أن يصبح أصغر رئيس فرنسي سنًا، إلا أنه أعطاه دفعًا أكيدًا، لم يتوانَ المرشح في استثماره في حملته من خلال بث مقطع فيديو من الاتصال على تويتر.

المرشحون الـ11 للانتخابات الرئاسية الفرنسية
يختار الناخبون الفرنسيون الأحد في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية ما بين 11 مرشحًا يعرضون برامج متباينة، في ظل نسبة تردد قياسية. في ما يلي قائمة بالمرشحين:

مارين لوبن (48 عامًا) عن حزب الجبهة الوطنية:
تريد مارين لوبن النائبة الأوروبية التي تترأس منذ 2011 حزب الجبهة الوطنية (يمين متطرف) الذي أسسه والدها، أن "تعيد فرنسا إلى فرنسا". وهي تراهن على الموجة التي أوصلت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وحملت البريطانيين على التصويت لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي، لتفوز بالرئاسة، بناء على برنامجها المعادي للمهاجرين ولأوروبا وللعولمة.

حصلت على 17.9% من الأصوات، حين ترشحت في المرة الأولى للرئاسة عام 2012، وحقق حزبها منذ ذلك الحين سلسلة من النجاحات الانتخابية. وهي تتصدر نوايا الأصوات في استطلاعات الرأي، في منافسة شديدة مع الوسطي إيمانويل ماكرون، غير أن التوقعات تشير إلى هزيمتها في الدورة الثانية.

إيمانويل ماكرون (39 عامًا) عن حركة "إلى الأمام!":
كان مصرفي الأعمال السابق إيمانويل ماكرون غير معروف من الفرنسيين قبل انضمامه إلى الحكومة عام 2014 كوزير للاقتصاد، وانطلق في السباق إلى الرئاسة في نهاية أغسطس 2016 على رأس حركته "إلى الأمام!"، محددًا موقعه في وسط الساحة السياسية الفرنسية.

يحظى المرشح الشاب بكاريزما، ويجتذب حشودًا إلى مهرجاناته الانتخابية، ويحصد دعم شخصيات سياسية وإعلامية واقتصادية من كل التوجهات، غير أنه ما زال يتعيّن عليه ترجمة هذا الطموح إلى تجديد الحياة السياسية في صناديق الاقتراع. ويأخذ عليه خصومه افتقاره إلى الخبرة، وهو لم يسبق أن تولى أي منصب منتخب.

فرنسوا فيون (63 عامًا) عن حزب "الجمهوريون":
بعدما بقي رئيس الوزراء السابق في عهد نيكولا ساركوزي (2007-2012) لفترة طويلة في الظل، أحدث مفاجأة بفوزه في الانتخابات التمهيدية لليمين، مستندًا إلى مشروعه القاضي بمعالجة مشكلات البلاد بصورة جذرية وترميم هيبة السلطة ومكافحة جنوح الشباب والتعبئة ضد "التوتاليتارية الإسلامية".

ينشط هذا النائب عن باريس في السياسة منذ نحو أربعين عامًا، وبنى حملته الانتخابية على التقشف والنزاهة، غير أنه بات في موقع ضعيف إثر فضيحة طاولته بشأن وظائف وهمية استفادت منها عائلته، وأدت إلى توجيه التهمة إليه في قضية "اختلاس أموال عامة".

جان لوك ميلانشون (65 عامًا)، عن "فرنسا المتمردة":
يخوض الوزير الاشتراكي السابق وأحد مؤسسي حزب اليسار سباق الانتخابات هذه السنة "خارج الأحزاب" كمرشح يمثل "فرنسا المتمردة"، بدعم من الحزب الشيوعي.

ينشط ميلانشون، الذي سبق وترشح للانتخابات عام 2012 (11.1%) على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو يعتمد على نجاح حملته الرقمية، ولعبة الفيديو التي أطلقها بعنوان "فيسكال كومبات" (معركة ضريبية) وخطاباته العالية النبرة. ونجح هذا المرشح المعجب بفيدل كاسترو خلال الأيام الأخيرة من الحملة في فرض نفسه في المربع الأول لأبرز أربعة مرشحين.

بونوا آمون (49 عامًا)، عن الحزب الاشتراكي:
أثار آمون الذي ينتمي إلى الجناح اليساري من الحزب الاشتراكي مفاجأة في الحملة، إذ تمكن من فرض خطه الاجتماعي والبيئي في الدورة الثانية من الانتخابات التمهيدية لليسار الفرنسي، في مواجهة رئيس الوزراء السابق مانويل فالس.

يسعى هذا النائب الاشتراكي "المتمرد" الذي كان وزيرًا في حكومة الرئيس هولاند، إلى جمع يسار مشرذم بين تيارات عدة، في محاولة للانتقال إلى الدورة الثانية من الانتخابات. وهو حصل على دعم يانيك جادو المناصر للبيئة الذي تخلى عن ترشيحه لمصلحته، غير أنه لم يعقد تحالفًا مع ممثل اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون.

المرشحون الآخرون
- فرنسوا أسولينو (59 عامًا)
يدعو هذا المفتش المالي السابق من أنصار السيادة الوطنية، ويصف نفسه بأنه "مرشح التحرير الوطني"، إلى خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي. واتهاماته ضد أجهزة الاستخبارات الأميركية جعلته يصنف من أتباع نظريات المؤامرة.

- ناتالي آرتو (47 عامًا)
سبق أن شاركت مرشحة حزب "النضال العمالي" اليساري المتطرف في انتخابات 2012 (0.56%) وهي أستاذة في الاقتصاد وإدارة الأعمال تدعو إلى "إطاحة هذا المجتمع الذي تهيمن عليه سلطة المال".

- جاك شوميناد (75 عامًا)
بعد حصوله على 0.25% من الأصوات عام 2012، يترشح هذا الموظف السابق في الدولة مرة جديدة "ضد السلطة السياسية التي تحالفت مع إمبراطورية المال"، واصفًا نفسه بأنه "نبي السعادة"، وطامحًا إلى "استعمار الفضاء".

- نيكولا دوبون تينيان (56 عامًا)
يدعو رئيس حركة "إنهضي يا فرنسا" (دوبو لا فرانس) المتمسكة بالسيادة الوطنية (1.79% في 2012) إلى "يقظة" الفرنسيين والخروج من اليورو، محددًا موقعه بين اليمين واليمين المتطرف.

- جان لاسال (61 عامًا)
لزم هذا الراعي السابق والنائب الوسطي عن منطقة البيرينيه الأطلسية (جنوب غرب) إضرابًا عن الطعام لمدة 39 يومًا احتجاجًا على نقل مقر مصنع في دائرته، وعبر البلاد سيرًا على قدميه لمدة تسعة أشهر ليلتقي الفرنسيين. وهو قاد حملة انتخابية خارجة عن الأنماط المعروفة، وغالبًا ما أثارت السخرية على شبكات التواصل الاجتماعي. 

- فيليب بوتو (50 عامًا)
اشتهر هذا العامل بكفاحه من أجل الحفاظ على الوظائف في مصنعه "فورد"، وسبق أن ترشح عام 2012 عن "الحزب الجديد المعادي للرأسمالية" (1.15%).