تعيش مصر على وقع جدل جديد، بعدما أعلنت لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب عن الموافقة على مشروع قانون يَقضِي بمنح الجنسية للأجانب مقابل وديعة بالدولار في البنوك المصرية تحددها وزارة الداخلية.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: وافقت لجنة الدفاع والأمن القومي، في مجلس النواب المصري، على مشروع قانون مقدم من الحكومة يسمح بمنح الجنسية المصرية للأجانب، مقابل دفع مبلغ مالي في صورة وديعة بنكية بالعملة الصعبة لمدة 5 سنوات متتالية.

وينص مشروع القانون على أنه: "يجوز منح الجنسية المصرية بقرار من وزير الداخلية، لكل أجنبي أقام في مصر مقابل وضعه وديعة في البنوك المصرية لمدة خمس سنوات متتالية على الأقل قبل تقديم طلب التَّجنُّس، متى كان بالغاً سنّ الرُّشد، وتوافرت فيه الشروط اللازمة وفقاً للقانون"، وأنه في حال قبول طلب التجنُّس، تؤول قيمة الوديعة للخزانة العامة للدولة".

حسب المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون، فإن الهدف منه "تشجيع استثمار الأموال العربية والأجنبية في المشروعات الاقتصادية المصرية، وتيسيراً على الأجانب ذوي الارتباط الطويل والقوي بمصر".

كما يهدف مشروع القانون إلى "خلق جوّ من الثقة والاستقرار؛ ليطمئن المستثمرون على أموالهم ومشروعاتهم، وتحقيقًا للاستقرار العائلي لهم على الجانب الآخر وفي محاولة منه لتبرير القانون وامتصاص الانتقادات الموجهة للقانون.

وقال شريف إسماعيل رئيس الوزراء: "هذا القانون ليس في مصر فقط إنما في الكثير من دول العالم".

يضع مشروع القانون "ضوابط أمنية وسياسية" على منح الجنسية المصرية، لكنه لم يوضح طبيعة هذه الضوابط، وتركها مفتوحة حسب تقديرات الأجهزة الأمنية.

وأثار مشروع القانون حالة من الجدل في الرأي العام المصري، ما بين مؤيد ومعارض. ويرى المؤيدون أن إقرار القانون يأتي ضمن الحلول العاجلة للأزمة الاقتصادية.

معارضون

بالمقابل، يرى المعارضون أن مشروع القانون يمثل تهديداً للأمن القومي المصري، وبيعًا للوطن مقابل "حفنة دولارات"، ويتساءلون: هل ستقوم الحكومة بمنح الجنسية المصرية للمستثمرين الإسرائيليين؟ وهل سيتم منحها لرجال أعمال من دول تتهمها الحكومة المصرية بدعم الإرهاب؟

وقال فؤاد عبد النبي، الخبير والفقيه الدستوري، إن مشروع القانون يخالف نص المادة السادسة من الدستور، التي تنص على: "الجنسية حق لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية، والاعتراف القانوني به ومنحه أوراقًا رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه." بالتالي القانون الجديد في حالة إقراره بشكل نهائي من قبل البرلمان سوف يطعن عليه بعدم دستوريته أمام المحكمة الدستورية العليا".

وأضاف لـ"إيلاف": "طرح مشروع منح الجنسية للمستثمرين الأجانب في مصر، لا يعد الطرح الأول ، حيث سبق وأن أعلنت الحكومة &في يوليو 2016 عزمها تعديل أحكام القرار بقانون رقم 89 لسنة 1960، المُتعلّق بدخول وإقامة الأجانب في مصر، وقامت بإحالة مشروع القانون إلى قسم الفتوى والتشريع في مجلس الدولة لإبداء الرأي القانوني بشأنه، وكانت المفاجأة رفض مجلس الدولة &في أكتوبر 2016 القانون لما يُمثّله من خطورة على الأمن القومي ومخالفته للدستور".

قال اللواء نصر موسى الخبير الأمني لـ"إيلاف" إن منح الإقامة للأجانب مقابل وديعة بالدولار، له خطورة كبيرة مستقبلًا على الأمن القومي.

وأضاف أن القانون "سيكون بوابة لحصول دول بعينها على الجنسية لمواطنيها مقابل دفع ملايين الدولارات، بهدف دعم الإرهاب".

وحذر من أن الأجهزة الأمنية لن تكون قادرة علىي الحصول على التحريات الدقيقة بشأن طالبي الجنسية، فهناك ثغرات تقع فيها الأجهزة الأمنية، والسؤال كيف ستتحرى الأجهزة الأمنية عن طالبي الجنسية المقيمين في الخارج؟

وطالب موسى مجلس النواب بضرورة رفض مشروع القانون، في ظل الظروف الصعبة الأمنية التي تمرّ بها مصر، على أن يتم طرح البديل المناسب لدعم الاقتصاد بما يصبّ في صالح جذب المستثمرين.

في صالح اقتصاد مصر

وبالمقابل، قال اللواء كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب إن قانون منح الجنسية المصرية للأجانب يصب في صالح مصر، وعلي رأسها الجانب الاقتصادي، مشيرًا إلى أنه لن تكون هناك أي تأثير من جانب القانون على الأمن القومي.

وأضاف عامر في تصريحات له، أن الهدف من مشروع القانون إرساء نظام جديد لإقامة الأجانب في مصر، مشيرًا إلى أن إيداع وديعة نقدية بالعملة الأجنبية في البنوك المصرية استثمار غير مباشر، ويشجع الاستثمار العربي والأجنبي للدخول في المشروعات الاقتصادية في مصر.

وأكد عامر، أن منح الجنسية حال طلبها من الأجنبي المقيم في مصر بوديعة لمدة 5 سنوات ليست حتمية، حيث يتم منح الجنسية لهذا الأجنبي إذا انطبقت عليه شروط الجنسية ووافقت الأجهزة المختلفة على منحه إياها.

ولفت إلى أن الوديعة ستكون مجمدة دون فوائد بالعملة الأجنبية، على أن تنقل بعد ذلك لدعم الموازنة &العامة في حال الموافقة على منح الجنسية لصاحبها.

في السياق ذاته أكد محمود عزت، أستاذ الاقتصاد جامعة الأزهر، أن هناك أكثر من 5 آلاف أجنبي مقيم في مصر، يسعى الكثير منهم للحصول على الجنسية والإقامة، لذلك يتوقع أن يحقق قانون الجنسية في حال تطبيقه عائدا اقتصاديا كبيرا يدعم خزانة الدولة والاحتياطي الأجنبي ، فقد خرجت تصريحات من الحكومة بأن قيمة الوديعة لن تقل عن 250 ألف دولار، وهو ما سيحقق دعمًا ماليًا للدولة لا يقل عن 10 مليارات دولار على الأقل، وقد يفوق العائد إلى أكثر من ذلك في حال استثمار الحكومة جيدًا للقانون.

مصر ليست الأولى التي تقدم الجنسية مقابل الدولارات، فهناك أكثر من 11 دولة وضعت قوانين من شأنها تحسين الاقتصاد بمنح الجنسية للمستثمرين في بلادها، أو من يقوم بشراء عقارات على أرضها وذلك لتنشيط حركة الاستثمار بداخلها.

وتعتبر تركيا من أول الدول التي سلكت هذا النهج، وتمنح الجنسية إلى المستثمرين الأجانب الذين يستثمرون أموالًا على أراضيها التركية بمقدار مليوني دولار أو أكثر، أو من يمتلكون عقارات في تركيا بقيمة لا تقل عن مليون دولار.

وتشترط تركيا عدم بيع العقار خلال السنوات الثلاث الأولى بعد حصول المستثمر على الجنسية، كما شمل ذلك من يقومون بتوفير 100 فرصة عمل، أو من يشترون سندات حكومية تركية لأجل 3 سنوات بقيمة 3 ملايين دولار أو من أودعوا في المصارف التركية أموالًا بقيمة 3 ملايين دولار شرط عدم سحبها لمدة 3 سنوات.

بينما تشترط النمسا تقديم المستثمر مشروعات بقيمة لا تقل عن عشرة ملايين دولار، فيما يبلغ سعر الحصول على الجنسية في قبرص 34 مليون دولار، وبسبب الأزمة المالية تم تخفيض المبلغ إلى 6.2 ملايين دولار للأفراد.

وفي استراليا يمكن الحصول على إقامة دائمة في البلاد للمستثمرين عقب إنفاق حوالى 5 ملايين دولار بعدها يسمح بالتقدم بطلب الحصول على الجنسية، أما في &البارغواي، فالجنسية تساوي فتح حساب بنكي بـ 5 آلاف دولار أو شراء قطعة أرض، والإقامة في الأراضي البارغوية لمدة 3 سنوات.

ويمكن للمستثمرين الحصول الجنسية البرازيلية، بموجب انشاء مشروعات بقيمة 65 ألف دولار هناك، والإقامة لمدة أربع سنوات. وفي بلغاريا يمكن الحصول على الإقامة الدائمة عبر استثمار 512 ألف يورو ويحصل الشخص على الجنسية بعد عام فقط.

وتقدم مالطا جنسيتها مقابل مليوني دولار، وفي هونغ كونغ يمكن الحصول على الجنسية الصينية باستثمار 1.3 مليون دولار فأكثر، بينما الجنسية في جزر القمر تساوي استثمار بمبلغ 50 ألف دولار.