تنطلق الثلاثاء في جنيف جولة جديدة من مفاوضات السلام حول سوريا، تطغى عليها إلى حد كبير محادثات أستانة، إضافة إلى إخفاق جديد للفصائل المعارضة، بعد إجلاء مقاتليها من ثلاثة أحياء في دمشق.

إيلاف - متابعة: بعد ست سنوات من الحرب المدمرة التي تسببت بمقتل أكثر من 320 ألف شخص، تُبذل الجهود السياسية لتسوية النزاع السوري حاليًا في سياق مسارين، الأول رسمي، والثاني موازٍ.

انطلق الأول في العام 2014 في جنيف، حيث تستضيف الأمم المتحدة جولات مفاوضات غير مباشرة بين طرفي النزاع. وتشهد أستانة منذ يناير 2017 جولات محادثات موازية برعاية روسيا وايران، اللتين تعتبران حليفتي الرئيس السوري بشار الاسد وتركيا الداعمة للمعارضة.

تقلص نفوذ أميركا
ومنذ تولي دونالد ترمب الرئاسة في الولايات المتحدة، تراجع حضور واشنطن، التي تدعم المعارضة السورية في مفاوضات السلام التي كانت في السابق ترأسها مع روسيا. بيد ان مبعوث الامم المتحدة الى سوريا ستافان دي ميستورا عبّر خلال مؤتمر صحافي في جنيف عن ارتياحه "لانخراط واهتمام الادارة الاميركية المتزايد" بالملف السوري.

وقال نصرالحريري، رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات في جنيف في تصريح صحافي: "مفتاح النجاح في هذه العملية هو الانتقال الى سوريا حرة لا مكان فيها لا لبشار الاسد ولا للارهاب".

وردًا على سؤال حول اتهام الولايات المتحدة للنظام السوري باقامة "محرقة جثث" في أحد السجون العسكرية للتخلص من رفاة آلاف المعتقلين الذين تمت تصفيتهم، قال الحريري "هذا غيض من فيض، ما يحدث في سجون النظام أبشع من هذا بكثير".

ويرى محللون أن الامم المتحدة تبدو وكأنها في سباق مع محادثات أستانة&التي تشهد زخمًا أكبر، خصوصاً بعد توقيع مذكرة في الرابع من الشهر الحالي تقضي بإنشاء أربع مناطق "تخفيف التصعيد" في الجبهات الاكثر عنفًا في سوريا. وقد وضع الاتفاق موضع التطبيق.

ومنذ بدء سريان الاتفاق قبل اسبوع، تراجعت وتيرة القتال في مناطق عدة. لكن في دمشق، التي لا يشملها الاتفاق، تمكنت الحكومة السورية من تنفيذ اتفاقات إخلاء ثلاثة أحياء، كانت تحت سيطرة المعارضة، لتقترب بذلك من السيطرة شبه الكاملة على العاصمة للمرة الاولى منذ العام 2012.

طرق الحديد
وفي الاسبوع الماضي، قال دي ميستورا في جنيف إنه يعتزم تكثيف العمل حول عناوين جدول الاعمال في جولة المفاوضات التي يتوقع ان تستمر أربعة ايام فقط، انطلاقاً من مبدأ "ضرب الحديد وهو حامٍ"، على حد تعبيره.

وبحسب دي ميستورا، فإن "محادثات أستانة التي شاركنا فيها بفعالية أثمرت نتائج واعدة للغاية على الارجح. ونرغب قدر الامكان بربط هذه النتائج بالافق السياسي". ولم تنجح جولات مفاوضات السلام السابقة في تحقيق نتائج ملموسة. في الجولة الاخيرة في مارس، بدأت أطراف النزاع مناقشة المحاور الاربعة، التي يتألف منها جدول الاعمال، وهي الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الارهاب.

يقول الباحث المتخصص في الشؤون السورية في مؤسسة "سانتشوري فاوندايشن" أرون لوند لوكالة فرانس برس، انه "رغم القيمة الرمزية القوية التي تمثلها (مفاوضات جنيف)، فإنها لا تتقدم بشكل واضح". ويتابع "في الممارسة، غطى مسار أستانة الى حد كبير على مسار جنيف، على الاقل حتى الآن".

مأزق&
ومن المتوقع وصول الوفود السورية الى جنيف الاثنين، عشية استئناف جولة المحادثات غير المباشرة. وكما جرت العادة، يرأس مندوب سوريا الدائم لدى الامم المتحدة في نيويورك بشار الجعفري الوفد الحكومي، فيما يرأس وفد الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لاطياف واسعة من المعارضة السورية، الطبيب نصر الحريري، ويتولى الحقوقي محمد صبرا مهمة كبير المفاوضين.

ويتمسك وفد الهيئة العليا بمطلب رحيل الرئيس السوري بشار الاسد عن السلطة في المرحلة الانتقالية، الامر الذي ترفضه دمشق بالمطلق وتعتبره غير قابل للنقاش أصلاً. ويرى لوند "من ناحية الشكل يدور مسار جنيف حول هذا المأزق".

ويوضح ان "الانعكاس الرئيس لربط تحقيق السلام بالانتقال السياسي هو تهميش دور الامم المتحدة في جنيف، مقابل تحويل الانتباه الى أستانة". وفي جولة المحادثات الأولى في استانة في يناير 2017، اتفقت روسيا وايران وتركيا على تعزيز اتفاق لوقف اطلاق النار بدأ سريانه في 30 ديسمبر 2016 بموجب اتفاق بين موسكو وأنقرة.

مضمون مختلف
تتالت الاجتماعات إثر ذلك في أستانة، وصولاً الى توقيع الدول الثلاث الضامنة مذكرة قبل أقل من أسبوعين تقضي بإنشاء مناطق "تخفيف التصعيد" في ثماني محافظات سورية. ويرى لوند أن "مسار أستانة لا يحمل المضمون نفسه (الذي يناقش جنيف)، وتتم إدارته بشكل أكبر وفق شروط روسيا. وهذا يعني انه اكثر انسجاماً مع الوقائع على أرض المعركة".

واعتبر الرئيس السوري بشار الاسد في مقابلة مع قناة "او ان تي" البيلاروسية، نشر نصها الاعلام الرسمي الخميس، أن مفاوضات جنيف "مجرد لقاء إعلامي"، مضيفًا "لا يوجد أي شيء حقيقي في كل لقاءات جنيف السابقة، ولا 0.1 بالمليون، حتى هذا الرقم غير موجود".

وفي ما يتعلق بمحادثات أستانة، قال الاسد: "الوضع مختلف.. تلك المحادثات بدأت تعطي نتائج من خلال أكثر من محاولة لوقف إطلاق النار، آخرها ما سمي مناطق تخفيف التصعيد أو تخفيف الأعمال القتالية". وردًا عن سؤال بهذا الشأن قال دي ميستورا ان ما يجري في مباحثات جنيف اكثر "جوهرية" مما يقال امام الكاميرات.

واضاف: "اميل الى الاعتقاد بأن الاجتماعات (السابقة) واجتماعات الايام المقبلة هي اكثر جوهرية بكثير من التعليقات العامة التي يدلى بها امام الكاميرات".
&