كتب بكر عويضة: منذ ما بعد ظهر أول من أمس (الأحد) وأمس، تابعتُ تأثير وفاة الصحافي السعودي الكبير تركي السديري، على زملائه في صحف المملكة، ومختلف وسائل إعلامها، فلفتني أن الفزع إزاء مصيبة الموت، لم يحل دون فزعة وفاء تجلت واضحة في كل ما قرأت، ما سمعت، وما شاهدت من ردود فعل نجوم الصحافة السعودية، المعروفين في الدائرة الأوسع، عربياً ودولياً.

كتابات عدة نُشرت، وآراء كثيرة بُثت، كلها أجمعت على تشكيل ما بدا أنه فزعة وفاء مُستَحقة، وفي موضعها الصحيح تماماً. قرأت بعقل المجرّب قراءة ما يُكتب قبل نشره، ثم بعده، فلمست معاناة زملاء مفجوعين بصدمة الرحيل المفاجئ- والموت يظل مفاجأة، حتى لو كان متوقعاً بين إغماضة عين وانتباهتها- تغالب كلماتهم الحزن، بلا تكلّف، علّها تفي الراحل جانباً من جوانب حقه، خصوصاً إزاء ما أسهم به طوال أكثر من أربعة عقود، تجاه نهضة صحافة بلده وتطور أدائها. تجلى ذلك الإسهام- كما أورد معظم ما قرأت- سواء من خلال ما كتب قلم تركي السديري، أو حاور من الشخصيات الفاعلة، أو عبر أسلوب إدارة تحرير اتسم برعاية المواهب الناشئة وتشجيعها على الانطلاق، كما اهتم بإعطاء الصحافة السعودية فرصتها الجديرة بها. بذلك النهج بلغت صحيفة «الرياض» مكانا بارزاً، ومكانة متميزة، على خارطة الصحافة الخليجية، بل والعربية. ورغم أن تركي السديري معروف في أوساط الصحافة العربية عموماً، إلا أنه عُرف أيضاً بالعزوف عن السعي لأضواء وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة، بل كان مُقِلاً، أو قل انتقائياً، لجهة الظهور في مؤتمرات أو ندوات إعلامية.

على الجانب الشخصي، للأسف، لم أعرف الراحل الكبير عن قرب، إذ التقيته مرة واحدة بمنزل الأستاذ عثمان العمير قبل سنوات طويلة، لكن معرفتي المهنية عنه، كانت تضعه دائماً في موضع يليق بكبار أهل مهنةٍ قلّما يحصل ما يقارب الإجماع على تخلّق أحدهم بصدق التواضع مقترناً بتفوّق الأداء المِهني وتميّزه. حقاً، لقد استخلصت مما قرأت من وفاء زملائه الكُثر، أن تركي السديري، سوف يُذكر دائماً، بعد الغياب كما قبله، وبحق، أنه واحدٌ من هؤلاء النادرين. رحم الله أبا عبد الله، وجمّل بالصبر الجميل أهله ومحبيه.