عرَض دونالد ترمب الكثير من الأسلحة على السعوديين خلال زيارته الرياض. فهل يستطيع تسليمها؟ الكاتب ديفيد ديس نوتشيس يستفيض في البحث في ما يمكن أن يحصل.


خاص ايلاف من واشنطن: كانت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى السعودية انتصاراً للتوقعات المتدنية. وعلى النقيض من قمة كامب ديفيد ذات الحضور الهزيل في عهد باراك أوباما الذي دعا زعماء مجلس التعاون الخليجي اليها (او سعى إلى حضورهم)، فإن ترمب كان يرفل في وهج الحفاوة التي نالها من زعماء عرب وشعوبهم. بل كان هناك زعماء عرب أرادوا الحضور ولم يتمكنوا. وأُجبر الرئيس السوداني عمر البشير، المطلوب بتهمة ارتكاب جرائم حرب، على إلغاء حضوره تجنبًا لإحراج أميركا.

فن تغليف

كان الجانب الذي تناولته الصحافة كلها تقريبًا من الزيارة هو عقد صفقة سلاح سعودية أميركية قيمتها مليارات الدولارات.&

وكتب ديفيد ديس نوتشيس تحليلاً موسعاً في موقع «War on the Rocks» يقرأ ما بين سطور صفقات السلاح التي تراوحت تقديراتها بين 110 مليارات دولار وأكثر من 350 مليار دولار.

وكما هي الحال دائمًا في هذه القضايا، تتسم التعريفات والأطر الزمنية بأهمية بالغة. لكن المؤكد أن صفقة السلاح التي تناقلتها الأنباء هي أكبر صفقة عقدتها الولايات المتحدة في تاريخها. فهل يستطيع ترمب تسليم ما عرضه؟

يقول ديفيد ديس نوتشيس إن العرض الذي قُدم في الرياض أقرب إلى "فن التغليف" منه إلى "فن الصفقات". فحين تبيع الحكومة الاميركية أسلحة إلى بلد أجنبي تبيعها من خلال عملية معقدة بعض الشيء اسمها "المبيعات العسكرية الخارجية".

هذا البرنامج من صلاحيات وزارة الخارجية، هدفه التوثق من التزام القوانين الاميركية، واكتساب العميل قدرة كاملة، وليس الحصول على المعدات وحدها. فبدلًا من الأسلحة، وحدها يتسلم الشاري "جعبة" تضم كل ما هو مطلوب خلال عُمر السلاح. على سبيل المثال، جعبة "المبيعات العسكرية الخارجية" لن تتضمن منظومة سلاح كبيرة (طائرة مثلًا) فحسب، بل تتضمن ايضًا ارشادات وتدريبات وقطع غيار ونقل المعدات وكل ما هو مطلوب لتشغيل السلاح خلال دورة حياته باستثناء الوقود والعتاد.

هذه العملية باهظة الكلفة، لكن هذا الجانب منها يعكس الكلفة الحقيقية لتشغيل اسلحة حديثة. وهي طريقة مفتوحة ونزيهة في التعامل التجاري.

وإذا زادت قيمة صفقة تُعقد بموجب برنامج "المبيعات العسكرية الخارجية" للسعودية أو أغلبية البلدان الأخرى على 14 مليون دولار، يتعين إشعار الكونغرس ومنحه فرصة وقف الصفقة.

وخلال المرة الوحيدة التي جرت فيها محاولة كهذه ـ في ثمانينيات القرن الماضي مع بيع طائرات آواكس للسعودية ـ خاض الرئيس الراحل رونالد ريغان صراعًا مع الكونغرس انتهى بعقد الصفقة.

موافقة الكونغرس

عرض ترمب على السعوديين بعض المعدات التي تخطت عقبات الكونغرس ومعدات أخرى يمكن أن يعترض عليها الكونغرس. وقد تستغرق موافقة الكونغرس على المجموعة الثانية بعض الوقت. ما هي قيمة كل حزمة؟

تبين المبيعات التي أُشعر بها الكونغرس لتصدير معدات إلى السعودية أن الحكومة الاميركية - ادارة اوباما في الأغلب - نالت موافقة الكونغرس على بيع معدات قيمتها 23.7 مليار دولار للسعودية. واللافت أن كل هذه الصفقات - ما عدا صفقة واحدة هي برنامج صناعة منطاد مربوط بالأرض قيمته 500 مليون دولار - اقتُرحت في عهد أوباما.

أما باقي المعدات التي عرضها ترمب فيمكن ألا تنال موافقة الكونغرس. ويمكن أن تصل قيمة هذه الأسلحة إلى 86 مليار دولار.

وأفادت تقارير بأن ترمب عرض منظومات أسلحة كبيرة مثل منظومة الدفاع الجوي الصاروخي على ارتفاعات عالية في مسرح العمليات المعروفة باسم منظومة "ثاد"، التي ستكون أكبر صفقة سلاح خارج الولايات المتحدة قيمتها 13 مليار دولار لشراء سبع بطاريات، ونحو 3.5 مليارات دولار لشراء مركبات قتالية محدَّثة وجديدة من طراز برادلي.

تفوق نوعي

تاريخيًا، كان من الكوابح الكبيرة على بيع السلاح للسعودية سياسة أميركا في الحفاظ على "التفوق العسكري النوعي" للجيش الاسرائيلي.

ويقرأ الكاتب ديفيد ديس نوتشيس متسلحًا بخبرته في العمل على صفقات لبيع طائرات أف-15 ومعدات جوية للحرس الوطني السعودي بقيمة 60 مليار دولار، في هذه الصفقة لافتاً الى أن التفوق العسكري النوعي كان مبعث القلق الأكثر تواترًا في الكونغرس. وبالتالي، فإن الكونغرس يمارس قدرًا اكبر من التمحيص على الأسلحة المباعة للسعودية، حتى إذا صدرت موافقة على بيعها إلى دول عربية أخرى.&

على سبيل المثال، صدرت الموافقة على بيع منظومة "ثاد" للامارات وقطر، وهما بلدان صغيران بعيدان عن اسرائيل ولن ينتقصا من تفوق اسرائيل العسكري. وضع السعودية مختلف. فهي أكبر واقرب، والصفقة معها قد تثير معارضة في الكونغرس.

ليس هناك دليل على استشارة الكونغرس بشأن المجموعة الأكبر من الأسلحة التي تبلغ قيمتها 86 مليار دولار. ويمكن استخدام بعض هذه المنظومات مثل رادار "ثاد" بفاعلية ضد اسرائيل.

وعلى الغرار نفسه، لاحظت تقارير صحافية أن العرض يتضمن كمية كبيرة من الذخائر الجوية التي يستخدمها السلاح الجوي السعودي بفاعلية متناقصة في اليمن. وهناك اعتراض متزايد في الولايات المتحدة على الحرب الجوية السعودية في اليمن، وأُطلقت دعوات في الكونغرس للكف عن بيع اسلحة للسعوديين.

استدامة

افادت تقارير بأن الباقي من الكمية - نحو 240 مليون دولار - هو تكاليف استدامة خلال السنوات العشر المقبلة. وهذا في الحقيقة مجرد تقدير لما يمكن أن تتوقع الولايات المتحدة من السعودية أن تنفقه على تحديث المعدات وترميمها وتجديدها.

يستند هذا الرقم، على ما يُفترض، إلى الممارسة التاريخية، ويبدو أول وهلة مرتفعًا. لكن القاعدة المتعارف عليها لمن يملك يختًا استجماميًا هي أن يخطط لإنفاق 20 إلى 25 في المئة من سعر شرائه سنويًا على صيانته وادامته، والتقدير البالغ 240 مليار دولار يقع في هذا النطاق. فالمعدات العسكرية في تطور متواصل، والسعوديون سيريدون تحديث معداتهم بإلكترونيات جوية وبرمجيات وتكنولوجيات أخرى ما أن تصبح متاحة.

وهكذا، تتوزع الأرقام على النحو الآتي:

- 23.7 مليار دولار هي ما يستطيع ترمب أن يعرضه ويسلمه من دون العودة إلى الكونغرس.

- نحو 87 مليار دولار هي قيمة ما يمكن أن يسلمه ترمب إذا لم يعترض الكونغرس (خصوصًا مؤيدي&اسرائيل).

- 240 مليار دولار هي القيمة التخمينية لتكاليف الاستدامة والتدريب والتحديث خلال العقد المقبل.

يختم الكاتب بالقول إن الذين عملوا في صفقات السلاح سيخلصون إلى انه من أصل القيمة الاجمالية ليس لدى ترمب في الحقيقة سوى القدرة على الوعد بتسليم ما قيمته 23.7 مليار دولار. لكن الرقم الأكبر (110 إلى 350 مليار دولار)، هو ما ستتناقله الأخبار، والأهم من ذلك أن الرقم الأكبر هو ما سيكون موضع ترحيب في السعودية. وربما تأتي شريحة اللحم لاحقًا لكن رائحة الشواء هي ما يستأثر بالعناوين. وهذا هو فن الصفقات.
&
* ترجمة عبد الاله مجيد